طقوس "نهاية البراءة" أو الصيام الأول للأطفال في الجزائر


طقوس "نهاية البراءة" أو الصيام الأول للأطفال في الجزائر 812


كان يوماً استثنائياً في بيتنا المتواضع، الكل يرقص فرحاً، فالاحتفال تحول احتفالين، الأول بمناسبة حلول نصفية الشهر الفضيل، والثاني بمناسبة صيام أختي الصغيرة للمرة الأولى"، هكذا تصف وسام تلك المناسبة.
"المشهد الرمضاني في بيتنا ذلك اليوم كان مختلفاً على الإطلاق، فالعادات والتقاليد سيدة الموقف، والدتي منشغلة بتحضير أطباق تقليدية لا تعد ولا تحصى، وأبي منشغل بدعوة الأقارب والأحباب والجيران واقتناء كسوة اختي الصغيرة، بينما أسندت لي مهمة اقتناء الحلويات التقليدية التي ستتزين بها المائدة في السهرة، والمشروبات المتنوعة التي ترافق الصائم بعد الإفطار، ولعل أشهاها وأكثرها شهرة عصير الليمون أو "الشاربات"، تحضر بالماء وأوراق النعناع وحبات من الليمون الأخضر المنعش"، تقول وسام.





عروس وأطباق متعددة
ومن بين الأطباق التي حضرتها الوالدة رفقة بعض الجارات "كسكس السفة بالمكسرات والعسل والحليب"، وهو طبق تقليدي جزائري يعد في المناسبات والأعياد الدينية، إضافة إلى الأكلة الأكثر شعبية في غالبية المناطق الجزائرية، وهي "الشربة" أو "الجاري"، كما يعرف عند قاطني المحافظات الشرقية كـ "قسنطينة" و "قالمة" و "عنابة"، ويصنف هذا الطبق في خانة الأطباق الرئيسية، التي لا يستغني عنها الجزائريون في رمضان.
"لم تذهلني مائدة الإفطار، ولا حتى طريقة تزيين البيت، بقدر ما أذهلتني أختي الصغيرة التي لم تتعد عامها التاسع، كانت عروس الليلة باللباس التقليدي الجزائري، الذي كانت ترتديه، وهو الكراكو، ويلقب بالقويط، وهو من الألبسة التقليدية التي عرفت بها الجزائريات قديماً، حتى تسريحة شعرها كانت مغايرة، ولعل أبرز شيء كان يميزها في تلك الليلة الاستثنائية الابتسامة الحنون، والحمرة التي كانت تتلبس وجهها الأبيض، كل الأعين كانت متجهة نحو سيدة السهرة"، تروي وسام.
ومن اللحظات التي ستبقى محفورة في ذاكرتي"، تقول وسام "إقدام والدتي على وضع خاتم من الفضة داخل كوب من اللبن، وقدمته لأختي لتفطر، ولما استفسرت عن سر هذه العادة أبلغتني والدتي إنها تقليد متوارث عن الأجداد يرمز للصفاء والبراءة أي أن صيام أصغر طفل في العائلة، كان صافياً ونقياً وخالصاً".
وتضيف: "قالت لي والدتي إن هذه العادة تختلف من محافظة لأخرى، ففي المحافظات التي تقع في غرب البلاد، تقوم الأم بتحضير مشروب خاص مكون من الماء وماء الزهر المقطر طبيعياً، به تعبق رائحة المنزل تلك الليلة، إضافة إلى شرائح دائرية من الليمون، ويلقى داخله قطعة من الذهب أو الفضة، وفي نهاية الإفطار يحصل الصبي أو الصبية على قطع من النقود لتشجيعهما على الصوم".
نكهة خاصة للأطفال الذكور
"صيام الأطفال الصغار في منطقة القبائل له نكهة ولذة خاصة، فهي أيام لا تتكرر" هكذا تصف خالتي حورية، التي لا تزال تحتفل بصيام أحفادها للمرة الأولى بعد أن كانت تحتفل في سنوات خلت بصيام أولادها.
وتقول إن هذا اليوم شبيه بليلة الزفاف، فالطفل يرتدي البرنوس القبائلي، الذي يعتبر رمزاً للشهامة والرجولة، ويضع الطربوش الأصفر فوق رأسه، أما الصبية فترتدي "تقندورت نلقبايل" ذلك اللباس التقليدي الذي ترتديه المرأة القبائلية، وعند حلول موعد إفطار الصائمين، يصعد الطفل الذي يصوم لأول مرة فوق سطح المنزل، ليفطر رفقة أحد أفراد عائلته".
و عن المغزى من هذه العادة، تقول الخالة إنها "تدل على السمو، وانتقال الطفل من عالم البراءة والطفولة إلى مرحلة النضج العقلي، والجسدي، وتقتصر هذه العادة على الولد فقط، لأن البنت تفطر وسط عائلتها".
وتحضر في هذه الليلة أطباق متنوعة يُرسل قسط منها إلى الأقارب، والبعض الآخر يوزع على الجيران، وتذكر الخالة في هذا السياق أن هناك وجبات خاصة بالولد وأخرى خاصة بالبنت، فالمسمن الذي يعتبر من أشهر فطائر المطبخ المغربي، والبيض المسلوق مع العنب المجفف أو ما يعرف بالزبيب يحضر للولد، أما البنت فيحضر لها "المسمن" بالعسل الحر والبيض المسلوق.
وتؤكد الخالة حورية أن هذه العادات تختلف بين مدينة وأخرى في منطقة القبائل، ففي بجاية التي تبعد 250 كلم عن العاصمة الجزائرية، يفطر الطفل الصغير من قربة ماء تقليدية وسط أغانٍ تمدحه، وتثني على عزيمته، وتكافئه على تأدية الركن الرابع من أركان الإسلام.
الصائم يخرج لسانه
عادات وتقاليد أخرى مشوقة تشتهر بها محافظة "تنس" التي تعرف بـ "كارتينا" ، محافظة ساحلية تاريخية يرتبط اسمها بالبحر والتاريخ، تتذكر بشرى وهي في العقد الثالث من عمرها وأم لثلاثة أطفال، طريقة احتفال والدتها بهذه المناسبة إذ كانت تعد كميات كبيرة من "رفيس الغرب التمري" أو مثلما يعرف في بعض المناطق بـ "الكعبوش"، وهو عبارة عن حلوى تقليدية مصنوعة من الدقيق والتمر المطحون المحمص والعسل، وتمد هذه الحلوى الجسم بالطاقة وترفع مستويات السكر في الدم.
ويرفق هذا الطبق بأطباق تقليدية أخرى كطبق "الغرشالةّ"، المشهور بلونه الأسود، يحضر بالشعير فقط، ويقدم رفقة بعض الفواكه الموسمية، والتي تنشتر بشكل كبير في فصل الصيف كالدلاع (البطيخ)، والرمان، والخوخ، وحتى التفاح البلدي.
وفي المحافظات التي تقع في أقصى جنوب البلاد كأدرار، وورقلة، وعين صالح، وبسكرة، يكون الاحتفال بهذا اليوم جد مميز بذبح الأضاحي، والتجمع في منزل العائلة الكبيرة حيث الجد والجدة، وعادة ما تتحول هذه المناسبة إلى حفل ختان صغير، وتدهن يد الصبي أو الصبية بالحناء، وحتى بقية الأطفال الموجودين في الوليمة ليتم تحفيزهم وتشجيعهم على تحمل مصاعب الصيام، الذي أصبح يتطلب صبراً وجهداً كبيرين من الصائمين.





تقول نانة سعدية، سبعينية من نساء الجنوب الجزائري، وهي من مدينة حاسي مسعود، أغنى منطقة جزائرية بالنفط والغاز، يطلق عليها عاصمة البترول: "صيام الأطفال لأول مرة في جنوب البلاد يكون استثنائياً عن باقي المحافظات، بسبب درجة الحرارة المرتفعة، فقبل أن يأذن الوالدان للطفل بالصيام لأول مرة، يتحريان الجو أولاً، إذ ترتفع عادة درجات الحرارة ببعض المحافظات الجنوبية في الجزائر خلال موسم الربيع، وبداية فصل الصيف مسجلةً مستويات قياسية، تتجاوز في غالب الأحيان 64 درجة مئوية، وهي الأعلى إفريقياً كما تقول نشرات الأخبار المحلية".
"يختار الوالدان بدقة يوم الصيام، ويحرضان على نوعية الأكل، والتأكد من شرب الطفل الماء الكافي، وخلال فترة الصيام يبقى الطفل أو الطفلة تحت مراقبة والديه، ولا يسمح لهما بالخروج إلا بعد الحصول على إذن والديهما" تضيف نانة سعدية
وتعد الأمهات أطباقاً خاصة كانت تحضرها الجدات قبل عشرات السنين، أبرزها مشروب محلي مستخلص من عصير التمر، يعد بتمر الغرس (نخلة صلبة ذات جذع كثيف، يمكن التعرف على قامتها الضخمة من بعيد)، وهناك ممن يسمي هذا المشروب بـ"الوزوازة"، يساعد على التغلب على العطش.
وتذكر نانة سعدية أن الصبي أو الصبية يعاملان معاملة الأمراء في هذه الليلة، فهما أول من يبدآن الإفطار، وتزين أيديهم بالحناء، ويرتديان ألبسة تقليدية، فالطفل مثلاً يرتدي عمامة البدوي البربرية في الصحراء (لباس رأس منتشر في جل المناطق الصحراوية)، وعباءة بيضاء اللون في إشارة إلى نهاية مرحلة البراءة، والانتقال إلى مرحلة النضج والوعي.
وعادة ما يلجأ بعض الأطفال الصغار إلى الغش في الصوم، تروي حميدة أم لطفيلن، آلاء في الثامنة من عمرها، وعبد الرحمن في الخامسة من عمره، ذكريات طريفة عن صوم ولديها، تقول "ابنتي آلاء شرعت في الصيام منذ أن بلغت من العمر خمس سنوات، غير أن ابنها يعجز عن الصوم بسبب ارتفاع حرارة الجو، ولإثبات قدرته أمام شقيقته وأصدقائه في المدرسة كان يأكل خلسة، ويدعي الصوم من أجل التباهي بين أطفال العائلة، وحتى أطفال الجيران والحي الذي نقيم فيه".
"ومن العادات المتوارثة"، تذكرُ حميدة أن "الطفل الذي يُضبطُ متلبساً بالأكل، ويتم العثور على بقايا الأكل في فمه، فيُجبر على إخراج لسانه لتأكيد صيامه".




https://raseef22.net/article/1082678-%D8%AA%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%AF%D8%AA%D9%87-30-%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D9%84-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%B3%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B3%D9%8A