هل تضمَّنت الألواح الأوغاريتيَّة أقدم كسوفٍ شمسيٍّ سجَّله التاريخ؟ دراسة للرقيم KTU 1.78
هل تضمَّنت الألواح الأوغاريتيَّة أقدم كسوفٍ شمسيٍّ سجَّله التاريخ؟ دراسة للرقيم KTU 1.78 2----46
الصورة تعبيرية لتعذر الوصول إلى صورة الرقيم
ليست النقوش الأوغاريتية على درجة واحدة من الوضوح، ولا أعني هنا صعوبة قراءتها لأسباب مثل تهشُّم اللوح أو احتراقه أو ضياع أجزاء منه، بل لأسباب مردُّها أسلوب الكتابة الذي لا يخلو من الألغاز والإشارات والكلمات التي قد يبدو ورودها غير متسق مع سياق النص، والتي قد تحمل معانيَ متعددة لا يربط بينها رابط. يعدّ اللوح (KTU 1.78) من أبرز الأمثلة على هذا النوع من النصوص؛ فعلى الرغم من كونه لوحاً سليماً – تقريباً – ويتألف من إحدى عشرة كلمة فقط، إلا أن المتخصصين حاروا في ترجمته وتفسيره، وذهبوا مذاهبَ شتَّى في تعريفه وفهم طبيعته وهدفه.
بِثِثِّ. يُمِ. حَدَثِ
خِيَّرِ. عَرَبَت
شَفَشُ. ثَغْرُهَ
رَشَفُ
كِ أَدَمُ. تِبَقِرِنَّ
سَكَنَ
هل تضمَّنت الألواح الأوغاريتيَّة أقدم كسوفٍ شمسيٍّ سجَّله التاريخ؟ دراسة للرقيم KTU 1.78 2-----69
الترجمات الممكنة للنص (كل جملة على حدة)
الجملة الأولى:
في اليوم السادس من شهر خيَّار
في [الساعة] السادسة من اليوم الأوَّل من خيَّار
بؤس في اليوم الأول من خيَّار

الجملة الثانية:
غربت الشمسُ، و[ظهر] على بابها المرِّيخ
غربت الشمسُ [ووقف] المرِّيخ حارساً
غربت الشمسُ وحارسُها المرِّيخ
دخلت الشمسُ بوَّابةَ المرِّيخ

الجملة الثالثة:
فيا بني آدمَ احذروا الخطر!
فيا بني آدمَ التمسوا سكناً (ملجأً)!
فيا بني آدمَ استشيروا الحاكم!
تحقَّقنا من الأكباد، [إجابتها]: خطر! (تقوم هذه الترجمة على قراءة الكلمة الأولى في السطر ما قبل الأخير “كبدم” وليس “كأدم”).
نتيجة اختلاف وجهات النظر في ترجمة كلِّ كلمةٍ من النص وتفسيرها، لم يتفق الباحثون على طبيعة هذا اللوح، فذهب بعضهم إلى اعتباره نبوءةً فلكيةً للمستقبل وتحذيراً من خطر وبؤس داهمين، كما فُسِّر باعتباره “تأريخاً مشفَّراً” لموت الملك المصري أخناتون (الشمس) يتضمَّن تحذيراً من انتشار الشرور والبؤس، وذهب آخرون إلى عدِّه نصاً فلكياً يؤرخ كسوفاً شمسياً تاريخياً تزامن مع ظهور كوكب المريخ فوق المملكة الساحلية، ويتضمَّن تحذيراً من الأخطار التي قد تسبِّبها هذه الظاهرة الغريبة.

ترجمتي للنص:
في [الساعةِ] السادسةِ من اليومِ الأوَّلِ لشهرِ خِيَّار
غربت الشمسُ [في النهارِ وظهرَ] حارسُها المرِّيخُ
فيا بني آدمَ تحرَّوا الخطر!
تفسير النص وفقاً لمعطياته ومعلوماتنا الفلكية:
يعدُّ الإله الأوغاريتي “رشف” المقابل الكنعاني لإله الحرب اليوناني “مارس”، وكلاهما يجسَّدان كوكب المريخ، ويُنبئ ظهورهما بالويل والخراب. لذا، كان لظهوره في كبد السماء تزامناً مع غياب الشمس في وضح النهار طابعٌ تحذيريٌّ من خطرٍ مُحدقٍ يُحيق بالمملكة.
انطلاقاً من أنَّ النصَّ يسجِّل لنا كسوفاً شمسياً شهدته أوغاريت “في الساعة السادسة من اليوم الأوَّل من شهر خيَّار”، تمكَّن علماء الفلك من تحديد التاريخ الدقيق لهذا الكسوف؛ إذ كان الأوغاريتيون يعتمدون الطريقة المصرية في تقسيم ساعات اليوم، فيجعلون النهار 10 ساعات من شروق الشمس إلى مغيبها، وبالتالي فإن الساعة السادسة من النهار (بعد شروق الشمس في الربيع) ستكون نحو الساعة الواحدة ظهراً. إذاً نحن نبحث عن كسوف شمسي (ربَّما كامل) وقع ظهيرة يوم ربيعي فوق شواطئ المتوسِّط. من هنا، حدَّد علماء الفلك يوم 5 آذار/مارس 1223 ق.م. كتاريخ لهذا الحدث الفلكي الذي سجَّله اللوح الأوغاريتي، إذ شهدت ظهيرة هذا اليوم “الساعة 01:20م” كسوفاً شمسياً كاملاً فوق منطقة المتوسِّط، وكان المريخ ظاهراً فعلاً في نهار ذلك اليوم بالقرب من موقع الشمس؛ وبذلك تكون الألواح الأوغاريتية قد احتفظت لنا بأقدم تسجيل لكسوف شمسي في تاريخ البشرية قبل نحو 3245 عاماً.
للاستزادة فيما يتعلق بكيفية تحديد تاريخ هذا الكسوف، اضغط هنا الاطلاع على مقال موسع في مجلة Forbes.



المصدر : مواقع ألكترونية