الصيام عبر التاريخ قبل الإسلام
الصيام عبر التاريخ
الصيام شعيرة لها طابعها الخاص، فهي الشعيرة التي تقتضي الترك بعكس باقي الشعائر التي تقتضي العمل لشيء معين أو طقوس محددة. وعلى الرغم من كون الصيام معني بالقطع المؤقت لما اعتاد الفرد عليه، إلا أنه يهدف إلى وصل الإنسان بعقيدته ودينه؛ لأن الترك يختبر مدى قرب الإنسان من دينه وقوة عقيدته.
أنواع الصيام
للصيام عبر التاريخ أشكال متعددة عرفتها الأديان والبدائيين، فهناك الصوم عن الطعام والشراب كما نعرف وهناك الصوم عن الكلام، مثل صيام الأرامل عند قبيلة كوتو، وهي إحدى القبائل التي تسكن الكونغو، وفيه تعلن الأرملة الصيام عن الكلام لمدة ثلاثة شهور قمرية، ومثل هذه العادة تتبعها قبيلة سيهاناكان التي تسكن مدغشقر. وفي ديانة بني إسرائيل نلاحظ أن الكلمة العبرية التي تعني أرملة تشير أيضًا إلى المرأة الصامتة. وقد ورد في القرآن الكريم هذا النوع من الصيام في بني إسرائيل مرة عند بشارة زكريا بيحيى، ومرة بعد ولادة مريم للمسيح، يقول تعالى في سورة مريم "إنّي نذرت للرحمن صومًا فلن أكلمَّ اليومَ إنسيًا"
تاريخ الصيام في الديانات القديمة غير السماوية والأمم السابقة
ظهرت أشكال متعددة من الصيام عبر التاريخ الإنساني قبل الإسلام، فمنها ما كان يمارسه العامة ومنها ما كان يختص بفئة معينة من الناس. فقد اشتملت جميع الأديان السماوية وغير السماوية على الصوم:
كانت أقدم الديانات التي طالبت معتنقيها بالصيام، ولا زالت موجودة حتى الآن ولها معتنقون حتى الآن الديانة الهندية البرهمية، حيث يحتفل أتباع هذه الديانة بعيد مخصص للصوم الذي يُقصد به تزكية النفس، وفيه تخصص كل طائفة من الطوائف الهندكية يومًا للصوم فيه، فيسهرون طوال الليل ويبيتون يتلون الكتب المقدسة. وفي هذه الديانة أيضًا الصيام الذي تنفرد فيه النساء بصيام أيام، ولأهميته سمي هذا الصيام بـ (برت) أو (العهد) والتي تخصص لتزكية الروح وتغذيتها بالغذاء الروحاني. كما يصوم البراهمة اليوم الحادي عشر والثاني عشر من الشهر الهندي، وبهذا يبلغ عدد الأيام التي يصومها معتنقو هذه الديانة الهندية ٢٤ يوم في السنة.
كما وُجد الصيام في الديانة الجينية الهندية، التي يلقى الصيام فيها شروطًا وتشديدات صارمة، فيواصل أتباع الجينية الهندية أربعين يومًا بالصوم.
كما ظهر الصيام عند المصريين القدماء بهدف التقرب من الآلهة ونيل رضاها وشكرها في الاحتفال بالأعياد مثل عيد الحصاد والربيع ووفاء النيل بممارسة العديد من الطقوس قال علماء التاريخ أن الصيام كان من بينها، وقد اختلف العلماء حول ممارسة الصيام من الكهنة فقط أو لعامة الشعب. وقد ورد عن المصريين القدماء أنهم كانوا يمارسون نوعًا من الصيام يقتضي منهم الصيام عن كل شيء باستثناء الماء والخضراوات لمدة سبعين يومًا.
كما يوجد عند قدماء الفرس والأكراد (الزرادشتية والأيزيدية) التي انتشرت في بلاد فارس وما حولها قبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف عام، أما الآن فيتوزع أتباعها في العراق وسوريا وتركيا وإيران والهند وأفغانستان وأذربيجان وغيرها من المناطق المتفرقة. عند الزرادشتية يُحرّم الصيام لاعتقادهم بأنه يؤثر سلبًا على العمل وصحة الجسد. أما الأيزيدية فالصيام عندهم مقدس ومدته ثلاثة أيام يبدأ يوم الثلاثاء وينتهي يوم الخميس بحسب تقويمهم. يتوقفون فيه عن الطعام والشراب من شروق الشمس وحتى المغيب، أما رجال الدين فكانوا يصومون الثلاثة أيام بصورة متتالية ويفطرون في يوم يُسمى (عيد ئيزي)، لذلك فالصيام عندهم يُقسم إلى نوعين: صيام العامة وصيام النخبة وهم رجال الدين.
كما وُجد الصوم في بابل، فقد عرف الصيام عندهم باسم "شيتو" ولم يكن فرضًا ملزمًا، فكانوا يصومون ثلاثين يومًا متفرقة عدد ما تقطعه الشمس في كل برج من بروجها، فيمسكون عن الطعام والشراب من شروق الشمس إلى غروبها، ويفطرون على غير اللحوم من الألبان والنباتات إلا ما حُرّم منها.
عُرف الصوم أيضًا عند الصابئة الذين يعرفون الصوم الأكبر، وهدفه الكفّ عن الذنوب، وما نعرفه نحن عن الإمساك عن المطعم والمشرب، فقد جاء عندهم متقطعًا مرتبطًا بمواقيت تشمل العام كله؛ لكي لا يخلو عندهم شهر من هذه الشعيرة. والصيام عندهم مقتصر على الإمساك عن أكل اللحوم، ولهذا حرّم عندهم النحر في أيام الصيام.
وقد وضع الكهنة اليونانيين صومًا يسوده طابع الخِفية والسرية، وقسموها إلى أسرار صغرى في فصل الربيع، وأخرى كبرى تدوم لأربعة أيام لمن حاز الأسرار الكبرى.
وقد تأثر الرومان بصوم اليونانيين، فأصبح صيامهم شبيهًا به؛ فشعيرة الصيام عندهم تمثل شعيرة الامتناع والحرمان الممزوجة بتعاليم مبهمة وضعها الكهّان ليختصوا بها وحدهم.
**فعّل حسابًا شخصيًا على موقعنا واستفد بعدد متنوع من الوسائل التعليمية والأنشطة للأطفال تتناول المناهج الدراسية المختلفة في الدول العربية
تاريخ الصيام في الأديان السماوية الثلاثة
روى الأئمة والفقهاء أنّ أول من صام من البشر كان أبو الأنبياء آدم عليه السلام، وكان أول صيامه عقب نزوله إلى الأرض وقبول الله دعوته وتوبته. كما صام نبي الله نوح عليه السلام الأيام البيض القمرية وزاد عليهم اليوم الذي نجاه الله تعالى فيه من الطوفان، وهذا ما رواه النبي -عليه الصلاة والسلام- عنه. نجد الصيام في الديانات السماوية الثلاث بصور مختلفة، وهذا يثبت أن الصيام كان مشرعًا قبل الإسلام مصداقًا لقوله تعالى في سورة البقرة - الآية 183
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
وقد جاء في تفسير ابن كثير أقوالًا عن بعض الصحابة والتابعين يفيد بأن صيام التابعين هو ثلاثة أيام من كل شهر، ولم يزل مشروعًا منذ زمان نوح -عليه السلام- حتى أمر الله تعالى بصوم شهر رمضان.
وكما عرفنا أنّ اليهود وهم قوم أقدم من المسلمين عندهم صوم عاشوراء، ففي الصحيح عن ابن عباس -رضي الله عنه قال-: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء، فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أنتم أحق بموسى منهم، فصوموا" رواه البخاري.
الصيام عند اليهود
الصيام عند اليهود كان يعتبر رمزًا للحداد والحزن عندهم في العهد البابلي، وكان يُلجأ إليه إذا هددهم خطرًا، أو في حالة كان كاهن أو ملهم يعد نفسه لإلهام أو نبوة.
كان اليهود يصومون مؤقتاً إذا اعتقدوا أن الله غاضب عليهم غير راضٍ عنهم أو إذا حلت بالبلاد نكبة عظيمة أو خطب كبير أو إذا أصيبت البلاد بوباء فتاك، وفي بعض الأحيان عندما يعزم الملوك على مشروع جديد.
يصوم اليهودي أيام متفرّقات ترتبط ببعض الأعياد أو ترتبط عندهم بأزمات تمت لهم النجاة منها. واليهودي يصوم أيامًا عدة متفرقة من السنة، أهمها يوم الغفران (يوم كيبور) في شهر أكتوبر، وهو اليوم الذي نزل فيه سيدنا موسى -عليه السلام- من سيناء للمرة الأولى ومعه ألواح الشريعة، ويستمر صيامهم لمدة ٢٦ ساعة وهو بالنسبة لهم أقدس الأيام، ويبدأ صيامهم من غروب الشمس وحتى حلول الظلام في اليوم التالي.
كما يصوم اليهود يوم عاشوراء الذي نجى فيه سيدنا موسى عليه السلام من الغرق.
كما يصوم اليهودي أيامًا تذكره بأحزان جماعة إسرائيل، ومن أهمها التاسع من أغسطس يوم خراب الهيكل الأول والثاني.
كما يصوم اليهود ذكرى اليوم الذي حطم فيه موسى ألواح الشريعة، ودخل فيه بوختنصر إلى المدينة.
عند اليهود صوم آخر غير ملزم لمن لديه أمر يريده أو للتكفير عن الذنوب.
الصيام عند المسيحيين
للصّوم مكانة كبيرة عند المسيحيين؛ فهو ارتباط روحي بالرب والتزام منهم بتعاليم المسيح منذ نشأته حتى ظهوره ثانيةً كدليل إيمان به. تقوم كل طائفة أو كنيسة بتحديد موعد الصوم لأتباعها، ولم يحدد الإنجيل طريقة أو أوقات محددة للصوم يتبعها المسيحيون في مختلف أنحاء العالم.
الصيام عند المسيحيين يكون بالامتناع عن تناول الطعام مدة أثنتي عشرة ساعة في اليوم على الأقل، وذلك من بداية اليوم وحتى انقضاء المدة، ثم تناول طعام خال من الدسم.
ويشمل الصوم عند المسيحيين صوم يوم الأربعاء، وهو يوم المؤامرة التي انتهت بالقبض على عيسى. وصوم يوم الجمعة؛ لأن المسيح صُلب فيه. وصوم الميلاد وعدد أيامه 43 يومًا تنتهي بعيد الميلاد. والصوم المقدس وعدد أيامه 55 يومًا، وهي عبارة عن الأربعين يومًا التي صامها المسيح مضافًا إليها أسبوعان: الأسبوع الأول منهما قبل الأربعين، ويسمى أسبوع الاستعداد والتهيئة للصوم الأربعيني المقدس، والأسبوع الثاني أسبوع الآلام، ويأتي بعد الأربعين يومًا وينتهي بأحد القيامة، ويمتنع في هذا الصوم أكل لحم الحيوان أو ما يستخرج منه، ويقتصر على أكل البقول. ولا يعقد في أثنائه سر الزواج.
ثم يجيء صيام الرسل وعدد أيامه يزيد وينقص حسب اختلاف الطوائف، وتتراوح مدته بين 15و49. وهناك صوم العذراء ومدته 15 يومًا.
الصيام عند المسلمين
فُرض الصيام على المسلمين في العام الثاني من الهجرة النبوية المشرفة، والصيام عند المسلمين يقتضي الامتناع عن كل الطعام والشراب بداية من وقت الفجر وحتى غروب الشمس، ويكون في شهر رمضان المبارك، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام التي لا يستقيم إسلام المسلم دون أدائها.
كما يصوم المسلمون أيامًا أخرى خلال العام مثل ليلة النصف من شعبان والتسع الأوائل من ذي الحجة لمن لا يحج.
المصدر : مواقع ألكترونية