شغب ناعم… قصة جارية حكمت الدولة العباسية 1/2
هذه بعض من تفاصيل حكاية جارية… جارية لعبت أدوارا عديدة، وعلى عدة مستويات داخل الدولة العباسية.
هي الجارية شغب أو ناعم، أم المقتدر بالله العباسي، التي حكمت الدولة العباسية ما يقرب من العقدين. كما كانت وراء تعيين أول قاضية للقضاة في بغداد، وأنشأت واحدا من أبرز البيمارستانات في التاريخ الإسلامي.
تشكل الخلافة العباسية واحدة من المراحل/النموذج عند الكثيرين، حيث تشيد حولها كثير من التصورات الخيالية، فهي عصر امتداد رقعة الإسلام، وظهور المذاهب الفقهية والنهضة المعرفية. لكن، خلف هذه الصورة، ثمة صور أخرى محجوبة عن نظر الكثيرين.
إذا أردنا أن نلخص بعضا من صور العصر العباسي، يمكن أن نقول إنها… عصر الجواري بامتياز، إذ كان أغلب خلفاء بني العباس أبناء جواري باستثناء ثلاثة فقط (السفاح، جعفر المنصور، الأمين).
كما عرفت تلك الفترة بتحكم الجواري في تدبير شؤون الحكم، إذ كانت الخيزران مسيرة أمور المهدي، ولما حاول ابنها الهادي تقليم أظافرها، دبرت قتله، وواصلت سيطرتها في عهد ابنها الرشيد.
كما أن الجارية “قبيحة” سيطرت على المتوكل ثم على المعتز.
أما الجارية “علم الشيرازية”، فقد كانت مدبرة أمور المستكفي، بعدما سعت في توليه الخلافة. ولما احتج عليه رجال دولته قال: “وجدتكم في الرخاء ووجدتها في الشدة”.
في هذا الملف، تسلط مرايانا الضوء على واحدة من أبرز جواري العصر العباسي.
جارية لعبت أدوارا عديدة، وعلى عدة مستويات، هي الجارية شغب أو ناعم، أم المقتدر بالله العباسي، التي حكمت الدولة العباسية ما يقرب من العقدين. كما كانت وراء تعيين أول قاضية للقضاة في بغداد، وأنشأت واحدا من أبرز البيمارستانات في التاريخ الإسلامي.
لم يكن من السهل تتبع سيرة الجارية ناعم، فثمة مناطق ظل كثيرة تعتري حياتها، كما أن هناك إحجاما من المؤرخين عن ذكرها إلا فيما نذر.
في سعينا للبحث في سيرتها، وجدنا شذرات منها في تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري، والبداية والنهاية لابن كثير، والكامل في التاريخ لابن الأثير، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، وتاريخ الخلفاء للسيوطي.
كان شغب ناعم لا ينتهي، وسعيها لجعل المعتضد يعود إليها لا يكل، فتجاوزت الشغب إلى تصفية غريماتها من الجواري، اللواتي كانت ترى أنهن يرقن للخليفة؛ إذ كانت تدبر، من جناحها، مؤامرات قتلهن بالسم، وهي الوسيلة المفضلة في دهاليز حريم بني العباس. فكان من ضحاياها قطر الندى بنت أحمد بن طولون.
البداية من… منزل أم القاسم
يروي المؤرخون أن الخليفة العباسي المعتضد بالله كان مولعا بالنساء، لدرجة ذهبت بعض الروايات أن السبب في وفاته، كان إفراطه في حياته الجنسية. وقد امتلك المعتضد ما يزيد عن الأربعة آلاف جارية من كل الأقطار.
لا تزودنا المصادر بأي معطيات عن تاريخ ونشأة شغب، قبل أن تصبح جارية للمعتضد. لكن، وبحسب الروايات، فقد حدث ذات يوم أن رأى المعتضد جارية نحيفة بجمال ملفت، وعندما سأل عنها، قيل له إنها ناعم، جارية أم القاسم بنت محمد، فأرسل المعتضد في طلب شرائها. لما أصبحت ناعم ملكه، قضى معها فترة، ثم انصرف إلى أخريات، بينما اتخذت ناعم مكانها وسط مئات الجواري في جناح الحريم.
لم تستسغ ناعم هجر المعتضد لها، فأخذت تفتعل المشاكل وتشاكس الخليفة، وزاد شغبها حين أنجبت ولدا للخليفة.
أثارت تصرفاتها غضب المعتضد فضربها وشتمها، وحبسها في جناحها، آمرا إياها أن تعتكف على تربية ابنها، كما لقبها ب”شغب” وهو اللقب الذي ستحمله طوال حياتها
شغب تصفي خصومها
كان شغب ناعم لا ينتهي، وسعيها لجعل المعتضد يعود إليها لا يكل، فتجاوزت الشغب إلى تصفية غريماتها من الجواري، اللواتي كانت ترى أنهن يرقن للخليفة؛ إذ كانت تدبر، من جناحها، مؤامرات قتلهن بالسم، وهي الوسيلة المفضلة في دهاليز حريم بني العباس. فكان من ضحاياها قطر الندى بنت أحمد بن طولون.
ولما علمت شغب بهيام المعتضد بالجارية دريرة، لدرجة سلبت لبه فأنشأ حمام سباحة خاصا لها…
قامت بتسريب الخبر للشاعر ابن بسام، الذي عرف بهجوه ومجونه، فكتب قصيدة أصبحت على لسان سكان بغداد، يسخرون فيها من الخليفة، ردو فيها:
ترك الناس في حيرة
وتخلى في البحيرة
قاعداً يضرب الطبل
على (…) دريرة..
عندما وصل الشعر إلى أسماع المعتضد، خاف أن تتأثر صورته أمام الناس، فقام بردم حمام السباحة. لكنه ظل قريبا من دريرة، فلم يبق أمام شغب حل إلا… قتلها.
شغب كانت أيضا مسؤولة عن قتل الجارية فتنة، أم القاهر بالله، والتي كان المعتضد قد انشغل بحبها، ولما ولدت له، ازداد تعلقا بها ولم يهجرها كما فعل مع شغب. كما كان يفضل ابنه الرضيع على ابنها، الذي لم يكن يهتم به، بل هم بقتله عندما كان صبيا، لأنه رآه يقتسم طعامه مع أطفال الخدم.
كان هذا مما حرك مخاوف شغب وحقدها، فقررت تصفية فتنة، التي جزع المعتضد على وفاتها، وكتب فيها شعرا، وأوكل إلى شغب تربية ابنه منها.
شغب… أسطورة السم
على إثر تناسل حوادث الوفاة في جناح الحريم، اتجهت أصابع الاتهام صوب شغب، فثار عليها المعتضد، حتى أنه كاد أن يقطع أنفها ويشوه وجهها. لكن، في ظل غياب أي دليل، ونظرا لكونها مسؤولة عن تربية ابنيه منها ومن فتنة، اكتفى المعتضد بالزيادة من عزلة شغب.
عجْز المعتضد عن إيجاد دليل يؤكد ضلوع شغب في قتل الجواري وتناسل وفياتهم، جعل شغب تتحول إلى أسطورة، إذ تناسلت الشائعات حول طريقة قتلها لخصومها، بين من قال إنها تجعل السم في يديها بعدما تتناول ترياقا له، ومن ثم تسمم من تلمسه، وفي روايات أخرى أنها… كانت تعمد إلى وضع السمّ بين صفحات كتب تختارها حسب ميولات غريماتها، وبين من قال إنها تدبرت كمية كبيرة من السم يقتل ببطء دون أن يترك أثرا أو طعما أو مذاقا.
بعد أن تخلصت شغب من الجواري المنافسات لها، اتجهت عيناها صوب كرسي الخلافة، وأخذت تعد الخطة للوصول إليه. تفاصيل ذلك نتعرف عليها في الجزء الثاني.