من الشروق إلى الغروب... قدماء المصريين صاموا تعبّداً وقربى؟
لا يعرف الكثير من المصريين، الذين يصومون شهر رمضان حالياً، أن أجدادهم القدماء، كانوا يمارسون الصوم كجزء من عبادتهم قبل آلاف السنين، وكذلك كنوع من العلاج أوصى به الأطباء المصريون القدماء.
ملامح هذا الصوم ليست واضحة بشكل كامل لعلماء المصريات، لكن ثمة كتابات تشير إلى أن قدماء المصريين كانوا يصومون من شروق الشمس حتى غروبها، خصوصاً طبقة الكهنة في معابدهم.
ويقول كبير الأثريين بوزارة الآثار والسياحة المصرية الدكتور مجدي شاكر لـ"النهار العربي": "بالنسبة للصوم عند قدماء المصريين، هناك جانبان، أحدهما مؤكد ومدعوم بالأدلة العلمية وهو صيام الكهنة، والآخر مبني على استنتاجات بناء على ما عرفناه عن حياة قدماء المصريين، وهو صيام الشعب".
كان الكهنة يمرون باختبارات قبل ترسيمهم وانضمامهم إلى المعابد المصرية القديمة
اختبار الكهنة
ويشير الخبير إلى أنه "لا شك في أن التدين كان يعم كافة جوانب الحياة عند قدماء المصريين: الصلاة، والترانيم، وتقديم القرابين، والمعابد التي لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم، وكل هذه الأمور تشير إلى أن الصيام كان أمراً وارداً للغاية في حياة المصريين، بخاصة أنه ممارسة ثبتت لدى معظم الشعوب المتدينة".
"بالنسبة لطبقة الكهنة فقد كان الصيام أمراً أساسياً" يقول شاكر، ويضيف: "كانت ممارسة مهمة قبل أن يصبحوا مؤهلين للدخول إلى سلك الكهنوت، فهي بمثابة اختبار لمدى صلابة إرادتهم، وصبرهم، وقدرتهم على التحمل".
ويوضح كبير الأثريين أن "هؤلاء الكهنة كانت لهم درجات تراتبية، وكانوا يحصلون العلوم، ومنها السحر الذي كان ينظر إليه على أنه علم ويتم تدريسه لهم في المعابد، لذا كان من المهم اختبارهم قبل أن ينضموا إلى الكهنوت".
وتشير المعلومات المتاحة إلى أن الكاهن كان يصوم 7 أيام متواصلة، وقد تصل إلى 40 يوماً في بعض الأحيان، وينقطع خلالها عن تناول الطعام والشراب ومجامعة النساء، وكان الصيام يبدأ من شروق الشمس وحتى غروبها، لأن الشمس كانت شيئاً مؤثراً للغاية في معتقدات قدماء المصريين.
يرجح علماء المصريات أن الصوم كان جزءاً من الطقوس الدينية للناس في مصر القديمة
صوم الشعب
بالنسبة للمواطنين خارج الكهنوت "لا توجد وثيقة تؤكد ما إذا كان صومهم على النحو ذاته أم لا" وفق ما يقوله شاكر، "لكن ثمة دراسات تشير إلى أن قدماء المصريين، يصومون على الأرجح في وقت الفيضان والأعياد، بضعة أيام، تراوح بين 3 إلى 7 أيام".
ويقول كبير الأثريين إن "الصيام ممارسة وجدت في معظم الحضارات والمعتقدات الدينية منذ القدم، والبعض يعتبر الصيام وسيلة للاغتسال من الذنوب".
ويضيف: "أحمد بدوي مؤلف قاموس عربي هيلوغريفي، يقول إن هرمن كيس وهو عالم مصريات ألماني الجنسية، اقترح أن كلمة "صاو" تعني صوم، ولكن المعنى الحرفي للكلمة هو يمتنع أو يكبح".
حسب رأي كيس، فإن حرف "الميم" في الفعل "صام" تمت إضافته لكلمة "صاو" الهيروغليفية لتصبح "يمتنع عن"، ومن ثم يقصد بها "صام عن"، وهنا، تصور كيس أن الكلمة باتت تعني "صام"، أي الامتناع عن الطعام والشراب والشرور الآثام، ومن ثم فهي تعني "الصيام" الذي نعرفه اليوم، ومارسته الأمم السابقة.
مارس الكهنة التحنيط مما ساهم في زيادة معرفتهم بجسد الإنسان وتشريحه
العلاج بالصوم
يشير بعض علماء المصريات إلى أن الأطباء في مصر القديمة، كانوا يعتقدون بأن معدة الإنسان هي مصدر الأمراض، لذا كانوا يوصون الناس بالصوم لبعض الأيام، وألا يملأوا معدتهم عن آخرها، بل يجب عليهم أن يتركوا مساحة فارغة منها، كي تستطيع المعدة هضم الطعام بطريقة سليمة.
وتشير دراسات حديثة إلى أن الصوم يساهم في علاج الجسم ووقايته من العديد من الأمراض، ومن أهمها، أمراض القلب، والأوعية الدموية، والجهاز الهضمي.
لكن جل تلك الدراسات العلمية، إن لم يكن كلها، أجري على أنواع من الصيام الطبي أو الصيام العلاجي وهي أنواع لا ينقطع فيها الإنسان عن شرب المياه أو السوائل المنخفضة أو المنعدمة السعرات الحرارية.
ونظراً لعدم وجود برديات أو نقوش مصرية قديمة تساعد على معرفة طبيعة الصيام الذي كان يمارسه قدماء المصريين، لا أحد يعرف مدى تأثير الصيام في هذا العصر على صحة الصائمين.
وبرع قدماء المصريين في الطب، وتفوقوا فيه، ويرجع شاكر هذا التفوق إلى أنهم "كانوا يقومون بتحنيط أجساد الموتى، وهو ما مكنهم من الاطلاع على تكوين الجسد البشري، وساعدهم في أن يفهموا طبيعته بصورة متطورة للغاية، بمقاييس هذا العصر".
المصدر:مواقع ألكترونية