شواهد تكتشف "تجربة اتجاه نحو الموت"
المرثيات_الأمازيغية القديمة تبين بشكل واضح أن قدماء الأمازيغ لم يكونوا يرتعبون من الموت، بل كانوا يذكرون أنفسهم بعلامات قربه، ويعتبرونه نوعا من "السفر" إلى مكان لم يكونوا يصرحون به ...
تخَيّل أنك كنت تعيش في القرن الأول قبل الميلاد وأنك دخلت إلى مقبرة أمازيغية تقرأ ما كتبه أقارب الهالكين على شواهد قبورهم ... إذا فعلت ذلك فستجد على كل شاهد اسم الهالك ولقبه أو انتماءه القبلي متبوعا بعبارة رثائية مكونة من جملة أو أكثر يبدأ كل منها بفعل يعبر عن مرحلة الاضمحلال المؤدي إلى الموت متبوعا بفعل معناه "رحل" أو "مضى ولم يعد" ...
أرعب ما في هذه الشواهد أنها تصف بشكل حسي مرحلة الاضمحلال، فتذكرك بأن الهالك قد "هَزُل" ({ئصرم})، و"أصابه الشحوب" (ئمسّو})، و"غطته التجاعيد" ({ئندرم})، و"أصيب بالقروح" ({ئمنكّْد})، و"طُحِن" ({ئفزي})، و"سقط (سقطة المرض)" ({ئرس})، و"انحنى وصغر جسمه" ({ئمكردز/س/ش}) ...
فكلما التفت إلى شاهد من الشواهد، ستكتشف "تجربة اتجاه نحو الموت" فريدة لشخص ما، فتدرك هشاشة الوجود الانساني وسيره البطيء نحو "رحيله" ...
لهذا فإن كثيرا من الصور التي تتضمنها هاته الشواهد تأخذ شكل شخص يحمل "متاعه"، كناية على رحيله، وجريد النخيل، تذكيرا بما سيحتاجه في رحيله مما يبني به مأوى يبيت فيه إذا اشتدت عليه حرارة الشمس وهو في الطريق ...
لقد كانت #مرثيات أجدادنا تجسيدا رمزيا فريدا لما كان يسميه هايدڭر ب "الكينونة المتجهة نحو الموت" يقصد بها حالتنا الوجودية عندما نكون أصلاء (ليس فينا تزييف) وحقيقيين (لا تغلب علينا الأوهام) بحيث نتذكر فناءنا بشجاعة ونتعايش معه، وعندما نعي أننا كائنات زمانية تتجه نحو فنائها فيؤدي بنا ذلك إلى إعادة ترتيب أولوياتنا بشكل واع، وعندما ندرك أن تجربة موتنا ستكون فريدة لن نستطيع أن نبني من خلالها أية علاقات مع آخر .. ولن نستطيع وصفها لآخر .. ولن نستطيع أن نحكيها لآخر ...
"المرثية الأمازيغية" القديمة فعل كلامي speech act فريد لا تستطيع "قواعد بناء المعنى" التقليدية أن تحيط بكل تفاصيلها الثقافية ... هذا ما سأبينه من خلال محاضرة افتتاحية سأقدمها يوم 16 أبريل في مؤتمر دولي مهم جدا سينظم في جامعتنا ...
المصدر:مواقع ألكترونية