مصطفى بوهندي لـ “مرايانا”: آن الآوان لأن تقود المرأة المسلمة خطبة الجمعة وإمامة المسلمين في الصلاة دون حرج ولا عقد ½
أستاذ تاريخ الأديان المقارن، مصطفى بوهندي، عاد ليشعل الجدل بعد حديثه عن جواز إمامة المرأة، مستشهدا بقصة مريم بنت عمران، ومنتقدا الفقه التقليدي الذي يمنعها هذا الحق.
في هذا الاستجواب الذي ننشره في جزئين، نتعرف على وجهة نظر الدكتور بوهندي في قضية إمامة المرأة وقضايا أخرى من قبيل التعامل مع السنة النبوية.
منذ صدور كتابه الأول “أكثر أبو هريرة” سنة 2002، والذي انتقد فيه الصحابي أبو هريرة، ظل الدكتور مصطفى بوهندي يثير الجدل، بسبب مواقفه المنتقدة للتيار الكلاسيكي، ودعوته لقراءة أخرى للنصوص الدينية، والانفتاح على مقاربات أخرى، تخالف ما درج التقليديون على تبنيه.
أستاذ تاريخ الأديان المقارن، عاد ليشعل الجدل من جديد بعد حديثه عن جواز إمامة المرأة، مستشهدا بقصة مريم بنت عمران، ومنتقدا الفقه التقليدي الذي يمنعها هذا الحق.
في هذا الاستجواب الذي أجراه معه الزميل يوسف المساتي، وننشره في جزأين، نتعرف على وجهة نظر الدكتور بوهندي في قضية إمامة المرأة وقضايا أخرى من قبيل التعامل مع السنة النبوية.
أثار حديثكم عن إمامة المرأة ردود فعل متباينة .. وعرضكم لموجة من النقد والهجوم، ما رأيكم في هذا الجدل؟
الدكتور مصطفى بوهندي
أما الذين يسبون ويلعنون فلا كلام لنا معهم، وسنقول لهم ما قاله لقرآن الكريم، سلام، لا نبتغي القوم الجاهلين، لأنهم بسلوكهم ذاك يعبرون عن جهلهم وعدم التزامهم بالمنهج العلمي والقرآني في محاورة المخالف، سواء كان مسلما أو كتابيا أو مشركا أو غير ذلك.أثار حديثي عن إمامة المرأة في الدين الإسلامي ردود فعل متباينة عند السيدات والسادة المتابعين. أدرك بعضهم الأهداف والأبعاد التي أثيرت في الموضوع، واستنكر البعض الآخر بدرجات متفاوتة. منهم من اعتبر أن كل ما يقوله مصطفى بوهندي خارج عن الشرع والعقل ولا يعتد به، والبعض الآخر فرق بين إمامة الصلاة وغيرها من المهام التي يمكن إسنادها للمرأة دون حرج. وأطلق آخرون لألسنتهم حبل الشتم والسباب والاتهام وما لا يصح ولا يليق.
سنوجه جوابنا للسادة المخالفين المحترمين الذين اعترضوا على ما ذهبت إليه من جواز إمامة المرأة في الدين والدنيا، وكان أغلب اعتراضهم يتعلق بعدم إفادة قصة اصطفاء مريم لجواز الإمامة في الصلاة دون غيرها من الأمور الأخرى. ومنهم من أورد مجموعة من الروايات التي ظهر فيها إمامتها في بعض الأمور الأخرى.
طيب.. لماذا طرح موضوع إمامة المرأة الآن؟
كانت المرأة محرومة من الخروج، ومحرومة من العمل ومن مختلف الوظائف التي تحقق بها ذاتها، وخصوصا من الوظائف المرتبطة بالدين كالقضاء والعدالة والإرشاد الديني وكذلك إدارة الاقتصاد والاجتماع والسياسة والأمور؛ وكان لكل ذلك نصوص وأعراف ربطوها بالدين والتقاليد، لكنها سقطت جميعا، وتجاوز الناس كثيرا من هذه الأخبار والعادات سارية المفعول وسمحوا لها مرغمين، بالقيام بتلك الأدوار بنجاح لا يقل عن نجاحات الرجل.
أعتقد أنه آن الأوان لأن تقود المرأة المسلمة خطبة الجمعة ودرس الدين وإمامة المسلمين في الصلاة دون حرج ولا عقد، وكل ذلك يفترض أن ينقي الناس أذهانهم من الصور النمطية المتدنية للمرأة التي جاءت مريم في المجتمع اليهودي لتسقطها وأكدها القرآن ليسقطها في المجتمع الذكوري المسلم.
أرجو أن تكون رسالتي واضحة، وأدعو الرافضين للمشروع أن يردوا على الأدلة وطرق الاستدلال لإسقاطها، بدلا من الاهتمام بالشخص المتكلم الذي لا شأن لهم به.
لكن البعض يرى أن هذا القول هو من الأقوال المهجورة التي لن تجد أي صدى عند جمهور المسلمين وعامتهم؟
كثيرة هي الأقوال المهجورة التي لن يقبلها عامة الناس أو خاصتهم في عصر من العصور، في أمور الدين والدنيا، لكنها تصير مقبولة لدى عامة الناس وخاصتهم في أزمنة أخرى، ولن يهجرها بعد ذلك أحد.
لقد رأينا في عصرنا الحالي أمورا كانت مهجورة ولا يقبلها أحد ثم صارت مقبولة ولا يهجرها أحد، ومنها عمل المرأة بل وكلامها مع الأجنبي، وأن صوتها عورة، وأنها ممنوعة من مشاركات كثيرة اقتصادية واجتماعية وفنية وسياسية وغيرها، ثم تغير كل شيء، وتبين أن المنع لم يكن مبنيا على أساس، وأن هجران ذلك القول أو الفعل في السابق لا دليل عليه ولا حاجة إليه، وإنما هو من التنطع الذي جعل الناس يُحرِّمون أمورا أصلها الإباحة، وحكمها يتساوى بين الرجال والنساء، وعلى المانع أن يأتي بدليل المنع الخاص للنساء دون الرجال.
ومن ذلك إرشاد المرأة في الجامعة والجامع. إذ ما الذي يجعل محاضرتها في الجامعة مقبولا وفي الجامع محرما، بينما الذين يستقبلونها في الجامعة هم الذين ينبغي أن يستقبلوها في الجامع؟ وكذلك الأمر في القضاء والعدالة وحتى الإمامة الكبرى وغيرها من أمور الدين والدنيا.
تستدلون بجواز إمامة المراة بقصة مريم .. كيف ذلك؟
للنظر في قصص القرآن، لابد أن يستحضر القارئ السياق التاريخي والثقافي والنصي للكتب المقدسة السابقة، لمعرفة ما هي الإضافة القرآنية النوعية على ما كان سابقا عند الأمم الأخرى وفي كتبهم المقدسة. وهو ما تلاه علينا القرآن الكريم في السورة التي سماها آل عمران.
كان القرآن بذلك يؤطر الأحداث ويكشف عن خفاياها وأسرارها ويعيد تلاوتها بالحق، حتى يعلمها العلماء الذين كانوا يقرؤون الكتاب من قبل محمد، فتكون لهم آية ودليلا وبرهانا وحجة على صدق رسالته عليه السلام، ومصدريتها الربانية. قال تعالى: “أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل”.
وحتى لا أطيل عليكم ندلف إلى الموضوع مباشرة: كانت مشكلة امرأة عمران في قصتها مع نذرها ما في بطنها محررا لله رب العالمين، هو رفض المجتمع الإسرائيلي المحافظ أن تكون المرأة كاهنا، وبلغتنا الإسلامية إماما؛ إذ أنهم جعلوا خدمة البيت وإمامته، خاصة في الرجال دون النساء، وجعلوا لبني لاوي حق الخدمة دون الإمامة، وخصوا بني هارون بإمامة بيت العبادة والصلاة والدخول إلى هذا المحراب. وجعلوا لبيوت الصلاة مقدسين اثنين، الأول عام يسمح فيه لعموم المصلين بالصلاة، وهو القدس؛ والثاني خاص بالأئمة من ذكور بني هارون دون إناثهم ودون باقي بني لاوي وغيرهم من الأسباط والأمم. وقدس الأقداس هذا هو الذي سماه القرآن الكريم المحراب. وقص علينا قصة دخول مريم عليها السلام إليه، باعتبارها أول امرأة تكسر القواعد التي حرمت النساء من الإمامة الدينية في المجتمع الديني الإسرائيلي.
عندما قال القرآن الكريم “يا أخت هارون”، فقد أرشدنا إلى أن هذه المرأة من الأسرة الهارونية الشريفة، التي تقوم بالإمامة في بيت المقدس الإسرائيلي. وعندما نذرت أمها بما في بطنها محررا لله رب العالمين، فقد كانت تظن أن ما في بطنها سيكون ذكرا، وستحرره لخدمة بيت الله وإمامته، شأنه شأن الأئمة من بني هارون. ولما وضعتها اكتشفت أنها أنثى، وأن الأنثى ليست كالذكر في المجتمع اليهودي الذكوري؛ ولذلك توجهت لربها معتذرة عن الطلب الذي سبق أن طلبته: “قالت ربي إني وضعتها أنثى، والله أعلم بما وضعت، وليس الذكر كالأنثى، وإني سميتها مريم، وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.”
رغم خيبة أملها بسبب الواقع المخزي المانع من التحرير الديني للنساء، ونيل ما يتمناه أباؤهن وأمهاتهن لهن من إمامة دينية شأنهم شأن الرجال، بما يقتضيه ذلك من علم وجاه ومكانة. رغم خيبة الأمل هذه، وجدنا الأم الحليمة تسمى ابنتها مريم، قيل معناها العابدة، وتسأل الله لها أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم. ولذلك كانت امرأة عمران وابنة عمران وآل عمران من المصطفين الأخيار. “إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم”. وطبعا فإن آل لا تختص بالذكور وإنما يدخل فيها النساء أيضا، ومنهم امرأة عمران وابنته مريم العذراء.
الأهم في القصة المريمية أنك كسرت التقليد الذكوري “فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا، وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجدها عندها رزقا، قال أنى لك هذا قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.”
دخلت مريم قدس الأقداس الذي لا يدخله إلا الكهنة الأئمة الهارونيون، بل واستقرت فيه، حتى كان وجودها شبه دائم، “كلما دخل عليها زكريا المحراب”، وهناك ظهرت براهين القبول الإلهي للصديقة المصطفاة، عندما تكلمها الملائكة وتبشرها وتؤنسها، وهو أمر لم يصله الأنبياء العظام، كما هو أمر ألهم زكريا أن يدعو ربه ليهب له على الكبر وليا يرثه ويرث من آل يعقوب، ويكون رضيا، “هنالك دعا زكريا ربه”.
.يعترض البعض على دعواكم هذه بأن قصة السيدة مريم لا تقيم الدليل على جواز إمامة المرأة، فما ردكم؟
المعارضون لم يروا في قصة السيدة مريم دليلا على إمامة المرأة للرجال، وهي التي تقبلها الله في محراب الأئمة من الرجال؟
ومعنى تقبلها أي لبى دعاء أمها لها بأن تكون محررة له خادمة لبيته كما هم أبناء هارون الأئمة الذكور؛ وقد حقق الله أمنيتها، وأخبرتها الملائكة بذلك: “وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)”.
تتضمن هذه البشارة أمورا عدة تتعلق بإمامة المرأة الدينية، فالله قد اصطفاها اصطفاء عاما على الرجال والنساء، وهو مثل قوله إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.” وتفيد الآية زيادة على الاصطفاء الاستجابة لدعوة أمها فيها وهي في بطنها أن يجعلها محررة لرب العالمين، وكذلك كان. والاصطفاء الثاني هو اصطفاء خاص لمريم على نساء العالمين. وقد طبقه الله في كتابه، فلم يذكر اسما آخر للنساء في القرآن إلا اسمها عليها الصلاة والسلام.
أما الأمر الثالث فهو قيامها بالصلاة والقنوت والسجود والركوع مع الراكعين من الرجال دون حرج ولا أي من المشاكل والادعاءات والعقد التي يتذرع بها المانعون لصلاة المرأة مع الرجال وإمامتها لهم.
يعني أنكم ترجعون رفض إمامة المرأة لبقايا الثقافة الإسرائيلية، فما الذي تقصدونه بالثقافة الإسرائيلية؟
قصدي من الإسرائيليات هو ما بينتَه آنفا…
إنها الثقافة السابقة عند اليهود والتي جاء القرآن الكريم لمراجعتها وتصحيحها؛ أما ما وافق منها القرآن فيدخل في الهدى ودين الحق الذي صدقه القرآن وأكده. كما أن ما وصفتُ به الفعل اليهودي بمنع المرأة من أن تكون ضمن الأئمة اليهود لكونها أنثى، فصححه الله بقصة ابنة عمران، ولكن المسلمين حافظوا على الثقافة اليهودية السابقة بدرجة من الدرجات، ومن تجليات ذلك منع المرأة من إمامة للرجال.”
https://marayana.com/laune/2019/09/16/10370/