الأدب المغربي المكتوب بالأمازيغية.. زخم سردي وآفاق واعدة
إنتاجات أدبية باللغة الأمازيغية صادرة عن رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية
العوائق والإشكالات لم تكبح ازدهار التأليف باللغة الأمازيغية وتوالي الإصدارات الأدبية التي عززت المكتبة المغربية في مختلف الأجناس بفضل شباب متحمسين ومبدعين أحدثوا ثورة إبداعية في الإنتاج الأدبي المغربي الأمازيغي
وقّعت الكاتبة المغربية فاضمة فراس قبل أيام روايتها "تيلفيغين" أو "الدمل" الصادرة باللغة الأمازيغية في رواق رابطة تيرا للكُتاب بالأمازيغية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب الذي أنعقد بالرباط في النصف الأول من شهر يونيو/حزيران الجاري.
وبدأت فاضمة تجربتها الإبداعية سنة 2014 برواية تحمل عنوان "تحت أهداب الشقاء" حازت على جائزة مسابقة رابطة الكتاب بالأمازيغية، وفي سنة 2018 حصلت روايتها (ءاسكوتي ن تلكاوت) أي "مقبض رحى القهر" على جائزة المغرب للكتاب التي منحت لأول مرة لإنتاج أدبي باللغة الأمازيغية.
الكاتبة فاضمة فراس توقع رواياتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
تتناول فاضمة في رواياتها مواضيع متنوعة عن غياب المساواة بين الرجل والمرأة والقهر الذي يعانيه الإنسان، وتنهل من معين الأسطورة الأمازيغية لبناء سردية تجمع بين الواقع والخيال.
بدوره، وقّع الروائي والقاص الشاب هشام فؤاد كَوغلت مجموعته القصصية الجديدة "قالوا ناس المستقبل" ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب، وبدأ هشام وهو أستاذ اللغة الأمازيغية مساره السردي سنة 2016 بعد أن نشرت رابطة تيرا للكتاب بالأمازيغية مجموعته القصصية الأولى (أجدار يضفوتن) أي "الاحتراق اللذيذ"، بعدها بـ3 سنوات نشر مجموعة قصصية ثم رواية بعنوان "صنارة وطعم" عالج فيها موضوع الهجرة الداخلية والخارجية ودوافعها الاجتماعية، وفي 2021 صدرت له رواية بوليسية نال بها الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية التي يمنحها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
وأحدثت النصوص السردية لهذين الروائيين الشابين، إلى جانب آخرين، ثورة في الأدب المغربي المكتوب بالأمازيغية، حيث نجحوا في تجاوز النمط التقليدي في التعبير الأدبي الأمازيغي وانفتحوا على أنماط تعبيرية وإبداعية وجمالية جديدة تستجيب مع التحولات التي يعرفها الأدب بشكل عام.
يقول هشام للجزيرة نت إن الأدب المغربي المكتوب باللغة الأمازيغية مر بـ3 مراحل أساسية، في المرحلة الأولى التأسيسية عمل رواد الحركة الأمازيغية أمثال محمد مستاوي والمومن علي وعلي يكن وغيرهم على إنتاج قصص وروايات ودواوين شعرية من منطلق نضالي ورغبة منهم في ترك إرث أدبي للأجيال الجديدة، وتبتدئ المرحلة الثانية من نهاية التسعينيات إلى 2012 حيث تبلور شكل جديد للأدب وانتقل من التيمات التقليدية مثل الهوية واللغة والأرض إلى مرحلة تنويع المواضيع والانفتاح على الآداب العالمية في جميع الأجناس.
القاص والروائي الشاب هشام فؤاد كَوغلت في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
أما في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الامتداد والتطور من 2012 إلى اليوم، فقد اتسمت ببروز الرواية البوليسية والفانتازيا والرواية التاريخية والميثولوجية، بحسب الروائي والقاص المغربي.
من البدايات إلى اليوم
كانت بداية الكتاب الأدبي الأمازيغي الحديث والمعاصر مع صدور أول ديوان شعري سنة 1976 بعنوان (إسكراف) أي "الأغلال" لمحمد مستاوي حسب ما أوضح للجزيرة نت محمد أفقير الأستاذ في شعبة الدراسات الأمازيغية بجامعة ابن زهر بأكادير.
لم تظهر القصة في شكل مجموعة مطبوعة ومنشورة إلا في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بصدور المجموعة الأولى هي (إماراين) (عشاق) لحسن إد بلقاسم سنة 1988.
أما الرواية بالأمازيغية فيمكن الحديث عن كتابتها ابتداءً من نص ( أسكّيف ن إنژاضن) (حساء الشَعر) لعلي إيكن، الذي نشر سنة 1994 في مجلة "تيفاوت" ثم صدر مطبوعا سنة 2004 ضمن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فيما طبع أول نص مسرحي سنة 1983 بعنوان (اُسان صمّيضنين) "الأيام الباردة" للصافي مومن علي.
إصدارات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية
ويشير أفقير إلى أن الحصيلة الإجمالية للإبداع الأدبي الأمازيغي بالمغرب بلغت حوالي 650 عملا إبداعيا، منها 350 ديوانا شعريا و150 مجموعة قصصية و110 روايات و40 نصا مسرحيا.
وحسب الباحث فإن الحصة الأهم من هذه الحصيلة صدرت في سنوات الألفية الثالثة بما مجموعه 606 أعمال أدبية: 315 في الشعر و143 مجموعة قصصية و109 روايات و39 نصا مسرحيا.
يعزو محمد أفقير هذا التطور في الإنتاجات الأدبية باللغة الأمازيغية إلى الواقع الجديد للأمازيغية بالمغرب بعد الاعتراف الرسمي بها وما تلاه من إجراءات أسهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في تطور الإبداع الأدبي الأمازيغي، ومن ذلك تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ودمج الأمازيغية في جزء من التعليم الابتدائي وتأسيس مسالك للإجازة (الليسانس) والماجستير خاصة بالدراسات الأمازيغية ببعض الكليات إلى جانب تأسيس تكتلات تجمع الأدباء والكُتاب الأمازيغ على شكل اتحاد جهوي للكتاب، وتنظيم مسابقات للإبداع الأدبي ومنح جوائز للفائزين.
مجتمع مدني نشيط
ينشط المجتمع المدني إلى جانب هيئات رسمية في دعم نشر الكتاب الأمازيغي، ومن بين الجمعيات الناشرة توجد رابطة تيرّا للكُتّاب بالأمازيغية بأكادير، والجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، وجمعية تاماينوت، وفي الريف جمعية آيت سعيد للثقافة والتنمية، وجمعية ماسينيسا، أما المؤسسات الرسمية التي تعنى بالنشر فنجد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ووزارة الثقافة.
رواق رابطة تيرا للكُتّاب بالأمازيغية بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط
ويرى لحسن زهور رئيس رابطة تيرا للكُتاب بالأمازيغية أن تطور الأدب المغربي المكتوب بالأمازيغية مرتبط بتطور الحركة الثقافية الأمازيغية بالمملكة وأيضا بالأجواء الثقافية والسياسية التي تلت الاعتراف باللغة الأمازيغية وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
ويشير في حديث مع الجزيرة نت إلى أن الكتاب والأدباء المغاربة الذين يكتبون بالأمازيغية بدؤوا خلال تلك المرحلة التفكير في جمع شمل المبدعين لتشجيع الإنتاج الأدبي الأمازيغي وفق المعايير الأدبية المعروفة وتنظيم عملية النشر والتوزيع، بعد أن كان الكتاب ينشرون أعمالهم الإبداعية بالاعتماد على مجهوداتهم الفردية.
في هذا السياق، تم تأسيس رابطة تيرا للكُتاب باللغة الأمازيغية، حيث عملت على وضع عدد من البرامج من قبيل الإعلان عن جائزة الإبداع الأمازيغي وتنظيم لقاءات سنوية تجمع المبدعين والمبدعات وتكوين الشباب حول تقنيات كتابة القصة والمسرح تحت إشراف كبار الكتاب الذين لهم تجربة ثم نشر إنتاجاتهم الأدبية.
وقامت رابطة تيرا منذ تأسيسها سنة 2009 إلى الآن بنشر 240 عملا أدبيا (إضافة إلى 14 إصدارا ما زالت تحت الطبع) في مختلف أصناف الأدب الحديث.
وبعد أن كان الأدب المكتوب بالأمازيغية محدودا ومهمشا، يقول لحسن زهور، أصبح اليوم بفضل غزارة الإنتاج والنشر يفرض نفسه كمكون أساسي للأدب المغربي.
قضايا وعوائق
وطغى الهاجس الهوياتي والمطالب الحقوقية على الإصدارات الأدبية الأولى للمبدعين الأمازيغ حسب ما أوضحت للجزيرة نت عائشة والزين الباحثة في الأدب الأمازيغي المكتوب و"الكادر" في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، غير أنها تلفت في حديث مع الجزيرة نت إلى أن التطور الذي شهده الأدب الأمازيغي واكبه تحول في انشغالات الأدباء والكتاب، إذ أصبح الاهتمام بالهاجس الجمالي والرؤية الفنية حاضرا بشكل أقوى.
ويواجه الأدب الأمازيغي المعيقات ذاتها التي يواجهها الأدب بشكل عام وترتبط أساسا بمعدلات القراءة ومزاحمة التكنولوجيا، وفق محمد أفقير.
غير أنه يشير إلى إشكالات تخص هذا الإنتاج الأدبي ويتعلق الأمر بعدم تعميم تدريس اللغة الأمازيغية في جميع أسلاك التعليم وخاصة الثانوي والجامعي، ما يجعل جمهور الأدب الأمازيغي محدودا في الناطقين بهذه اللغة بين المغاربة.
ويواجه الكاتب قبل الشروع في الكتابة إشكالات مختلفة وتُطرح عليه عدد من الأسئلة ومطلوب منه الإجابة عنها أولا حسب الباحثة عائشة والزين، ومن بين هذه الأسئلة: بأي لغة سأكتب؟ هل سأكتب باللغة العامة المتداولة يوميا مع تحسينها؟ أو أكتب باللغة المعيار؟ هل أكتب بلهجتي السوسية أو تمازيغت أو تاريفيت؟ أو أجمع بينها أو أخلق كلمات جديدة أو أستعير من اللغة العربية؟ ثم سرعان ما تواجهه أسئلة أخرى تتعلق بحرف الكتابة، فهناك من يفضل الكتابة بالحرف اللاتيني والبعض يفضل الحرف العربي وآخرون بحرف تيفيناغ.
غير أن هذه العوائق والإشكالات لم تكبح ازدهار التأليف باللغة الأمازيغية وتوالي الإصدارات الأدبية التي عززت المكتبة المغربية في مختلف الأجناس بفضل شباب متحمسين ومبدعين أحدثوا ثورة إبداعية في الإنتاج الأدبي المغربي الأمازيغي.
المصدر : الجزيرة