إيمازيغن والتعريب والمعيرة اللغوية
إيمازيغن والتعريب والمعيرة اللغوية 1----496
يعاني أغلب الأمازيغ إلى اليوم، وعندما نقول الأمازيغ فإننا نقصد الذين يحتفظون إلى اليوم باللسان ويتحدثون به، وليس العرق، ببساطة لأننا ننطلق من مسلمة أن من يسكن شمال افريقيا أمازيغي، ومن لديه شك في الأمر فليجر تحليل الحمض النووي.
سأفتح قوسا لأضع الإصبع على مكمن داء اللغة والثقافة الأمازيغيتين إلى اليوم، إنه التعرب الإرادي، فبعد أن كان التعريب إلى عهد قريب مشروعا سياسيا تحركه السلفية التقليدية ثم القوميون العرب ثم الإسلام السياسي، وبعد عقود من التنكيت والحگْرة والتهميش، يختار أغلب الأمازيغ الذين ينتقلون إلى حيث تتحدث الدارجة المغربية توظيفها في تربية أبنائهم حماية لهم من التنمر الذي تعرضوا له هم، مما يحولهم إلى أمازيغ ناطقين بالدارجة، سيظنون بعد وفاة آبائهم وأمهاتهم، هم وأبناؤهم، أنهم من أصول أخرى غير أمازيغية، وهو حال ملايين المغاربة اليوم، وهو ما تثبته اعترافات من ظلوا يظنون أنهم من أصول عربية، ووجدوا أنفسهم في أوساط لا تتحدث فيها الأمازيغية اليوم، ليصطدموا بنتيجة تحليل الحمض النووي التي تثبت أن لا صلة لهم البتة بالعرب.
وتعتبر المرأة اليوم المعول الهدام الذي يتهدد اللغة والثقافة الأمازيغية، ففي مراكز حضرية كبرى كأگادير وأزيلال وخنيفرة...حيث كانت تسود اللغة الأمازيغية إلى غاية العقد الأول من الألفية الثالثة، أضحينا لا نسمع في الأزقة والشوارع ووسائل النقل والأماكن العامة إلا الدارجة، فأغلب النساء رغم أن لكناتهن تفضحهن لا يجرؤن على الحديث باللغة الأمازيغية مع أبنائهن وبناتهن، وهو مركب نقص ناتج عن عقود من ممارسات مهينة تعرض لها الأمازيغ، وهي المأمورية الجسيمة التي تلقى اليوم على كاهل الناشطن الأمازيغ لتغيير نظرة النساء لأنفسهن وهويتهن ولغتهن، حفاظا على اللغة الأم.
إن من أسباب التدريج الإرادي أيضا قرون العزلة التي عاشتها مختلف التنويعات الأمازيغية، وفشل تدريس اللغة الأمازيغية رغم ولوجها المدرسة منذ عقدين، وفشل الإعلام الأمازيغي في تقريب الهوة بين التنويعات المختلفة. إن الظن باختلاف كل لهجة عن أخرى، وهو ما يغذيه أعداء الهوية الأمازيغية، يجعل عددا منا يظن أن لسانه مختلف تماما عن باقي الألسن، وأن طريقة كلامه استبعدت من جهود المعيرة، علما أن ما ذكر نجده، ليس فقط وسط البسطاء من الناس، بل أيضا وسط المثقفين.
إيمازيغن والتعريب والمعيرة اللغوية 100710
إن نعرات المحلية والجهوية ومركزية الذات وعدم الإيمان بالإختلاف، والنزعة المناطقية، واستلهام أساليب التأحيد القسري من قبل من يتطلعون لإلغاء الآخر أيا كان، والآخر هنا مختلف المناطق تنويعات اللغة الأمازيغية أصواتا ومعجما وصرفا وتركيبا، وتضخم الذات المحلية، عوامل تعرقل معيرة اللغة الأمازيغية.
إن منطلق المعيرة هو الرغبة، وفهم باقي التنويعات، والبحث عن المشترك بينها، وإلغاء ما لا يؤثر على الدلالة من تنويعات محلية وجهوية لا تمس بجوهر اللغة، وأقصد هنا الأصوات بالدرجة الأولى والمعجم بدرجة أقل، وهي مهمة لا يمكن أن يقوم بها إلا المختص المتمكن من علوم اللغة، وليست متاحة لكل من ظن أن بإمكانه ذلك. وتتيح لنا الأنتيرنيت اليوم التواصل مع متحدثي كل التنوعات داخل المغرب وخارجه، وبذل الجهد لتقريب المسافات بينهم، عوض مواصلة الظن بأن ما نتحدثه اليوم هو الصواب
إن ظاهرة التنوع اللهجي ظاهرة كونية تمس كل اللغات الطبيعية، وليست حكرا على الأمازيغية، وإن أي معيرة تقتضي التخلي عن مركزية الذات للكون، والادعاء بأن ما أمتلكه هو الحق كله والصواب كله، وترك الأمر للمختصين الذين يبذلون قصارى جهودهم لمعيرة وتوحيد اللغة الأمازيغية موظفين معايير علمية صارمة ودقيقة، والمعيرة ليست إقصاء للهجة لتسييد أخرى، بل بحث عن الأصل، والأصل يقتضي إلغاء كل التنويعات الصوتية التي لا تمس بلب اللغة وقاعدتها، وجمع وتدقيق المعجم، وذلك تطلعا لتوحيد اللغة الأمازيغية.

Naceur Jabouja