السيارات الكهربائية بين ارتفاع التأمين والتضليل الإعلامي
شاحنة كهربائية من طراز أكتروس في معرض لوسائل النقل في مدينة هانوفر الألمانية (رويترز)
تلجأ وسائل الإعلام وبعض مراكز البحوث اليسارية إلى ذكر بيانات كاذبة أو خاطئة أو تستخدم بيانات صحيحة ولكن تعرضها بطريقة توحي بعكس حقيقتها
شجعوا السيارات الكهربائية لأنها صديقة للبيئة وتوقف استخدام النفط، شجعوا السيارات الكهربائية لأنهم اعتقدوا أن تكاليف البطاريات ستستمر بالانخفاض بحيث تصبح السيارات الكهربائية الفخمة في متناول الجميع، ولكن حصلت ثلاثة تطورات توضح محدودية نمو السيارات الكهربائية على رغم الإعانات الحكومية الضخمة.
أولاً ارتفعت أسعار السيارات الكهربائية بشكل كبير في العامين الأخيرين، إذ ارتفع سعر بعضها بمقدار 40 في المئة، وذلك بسبب ارتفاع التكاليف، خصوصاً البطاريات والمعادن اللازمة لهذه البطاريات. وهنا لابد من الحذر عند التعامل مع بيانات توضح متوسط أسعار مجموعة من السيارات الكهربائية، لأنها تتضمن سيارات هي عبارة عن "موتورسايكل" على شكل سيارة.
ثانياً لأن ملاك السيارات الكهربائية لا يدفعون ضرائب مثل ملاك سيارات العادية على البنزين والديزل، التي تستخدم في إصلاح الطرق والجسور، إذ قامت بعض الدول والولايات الأميركية برفع رسوم التسجيل السنوية على هذه السيارات الكهربائية.
ثالثاً، وهو الأهم، مع انتشار السيارات الكهربائية زادت الحوادث، والإصلاح لا يتم إلا في مصانع السيارات نفسها، وتكاليفها عالية جداً، الأمر الذي أجبر شركات التأمين على رفع تكاليف التأمين على السيارات الكهربائية، إذ صدر تقرير في بريطانيا عن شركة "ثاتكام" (وهي شركة بحثية مدعومة من شركات التأمين) بالشراكة مع هيئة حكومية لتشجيع الابتكار اسمها "إنوفيت يو كي"، قال إن هناك عقبات عدة أمام تبني السيارات الكهربائية على نطاق واسع، ليس فقط في بريطانيا، ولكن في الدول الأوروبية والولايات المتحدة أيضاً. وذكر التقرير أنه في الوقت الذي ركزت فيه شركات السيارات الكهربائية على تحسين المسافة التي يمكن أن تقطعها السيارة حتى تشحن البطارية مرة أخرى، المشكلة الكبرى هي ارتفاع تكاليف التصليح وارتفاع تكاليف التأمين. وطبعاً المشكلة الأساسية هي تكاليف البطارية. فكلفة استبدال بطارية سيارة "جاغوار آب بيس" تبلغ 89100 دولار أميركي، أو ما يعادل 70 ألف يوروـ الأمر الذي يعني ارتفاع تكاليف التأمين بشكل كبير بحيث لا يمكن إلا للأغنياء أن يدفعوه.
ويشير التقرير إلى أن متوسط كلفة إصلاح السيارة الكهربائية أعلى من مثيلتها العاملة بالبنزين أو الديزل بـ25.5 في المئة، كما أنها تستغرق وقتاً أطول بنسبة 14 في المئة. وركز التقرير على أن زيادة وزن السيارة الكهربائية مقارنة بمثيلتها التي تسير بالبنزين أو الديزل يعني أن نتائج الحوادث أكثر تأثيراً في السيارة، ومن ثم زيادة احتمال حدوث تحطيم أو عطل في البطارية.
وفي تقرير لموقع "نيرد وليت" استعرض متوسط تكاليف التأمين في الولايات المتحدة، أوضحت البيانات أنه بين 25 سيارة الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، فإن أعلى كلفة تأمين هي على سيارة تسلا موديل Y، وهذه الكلفة أكبر من أعلى كلفة تأمين ضمن السيارات الأخرى بنحو 38 في المئة.
وبالنظر إلى السيارات الأكثر فخامة، فإن كلفة تأمين سيارة تسلا موديل S أعلى من كلفة تأمين سيارة M بنحو 36 في المئة، وكلفة تأمين بورش تايكان الكهربائية أعلى بأكثر من 60 في المئة.
خلاصة الأمر أن موضوع التأمين ما زال في بدايته، ويتوقع أن ترتفع تكاليف التأمين بشكل كبير خلال السنوات المقبلة. وعلى رغم أن تقنية إعادة تدوير البطاريات ما زالت في بدايتها، إلا أن هناك تخوفاً كبيراً من أن انتشار هذه التقنية والتوسع فيها سيؤدي إلى زيادة كبيرة في سرقة السيارات الكهربائية، وهذا أمر سيرفع من تكاليف التأمين أيضاً.
التضليل الإعلامي
تلجأ وسائل الإعلام وبعض مراكز البحوث اليسارية إلى ذكر بيانات كاذبة أو خاطئة، أو تستخدم بيانات صحيحة، ولكن تعرضها بطريقة توحي بعكس حقيقتها. ففي الأيام الأخيرة ذكرت بعض وسائل الإعلام نتائج مبيعات بعض شركات السيارات، وذكرت أرقام المبيعات لكل صنف من السيارات بالتفصيل وبالأرقام والنسب. ولكنها عندما كتبت عن مبيعات السيارات الكهربائية ذكرت نسب الزيادة وتجاهلت الأرقام تماماً، في محاولة لإقناع القارئ بأن هناك انتشاراً ضخماً للسيارات الكهربائية. فإذا كانت مبيعات السيارات 300 ألف سيارة، وزادت بمقدار 30 ألفاً، فالزيادة 10 في المئة. ولكن إذا كانت مبيعات السيارات الكهربائية 1000 وارتفعت إلى 2000، فالزيادة 100 في المئة.
وركزت وسائل الإعلام هذه على أن الزيادة 100 في المئة، وتجاهلت أنها ألف سيارة فقط، بينما كانت الزيادة في السيارات الأخرى 30 ألفاً.
وتحاول وسائل الإعلام هذه إظهار أن السيارات الكهربائية صديقة للبيئة، ولكنها تتجاهل كثيراً من المعلومات بشكل مقصود. ففي دراسة لشركة "فولكس واغن" قارنت فيها انبعاثات سيارة "غولف ديزل" الكربونية مقارنة بسيارة غولف كهربائية استنتجت فيها أنه لا تظهر المنافع البيئية لسيارة غولف الكهربائية إلا بعد أن تسير نحو 129 ألف كيلومتراً. هذا الكلام ليس من شركة نفطية أو محلل موظف من قطاع النفط، هذا من شركة سيارات قررت الانتقال إلى السيارات الكهربائية. الغريب في الأمر أن هذه الحسبة مبنية على أن تكون الكهرباء كلها تأتي من مصادر متجددة، فإذا أتت من الفحم فالرقم أعلى من ذلك بكثير.
شركة "فولفو" قامت بدراسة مماثلة واستنتجت أن المنافع البيئة لسيارة ركاب في الأسواق الأوروبية لا تظهر إلا بعد 80 ألف كيلومتراً. وذكرت الشركة أن وفورات الكربون تبلغ 15 في المئة فقط، بعد أن تمشي السيارة 193 ألف كيلومتراً.
ختاماً أغلب بطاريات السيارات الكهربائية مصممة لتخدم نحو 150 ألف كيلومتراً، هذا يعني أنه في الوقت الذي تبدأ فيه الوفورات البيئة ينتهي عمر السيارة وتبدأ الدورة من جديد. مرة أخرى الكاتب ليس ضد السيارات الكهربائية، ولكن ضد المبالغات. المدن العربية الكبيرة تحتاج إلى سيارات كهربائية لتخفيف مستويات التلوث فيها، بغض النظر عن التغير المناخي.
المصدر:مواقع ألكترونية