اللحظات الاخيرة من حياة الهالك عقبة بن نافع ومقتله على يد القائد ( اكسيل) ..
رؤية روائية ..
يوم السبت 20 ابريل من سنة 683 ..الساعة تشير الى منتصف النهار وبضع دقائق ...كان الهالك عقبة بن نافع مع جنده يسيرون بمحاذاة الوادي ، على مشارف قرية تهوذة بمنطقة المزاب شرق الجزائر الحالية لما حاصرهم القائد اكسل وجنوده ..لأول مرة منذ شهور سيلتقي ( اكسيل ) وجها لوجه مع ( عقبة بن نافع ) ..هذا الاخير الذي تراءى له ( اكسيل ) من فوق التلة وهو يمتطي جواده الابيض ويطوف بين جنوده يمنة ويسرة يزودهم بتعليماته وتوجيهاته ويقف على مدى جاهزيتهم للمعركةً ...
فتذكر ( عقبة) الاهانة التي وجهها ل( اكسيل) وسط قومه الامازيغ ...وتذكر تلك الحركة التي قام بها اكسيل عندما طلب منه عقبة ذبح شاة امامه ، حركة تهديد ووعيد لما قام بمسح وجهه بالجلد الداخلي للشاة المذبوحة ...وتذكّر بالتفاصيل تلك النظرة المركزة المليئة بعنف الكبرياء ..
أحس بالخوف لهنيهة وفكر في الفرار كما فر عمر بن الخطاب وابو بكر والكثير من الصحابة بمعركة أحد تاركين الرسول ( ص) مع بعض المخلصين ، لكن كبريائه كقائد عسكري ،جعله يبتلع خوفه وصدمته منتصرا لكرامته امام جنوده ..
ووسط شريط تفكيره بدأت اولى المناوشات بين جنوده وجنود اكسيل، نزل العشرات من فرسان اكسيل للوادي ، وتبعهم مقاتلين اخرين يقومون بعمل حصار محكم لكي لا يهرب العرب ...
ولما لاحظ عقبة ان بعض جنوده بالميمنة قد قتلوا ،قام بإشارة بيده لجنوده بالصمت ، فتقدم قليلا بفرسه لغاية صخرة كبيرة .. فوجه كلامه لأكسيل...
_ ماذا تريد يا " كسيلة " ؟! انا اميرك وطاعتي واجبة لقوله تعالى ( ياايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم ) انت تحارب الله ورسوله بحماقتك هذه ...
فاجابه اكسيل بلغة عربية ركيكة لكونه لم يتعلمها الا منذ سنوات قليلة ، وكانت عربية فيها لحن الاعاجم ، ومع ذلك كان يحفظ اجزاء من القرآن ..وبعض الاحاديث ..:
انت يا عقبة اخر انسان يمكن له الحديث حول الله وطاعته ...انت يا عقبة مجرم بطبعك ...انت ياعقبة لم تنفذ كلام الله ( لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) لكنك طاغية.( gar afgan ) كم من نفس قتلت ..وكم من كريم اهنت...وكم من اسرة شتتت...وكم من مظلوم ظلمت ...اليوم هذه دينونتك الصغرى ...والله سيحاسبك في دينونتك الكبرى ...( وخاب كل جبار عنيد )...
فتعالت صيحات التكبير بين الجنود المسلمين من جنود اكسيل ..والصياح بالحياة للشعب الامازيغي من طرف جنوده غير المسلمين ...
فرفع اكسيل يده لينتبه الجميع ...فجال ببصره في الوادي واعاد بصره تجاه عقبة بن نافع ووجهه الاسمر المعترق...والذي زاده لفيح شمس الظهيرة سوادا، فضلا على سمنته النسبية المتوارية خلف بردته الحمراء التي كانت تميزه عن جنوده ...
فببطء انزل اكسيل يده بشكل معاكس معلنا بداية الهجوم ...
فتقدم ( اكسيل ) ببطىء لوسط المعركة لينفرد ب ( عقبة ) في لقاء طال انتظاره ...تقدم نحوه غير مبال بسير المعركة ...تقدم نحوه بخيلاء وعينه لم تنفك تحيد عنه ....وسط صليل السيوف ...والصراخ...وصهيل الخيول واصوات احافرها وهي تحتك مع الارض ...فتراىء له ( عقبة ) يصرخ في جنوده ويطلب منهم الصمود ....
واخيرا التقى الرجلان ...
ولما رآه (عقبة) اول ما قال له ( ثكلتك امك يا ابن البربرية....ويحك تتحدى سيدك القريشي سليل خير بطون العرب ) .....وبدون مقدمات بدأت المبارزة ...فأختلفت الاسياف ...واختلفت معها الخيول ..وكان كلما ضرب عقبة المنهك بضربة ..يرد عليها أكسيل بضربتين....حتى أخذ التعب مأخذه من عقبة الذي اصبح الدرع اليدوي الخشبي ثقيلا عليه بفعل العياء ، فأسقطه ونزل من فرسه...ففعل ( اكسيل ) نفس الشيء....فكانت تفرقهما جثث القتلى وتعيق تحركهم حيث كانا يتعثران بها .....وشعر اكسيل انها لحظة الحسم ..ومشاعر الغضب ترتسم على محياه من اهانة عقبة له ولشعبه ....فانقض عليه بضربة اطاحت بنصف درعه ....واتبعه بضربة اخرى اسقطت عقبة ارضا ....فتقدم إليه اكسيل واضعا رجله على صدره ...وعقبة يتوسل إليه قائلا ( لا تقتلني يا أخي ....ارجوك ...)
فأجابه اكسيل : والله ولو تسترت بالكعبة فلن ارحمك...من لا يرحم لا يُرحم ...
فرفع سيفه وأجهز عليه ضاربا عنقه حتى اختلطت الدماء مع التراب مرددا ( الله اكبر ..سقط الطاغية...الله اكبر سقط الطاغية ) ...فنظر اكسيل خلفه فوجد رجاله يجهزون على المتبقين من جنود عقبة ...
فنزع سكينه وفصل ما تبقي من رأس عقبة حاملا اياها وسط صيحات النصر من جنوده ...
فخطب فيهم( وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون ) هذا جزاء من يهاجم غيره من الاقوام ويريد إستعبادهم فمحاربته واجب ...والسكوت عنه خيانة ...
قوموا بدفنهم وليصلوا عليهم نفر من المسلمين صلاة الجنازة ...والله هو المطلع على النيات ..
وانتهت مغامرات عقبة على يد ابناء الارض ...ولكن مغامرات من بعده لم تنتهي...فبينما اكرم اكسيل جثامينهم ...هم قاموا بالتمثيل بالجثث ورموها في الآبار...
وقد سبق لابو المهاجر دينار أن أسدى نصيحة لعقبة المغضوب عليه بعدم الإساءة لملك الأمازيغ و رعيته وقد كانت فترة ابو مهاجر بن دينار وقبلها الفترة التي انتشر فيها الإسلام بليبيا وتونس وليس فترة عقبة لكنه عزل من طرف الامويين وأعتقل وسجن ، لان الجبايات والسبي وغيرها نقصت وولوا مكانه المجرم عقبة ليفعل ذلك ....
والتاريخ يعيد نفسه من باب الإستهزاء باللغة الأمازيغية فحيا أكسيل ..
المصدر:مواقع ألكترونية