سفينة ثيسيوس
سفينة ثيسيوس 1--1576
هناك معضلة فلسفية قديمة لم تُحل بعد حتى اليوم، تُعرف بمعضلة سفينة ثيسيوس.
بإيجاز: ثيسيوس كان ملكًا إغريقيًا أخذ سفينته وذهب لمحاربة أعدائه وانتصر عليهم. عندما عاد، احتفل الناس به وقرروا تخليد سفينته الأسطورية.
مع مرور الوقت، كانت ألواح السفينة تتآكل، فكان الناس يستبدلون الألواح التالفة بأخرى جديدة كل عام. وهكذا، سنة بعد سنة، حتى لم يبق في النهاية أي خشب أصلي في السفينة. وهنا تظهر المعضلة:
هل السفينة لا تزال هي نفس سفينة ثيسيوس التي انتصر بها؟
هل ما زالت تحتفظ بنفس أسطورتها الأصلية؟
إذا كانت الإجابة نعم، فكيف يكون ذلك والخشب الأصلي لم يعد موجودًا؟
وإذا كانت الإجابة لا، ففي أي مرحلة فقدت السفينة هويتها؟ هل كان ذلك بعد تغيير اللوح الأول؟ أم الثاني؟ أم الألف؟ أم الأخير؟
من هنا، نصطدم بسؤال: هل للأشياء جوهر تتعرف به حتى لو تغيرت من الخارج؟ أم أنه لا يوجد شيء يُدعى الجوهر، وأن الأشياء ليست إلا مجموع عناصرها وخصائصها الخارجية؟
تم ربط هذه المعضلة بسؤال الهوية الإنسانية. ليس فقط التغيرات البيولوجية التي تحدث لنا مع مرور الوقت من موت وتجديد الخلايا وما إلى ذلك، ولكن على مستوى الذات والشخصية.
وهذا يطرح سؤالاً: من نحن حقًا؟ أي نسخة منا هي حقيقتنا؟
بمثال بسيط، يمكنك التفكير في فريق كرة القدم الذي تحبه. تخيل لو أن كل يوم يتم بيع لاعب من الفريق ويحل محله لاعب جديد. وهكذا حتى تجد نفسك تشاهد مباراة وترى فريقًا جديدًا تمامًا لا تعرف أسماء لاعبيه. هل ستظل تشعر بأنه نفس الفريق الذي كنت مرتبطًا به وبلاعبيه وتقول الفريق بمن حضر، أم ستشعر بشيء غريب؟
سفينة ثيسيوس 1--1577
وطن أو مدينة تحبها وترتبط بكل مكان وشارع فيها. مع مرور الوقت، تُزال معالمها، الأشجار التي تحبها تُقطع، البحر يُحاط بقضبان، والأماكن التي ترتبط بها تتحول إلى خرسانة. هل ستشعر بنفس شعور الارتباط والانتماء؟
عمومًا، العديد من النظريات حاولت الإجابة على معضلة السفينة، وأنا لست مهتمًا بعرضها هنا بقدر ما أهتم بطرح الأسئلة والتفكير فيها.
نفترض أنه في مرحلة ما من حياتك تمكنت من تكوين هوية تُقدم بها نفسك للناس. لقد حددت عقيدتك ومبادئك وطباعك وما تحبه وتكرهه. ولنفترض أن شخصًا يدعى A كان معك طوال تلك الفترة. ومع مرور الوقت، كل ذلك تغير، مبادئك إذا كانت في اليمين أصبحت في اليسار، ما كنت تؤمن به أصبحت تسخر منه، طباعك اختلفت، والأشياء التي تحبها وتكرهها تغيرت بالكامل. ولنفترض أنك خلال كل ذلك كنت بعيدًا عن الشخص A، وتعرفت على شخص آخر يدعى B. السؤال هنا: من يعرف حقيقتك أكثر؟ واحد منهما؟ كلاهما؟ أو لا أحد؟ أم الشخص الذي سيشهد على نسختك الأخيرة في نهاية الرحلة؟
وإذا بعد هذا التغيير التقيت بصديقك القديم A، فكيف سيكون شعوركما وكيف ستتعاملان مع بعضكما؟
نعود إلى السفينة، حيث قرر فيلسوف بدلًا من حلها أن يضيف سؤالًا آخر للمعضلة. قال: تخيل أن هناك شخصًا ما يجمع كل الخشب الأصلي المتآكل، وصنع به سفينة جديدة. هل يمكننا القول حينها إنها سفينة ثيسيوس؟ أم أن السفينة التي رممناها هي سفينته؟
يمكن تقريب هذا بالقياس لفريق كرة القدم. تخيل أن اللاعبين الذين تم بيعهم ذهبوا جميعًا إلى فريق جديد. والفريق الجديد يلعب ضد فريقك الأصلي، الذي لا تعرف الآن أسماء لاعبيه، لكنه يلعب ضد الفريق الذي يضم اللاعبين الذين ترتبط بهم وبذكريات بطولاتهم وتشيرتاتهم التي تحمل أسمائهم. فلمن سيكون ولاؤك وتشجيعك في هذه الحالة؟

عندما نقول: "أنا أعرف فلان"، أو "فلان يعرفني"، ماذا نعني بذلك؟
هل يمكن حقًا أن يعرف إنسان إنسانًا آخر تمام المعرفة؟
هل للأشياء جوهر أصلي خاص بها مهما حدث، أم أن الأشياء هي مجرد انعكاس لتصورات الراصدين لها؟
هل نحن سلسلة من النسخ غير المرتبطة بالضرورة، أم أن هناك شيئًا ما فينا يجعلنا إذا رأيناه ووجدناه يمكننا التعرف على الناس (أو على الأقل من نحبهم) والشعور بالألفة معهم مهما غيرتنا الحياة من الخارج؟
معضلة سفينة ثيسيوس تُعتبر واحدة من أكثر المعضلات الفلسفية إثارة للاهتمام لأنها تتناول أسئلة جوهرية حول الهوية والتغيير. تطرح هذه المعضلة تساؤلات عميقة حول ما يجعل شيئًا ما هو ذاته، وكيف يمكن أن يتغير بشكل تدريجي دون أن يفقد هويته الأساسية.
المعضلة تفتح الباب لمناقشات حول الهوية الشخصية وكيفية تغيرها عبر الزمن. من نحن حقًا؟ هل نحن مجرد مجموعة من الذكريات والتجارب، أم هناك جوهر ثابت داخلنا؟


المصدر : مواقع إلكترونية