الحذاء.. عن التاريخ الحافي للإنسان القديم
الحذاء.. عن التاريخ الحافي للإنسان القديم 13-409
قلما نسمع بـ علم الكالسيولوجيا. حتى ليبدو كأنه مصطلح يشير إلى ما بعد الحداثة النقدية والعلمية، أكثر من كونه علمًا يدرس الأحذية القديمة ويفسر تاريخيتها ضمن سياقاتها الاجتماعية والتطورية، مثلما يهتم بدراسة الجوانب التقنية المرتبطة بصناعتها وإعادة ترميم الأثرية منها. حتى بات هذا العلم لأهل التخصص وسيلة من وسائل دراسة ماضي الحذاء بوجوده الاجتماعي والطقسي والأثري والفولكلوري، ومراقبة تطور صناعاته البدائية وموادها الأولية من الطبيعة.
وُصف بعلم (معرفة التاريخ من شكل الحذاء القديم) في بحثه عن بقايا الجنس البشري في أزيائه ودراستها، لا سيما الأحذية والنعل والصنادل والجزمات التي توضح إلى حد ما النوع البشري وثقافته. ومنذ ظهوره في القرن السابع عشر عُدّ الكالسيولوجيا علمًا تخصصيًا كأحد فروع علم الآثار، وهو علم غريب، غير متداوَل كثيرًا إلا بحدود اهتماماته في البحث عن الحذاء القديم كأثر سابق، ودراسة الظاهرة الاجتماعية من طبيعة صناعته، كجلود الحيوانات والأخشاب والفراء والأشجار ولحائها وأوراقها وأليافها. ونعتقد بأنه قد أصبح اليوم جزءًا من الوجود الكمالي المظهري الذي يُعنى بدراسة كينونة وتطور الوجود البشري عبر الأحذية وصناعتها.
"منذ ظهوره في القرن السابع عشر عُدّ الكالسيولوجيا علمًا تخصصيًا كأحد فروع علم الآثار، وهو علم غريب، غير متداوَل كثيرًا إلا بحدود اهتماماته في البحث عن الحذاء القديم كأثر سابق، ودراسة الظاهرة الاجتماعية من طبيعة صناعته"
كان الحذاء عشوائيًا ونعلًا مسطحًا من دون كعب في معظم المراحل الحضارية المتعاقبة، يُعمَل من القنّب والألياف والكتّان والجلود. يقي من الحجارة والأرض الصلبة والصخور، ويساعد الصيادين على مطاردة الفرائس في الأمكنة المسننة والغابات وعبور الأماكن الشائكة، لذلك نجد أن مفهوم الحذاء بشكله الأخير مفهومًا محايثًا للتطور الصناعي على وجه التقريب، عندما تطورت الحياة من البدائية إلى التقدم، وصار الجنس البشري أكثر صلةً بالعلوم والتحضر. حينما خرج من الغابة إلى المدينة، ومن الكهف إلى البيت، ومن الفردية إلى الجماعة. ما يعني أنه ترك آثار السلف الأول، واتجه إلى حداثته اليومية في حلقة تطورية تشهدها حياته الاجتماعية.
حذاء الملك
يعطينا التاريخ القديم كثيرًا من الحكايات والخرافات عن صناعة الحذاء المبكرة، حتى الأساطير التي ارتبطت بمفهوم الكمال عند الإنسان كانت تتوزع بين الشعوب لتوطيد صلتها بهذه الصناعة البدائية، وكأنها سحبت الأرض العارية من تحت الأقدام الحافية، وألبستها جزءًا من الطبيعة للوقاية والحماية. وهو ما يبيح للحكاية والخرافة أن تأخذ مداها بين الأدبيات الكثيرة التي توثق الحياة بمعطياتها الآنية. لتبدو وكأنها الحقيقة الأخيرة، مثل حكاية الملك الذي كان يحكم دولة واسعة، عندما قام برحلة برية طويلة خارج أو داخل بلاده، وخلال عودته وجد أن قدميه تورمتا بسبب المشي في الطرق الوعرة، فأشير عليه بعمل قطعة جلد صغيرة تحت قدميه، فكانت، حسب الحكاية؛ بداية فكرة صناعة الأحذية تفاديًا للطرق والمسالك الوعرة. ولكن هذه قد تكون حكايات من عشرات ومئات الحكايات التي تشتغل على الخيال بوجود مصدريته، وتسبّب وتبرّر وجود صناعة الحذاء.
الحذاء.. عن التاريخ الحافي للإنسان القديم 13-410
من الرسوم التي تُظهر أحذية الحكام والمحاربين
الأحذية الأوروبية
يُنسب ابتكار الأحذية الحديثة إلى ثوماس بيرد / القرن السادس عشر- 1629/ بعد أن وضع لها كعبًا ورباطًا. وهذا التاريخ سبق العصر الصناعي الأوروبي، ولا نعتقده دقيقًا كريادة صناعية؛ بينما يجد بعض الباحثين أن الحذاء بمفهومه الحديث ارتبط بفترات الحروب الصليبية مع الألفية الأولى. إذ كان الصليبيون يذهبون في رحلات حج طويلة، لذلك يتوجب حماية أقدامهم من الطرق الوعرة. وبالتالي تم ابتكار الحذاء الطويل من الجلود الناعمة في فرنسا وإنكلترا وغيرهما من الدول الأوروبية.
وبالصعود التدريجي إلى القرون الأخيرة من الحياة الأوروبية، وبسبب كثافة المعلومات بهذا الخصوص، نجد أن ابتكارات الحذاء والملابس قد كشفت بعض مظاهر الحياة الاجتماعية الأوروبية، بعد أن تحرر جسد الإنسان من الطبيعة. إذ كانت أحذية الرجال في القرن السابع عشر مربعة الأصابع تدعى "البغال" وشاعت في إسبانيا، وتخلصت من الطابع الفرنسي الذي سبقها في انتشار الكعب الأحمر للحذاء؛ على أن القرن الثامن عشر كان شهد تطورات متلاحقة في الأزياء بشكل عام، وإن بقيت الأحذية (مستقيمة) من دون تمييز القدم اليسرى عن اليمنى، فالنمط الفرنسي كان يعدّ ذلك من قبيل الموضة. ومع الموضات الفرنسية والأوروبية بشكل عام، اختلطت أنماط الأحذية ببعضها، وتساوى فيها الرجال والنساء إلى حد كبير في معايير الجمال والموضات المتلاحقة، ابتداءً من القرن الثامن عشر. على أن التطوير المهم جاء على يد جان أرنست ماتزيليجر/ منتصف القرن الثامن عشر/ كمبتكر للحذاء الحديث. إذ أصبحت أحذية القدم اليمنى واليسرى مختلفتين، لتكون هذه الثقافة منتشرة في أوروبا وأميركا مع بدايات القرن العشرين.
أما براءات الاختراع فهي كثيرة، عند سباركس هول في الحذاء المرن من دون أربطة والذي أهدى منه زوجين إلى الملكة فكتوريا. والمهندس تشارلز جوديير للمطاط المُفلْكن، وأول كعب مطاطي من قبل الأيرلندي همفري أوسوليفان. وحتى الحرب العالمية الثانية التي حوّل فيها البريطاني جورج كوكس نعل حذاء الجيش إلى قاعدة سميكة. وهكذا يكون التاريخ الحافي قد تخلص من وعورة الأرض. ومطاردة الحيوانات حافيًا. وتسلق المرتفعات وعبر المياه والمستنقعات. وحرر جزءًا من جسده من الأرض، تنفيذًا لمتطلبات حياته في البقاء. لكن لا بد من إطلالات وشواهد معرفية، نبتعد فيها إلى الأقدم من الحضارات البشرية. لنعرف كيف كانت الأحوال الحياتية. وكيف كان الأقدمون يتفادون الأرض غير المستوية والشائكة ويسعون إلى الصيد بلا عوائق في كل مكان.
"براءات الاختراع كثيرة، عند سباركس هول في الحذاء المرن من دون أربطة والذي أهدى منه زوجين إلى الملكة فكتوريا. والمهندس تشارلز جوديير للمطاط المُفلْكن، وأول كعب مطاطي من قبل الأيرلندي همفري أوسوليفان"
الأحذية الفرعونية والرافدينية
مع تغييرات المناخ في الحضارات القديمة، بين البرد والثلج والسخونة، يفك الإنسان علاقته الجسدية في الأرض تدريجيًا. فإن كان يحمي جسمه بالثياب الليفية والشجرية والجلدية من تلك الموجات، فإن مرتكز الجسد يكون في الأرجل التي تشكل تماسًا مباشرًا مع ما تتأثر الأرض به من تغييرات مناخية. وكان لا بد من العزل الجسدي الإجباري. لهذا نتوثق من أولى العينات التي جاءت من العصر الحجري الأول أوروبيًا، مع ما تركه إنسانها من هياكل عظمية تشير أقدامها إلى نوع الأربطة أو نوع الأحذية الواقية. وحتى العصور اللاحقة التي تلتها، نواكب السمة الجسدية للإنسان القديم مع النظرية التطورية الجسدية التي كانت تشي بعصره، وبالتالي النوع الإكسسواري له من ثياب ساترة من الحر أو البرد. وليس أقلها الحذاء، لنجد في اليونان أحذية الصنادل عبر التماثيل والجداريات للنساء والرجال. وهو ما نجده في الأحذية الرومانية ذات الأربطة. مع إشارة إلى النوع القوي من الأحذية التي كان يرتديها الجنود الرومان. حتى العصور الوسطى التي شاع فيها نوع (كراكو). بينما شهدت القرون التالية نشوء موضات جديدة من الأحذية، كأن تكون من الجلد ومرتبطة بالساقين ومزينة. أو ذات كعوب عالية. أو مصنوعة من الخشب.
لكن قبل هذا كله، وقبل التعاقب التاريخي، يمسك علم الكالسيولوجيا بالخيوط الأولى القديمة التي ربطت الأرجل برباطات أولية، وقايةً من وعورة الطرق عندما كان الناس حفاة. فبشكل أولي كان ظهور الحذاء مرتبطًا بفراعنة مصر ورجال الدين منهم على وجه الخصوص؛ مصنوعًا من البردي أو القصب المنسوج أو الكتان أو الجلود أو سعف النخيل على شكل قارب. بمعنى أن الانسان الفرعوني من العامّة ظل حافي القدمين. يُمنع عليه صناعة الحذاء الملوكي. وقصة الحذاء بالشكل الفرعوني البدائي، يتوخى عدم تماس القدم بالأرض، صخرية أو مائية أو رملية. أي منع جزء من الجسد بأن يكون على علاقة بالأرض. ولما كان الفرعون هو الأعلى في الدولة، فهو حق له أن يترفع عن الأرض قليلًا، وأن يمنع الاحتكاك بينه وبينها، في سمو إلهي مقصود وفرته له الطبيعة. من دون أن توفره للعامة والفقراء. ويحاذيه في هذا السمو كهنة الدين ورجاله، فهم في منزلة خاصة بعد الملك؛ كما في العصور والحقب كلها "وتعطينا مقبرة توت عنخ آمون نظرة فريدة على الأحذية الملكية، فهناك زوج من الصنادل لا يترك أي شك حول القيمة الرمزية التي كانت تتمتع بها الأحذية، وهو مصنوع من الخشب، وتم تزيينه بالزخارف المصنوعة من اللحاء والجلد، وأوراق الذهب" وقيل أن آمون دفن معه 80 حذاءً وصندلًا.
الحذاء.. عن التاريخ الحافي للإنسان القديم 13--120
نعل سومري 3000 ق.م. وصندل فرعوني، وفي اسفل الصورة حذاء توت عنخ آمون
وفي هذه الطبقية كان العادي من الإنسان الفرعوني حافيًا، وعلى تماس مباشر مع التراب والحجر والماء. بمعنى أن جسده ظل لصيقًا بالأرض. إذ لم يألف أن يميل إلى أن يضع على قدميه حذاءً أو نعلًا. فهو اجتراح ملوكي وكهنوتي خاص، ليس للعامّة أن يقلدوا هذه "السيرة" التي ألقتها الحاجة للفرعون وكهنته. ولهذا ظل الجسد العامّي مُحتكًا بالأرض إلى فترات طويلة.
وعلى الجانب الموازي للحضارات القديمة، كانت حضارة وادي الرافدين قد تركت في النصوص والرسوم المسمارية والأختام الأسطوانية الكثير مما يعكس الحالة الطبقية للمجتمع الرافديني. منها ما يتحدث عن الصناعات الجلدية وصناعة الاحذية والنعال والخف والجزمة على وجه التحديد. حتى أن بعض الأختام ميزت جلجامش وهو يضع على قدميه حذاءً مدببًا. بينما كان الآشوريون يرتدون صنادل من الجلد تصل إلى منتصف الساق، تحتوي على نعال مع حمّالة للكعب مصنوع من الجلد. وقد يكون للمحاربين أولوية في هذا التقليد. وفي عهد سنحاريب ظهرت رسوم بارزة عليها، مزينة بالتطريز والألوان والإكسسوارات وهي من جلود الماعز والخراف، على أن تكون البطانة من الكتّان والصوف للحماية من البرد. ويُعد فراء الحيوانات من أقدم الثياب البشرية التي وُثّقت في أعمال النحت السومري.
"بعض الأختام ميزت جلجامش وهو يضع على قدميه حذاءً مدببًا. بينما كان الآشوريون يرتدون صنادل من الجلد تصل إلى منتصف الساق، تحتوي على نعال مع حمّالة للكعب مصنوع من الجلد. وقد يكون للمحاربين أولوية في هذا التقليد"
التاريخ الحافي
إن الحياة القديمة يشوبها الكثير من الغموض، وما نقرأه عبارة عن استنتاجات لحفريات وهياكل عظمية ورسومات بدائية. لذا فإن المصادر العلمية تحيلنا إلى عقود زمنية بعيدة؛ من 30 إلى 40 ألف سنة؛ عندما كان الإنسان يواجه ظروف الطبيعة من حر وبرد، فانتبه إلى أن يلف قدميه بأوراق النباتات والأشجار والأغصان الناعمة والأعشاب والحشائش لحمايتها، وعلى نحوٍ أبعد من ذلك التاريخ وفي المناطق الأكثر برودة وانجمادًا، كان يلف فراء وجلود الحيوانات حول قدميه وساقيه لحمايتها. مرة من البرد ومرة من الصخور المنحدرة أو المستنقعات. وفي الأحوال كلها، فإنه كان عاريًا وحافيًا أمام موجات الفصول المتعاقبة والطقس المتقلب. حتى أن العلماء في دراساتهم للعظام البشرية وحجومها وهياكلها المتبقية في المقابر والجبال المتجمدة، رسموا صورة أولية لتحديد أغطية الأرجل التي كان إنسان ذلك الزمن يضع قدميه فيها، على شكل قِرَب من اللحاء الدائري الملفوف أو الجلود الحيوانية أو الأكياس المحشوة بالعشب التي تُربط حول القدمين، وهذا احتمال ممكن بناءً على شواهد الهياكل المتروكة في المقابر والجبال.
الأحذية العربية الطريفة
ترك التراث الأدبي والحكائي العربي بعضًا من الحكايات ذات السمة الطريفة، المتعلقة بالحذاء في ابتداعات فكاهية ومواقف لا تخلو من الظرافة. وربما أشهرها حذاء التاجر البخيل "أبو القاسم الطنبوري" وهو حذاء تقادم الدهر عليه وامتلأ بالترقيع  وصار مصدر شؤمه وفقره، حتى أعلن منه براءته أمام القاضي. وقصة هذا الحذاء صيغت كتمثيليات ومسلسلات ابرزها مسلسل "أبو القاسم الطنبوري وإخوانه - 1995" الذي أخرجه تيسير عبود ومثله محمود الجندي وشيرين وعبد الرحمن أبو زهرة.
ويوازيها في الطرافة المثل العربي "عاد بخُفي حُنين" عن رجل كان يُدعى حُنين ويعمل إسكافيًا للأحذية في مدينة الحيرة بالعراق، وكان مشهورًا بصناعته وإتقانه وخبرته بها، وحكايته معروفة مع الإعرابي الذي أبهرته صناعة الحذاء الحُنيني، لكنه لم يشترِ منه ، بعد أن أخذ وقتًا في المساومة وصرف عنه الكثير من زبائنه.
للحذاء العربي دور فولكلوري وشعبي في الحياة اليومية، بدرء الحسد والعين الحاسدة، باعتباره طاردًا لبذرة الجن والشيطان. ومصدرًا من مصادر إبعاد الشرور المتعددة. وحتى اليوم فإن الكثير من البيوت العربية؛ لا سيما الحديثة منها؛ تضع على واجهاتها فردة من حذاء. أو زوجين منه، لقتل العين الحاسدة وطرد الجن.
لتفضيل الرجال على النساء قام الحاكم بأمر الله الفاطمي بإصدار قرار للإسكافيين في مصر بعدم صناعة أحذية للنساء حتى لا يغادرن منازلهن.
الحذاء.. عن التاريخ الحافي للإنسان القديم 13--121
كان الحذاء عشوائيًا ونعلًا مسطحًا من دون كعب في معظم المراحل الحضارية المتعاقبة، يُعمَل من القنّب والألياف والكتّان والجلود
الحذاء السياسي
تعد الأحذية العربية السياسية نادرة تقريبًا في مجالها الانقلابي، سوى ما تركه لنا التاريخ المصري من (قباقيب) قتلت الملكة شجرة الدر ورُميت من شرفة القصر. وما يقرّبنا إلى الحاضر هو حذاء العراقي منتصر الزيدي الذي رمى به الرئيس الأميركي جورج بوش في بغداد بوصفه إهانة شخصية للرئيس. وكان حدثًا مفاجئًا غير معتاد في السياسة العراقية على مر تاريخها. وقد دخل هذا الحذاء عبر شخصيات سياسية حصرًا في مناسبات مختلفة ومتعددة، حتى مع الفوارق الزمنية التي عاشتها في ظروفها. بما يشكل نوعًا من الاحتجاج والردع الأولي. بعضها يشبه الخيال. والآخر كصورة فيلمية قريب من الأسطورة. كما في حالة الرئيس الروماني السابق شاوشيسكو الذي كان يحتذي كل يوم حذاءً جديدًا ويحرقه في نهاية النهار حتى لا يرتديه أحد من بعده. وهذه حقيقة قد تكون أقرب إلى الخرافة منها إلى الواقع. على العكس من حذاء الزعيم الهندي غاندي الذي فقد فردة منه وهو يهرول ليلتحق بقطار، ولما أدرك أن لا جدوى من بقاء الفردة الأخرى تخلّى عن الثانية عسى أن ينتفع بها من يجد الأولى. والفرق واضح بين الشخصيتين السياسيتين في السلوك الأخلاقي والشعبي.
"ما يقرّبنا إلى الحاضر هو حذاء العراقي منتصر الزيدي الذي رمى به الرئيس الأميركي جورج بوش في بغداد بوصفه إهانة شخصية للرئيس"
المعروف أن إيفا بيرون، زوجة رئيس الأرجنتين الأسبق خوان بيرون، كانت أحذيتها مصنوعة خصيصًا لها من جلد حيوان المنك الذي يعد فراؤه وجلده من أغلى الأنواع في العالم، وأن إميلدا ماركوس سيدة الفلبين الأولى امتلكت مجموعة من الأحذية الفاخرة فاق عدد أزواجها 3000 زوج. لكن الأشهر في تاريخ الأحذية السياسية العالمية هو حذاء الرئيس السوفييتي الأسبق خروشوف الذي وضعه على طاولة مجلس الأمن الدولي في ستينيات القرن الماضي أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق. وهي صورة ما تزال راسخة في الذهن العالمي، لما فيها من قوة وجرأة سياسية.
الحذاء في السرد والفن والسينما
كثيرة هي الأعمال الأدبية في الشعر والقصة والرواية والمسرح، التي استلهمت من الحذاء دلالاته الناعمة والخشنة. ولا يتسع المجال للمرور عليها، فهي وفيرة. فالحذاء في المفهوم الشرقي عمومًا يُراد منه التحقير الشخصي والاجتماعي والسياسي بشكل خاص. فالظروف العربية السياسية خذلت الجماهير العربية في الكثير من المواقف والحروب حتى بات (كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة) عند نزار قباني. وصار الشعراء المنبريون وغير المنبريين، يتبارون في دلالات الحذاء العربية، كالشعراء صلاح عبد الصبور وسعدي يوسف وأمجد ناصر وعفيفي مطر وأحمد فؤاد نجم.
"الرئيس الروماني السابق شاوشيسكو كان يحتذي كل يوم حذاءً جديدًا ويحرقه في نهاية النهار حتى لا يرتديه أحد من بعده. على العكس من حذاء الزعيم الهندي غاندي الذي فقد فردة منه وهو يهرول ليلتحق بقطار، ولما أدرك أن لا جدوى من بقاء الفردة الأخرى تخلّى عن الثانية عسى أن ينتفع بها من يجد الأولى"
أما الروايات والقصص فهي أيضًا أكثر من أن تُحصى عربيًا وأجنبيًا. عند التركي عزيز نسين (الحذاء الضيق) والجزائري واسيني الأعرج في (وقع الأحذية الخشنة) والمصرية سلوى بكر في (فيلة سوداء بأحذية بيضاء) و(أبناء وأحذية) للعراقي محسن الرملي. وأيضًا وحيد طويلة وروايته (حذاء فيلليني) وميسون صقر في (ريحانة). على أن الفن التشكيلي العالمي سيكون هو الأقدم في تقديم الحذاء الاجتماعي قبل غيره من الدلالات الفنية والاعتبارية، ولعل اللوحة الأشهر (حذاء-1886) للانطباعي فان غوخ هي الأقدم بين اللوحات ذات الأهمية الدلالية. وفي المجال السينمائي قد تكون سندريلا من أكثر الأفلام العالمية التي ألهمت صُنّاع السينما، بين فيلم ومسلسل وأفلام رسوم متحركة وحكايات للأطفال وتمثيليات تلفازية. لكن السينما العالمية، اجتهدت كثيرًا في موضوعة الحذاء ودلالاته الرمزية، منذ ستينيات القرن الماضي في فيلم " الإفطار في نيفاني" مع أودري هافبورن وإلى الأحدث مع فيلم "الإسكافي- 2014" الذي أخرجه توماس مكارثي. وفيلم الرعب الكوري (الحذاء الأحمر- 2005) من إخراج كيم يونغ جيون، والفيلم التركي الكوميدي (صانع الأحذية) وفيلم (ذات الحذاء الأصفر) من تمثيل كالكي كويتشلن، والفيلم الأردني (الحذاء- 1978) عن مأساة أطفال فلسطين في المخيمات، وهو من تمثيل جميل عوّاد، رفعت النجار، نبيل نجم.


هوامش وإحالات:
   نيكولاي شاوتشيسكو: رئيس لجمهورية رومانيا الاشتراكية من عام 1967 حتى إعدامه في 25 كانون الأول/ ديسمبر 1989.
   جلجامش: ملك تاريخي لدولة الوركاء السومرية، وبطل مهم في ميثيولوجيا بلاد الرافدين القديمة.
   سنحاريب: سادس ملوك الإمبراطورِية الآشورية الحديثة، دامَ حكمه حوالي 24 عامًا.
   شجرة الدر: جارية اشتراها السلطان الصالح نجم الدين أيوب، وحظيت عنده بمكانة عالية حتى أعتقها وتزوجها. تولت عرش مصر لمدة ثمانين يومًا بعد وفاة السلطان الصالح أيوب، ثم تنازلت عن العرش لزوجها عز الدين أيبك التركماني سنة 1250.
   المهاتما غاندي: الزعيم الروحي للهند. كان رائدًا للعصيان المدني الشامل، والذي أدى إلى استقلال الهند.
   نيكيتا خروتشوف: حكم الاتحاد السوفييتي من 1935 إلى 1964
   خوان دومينغو بيرون: رئيس الأرجنتين لفترتين؛ وقد أنهى انقلاب عسكري فترة رئاسته الأولى مما اضطره إلى ترك الأرجنتين. ولكنه عاد إلى بلاده عام 1973 وانتخب رئيسًا لها حتى وفاته بعدها بعام.
   إيفا بيرون: ممثلة وسياسية أرجنتينية. تزوجت من الرئيس خوان بيرون عام 1945، وبعد ذلك تولت رئاسة الأرجنتين في العام التالي.
   إيميلدا ماركوس: زوجة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس والسيدة الأولى في الفلبين حتى عام 1986. ملكة جمال سابقة ومغنية. لُقبت بالفراشة الحديدية.
   في اللغة عند السومريين وردت كلمة "الأسكافو" وتعني "الإسكافي".
   الصندل الأشوري يدعى باللغة الأكدية نعلُ (Na’ul) وهو نفس اللفظ العربي.
   ثقافة الجزمة عبر العصور- د. ماجد عزت اسرائيل- جامعة الرور.
   الأحذية الايطالية – هنينغ مانكل – ترجمة إيف كادوري وحازم عبيدو.
   مدخل إلى حضارات الشرق القديم- ف. فون زودن- ت: د. فاروق إسماعيل- المدى 2003
   جريدة الرياض: الخميس 1 ربيع الآخر 1433 هـ - 23 شباط/ فبراير 2012 - العدد 15949
   عربي بوست: 5-1-2022
   ويكيبيديا، الموسوعة الحرة