اسطورة ثيسيوس ومينوتور في الأدب اليوناني القديم
تضم الأساطير اليونانية على بعض من أروع الأساطير في العالم، ومنها أسطورة ثيسيوس(Theseus) والوحش مينوتور (Minotaur) وهي اسطورة مأساوية ومن روائع الأدب اليوناني.
عندما اكتشف عالم الآثار البريطاني (Arthur Evans) قصر كنوسوس (Knossos)، كانت قصة نصف رجل ونصف ثور الذي قتله ثيسيوس داخل متاهة تعتبر أسطورة شائعة، ومع ذلك غير علم الآثار هذه الاسطورة كما نلاحظ فيما بعد، ورد في الأسطورة ان ثيسيوس بطل يوناني حقيقي، والوحش مينوتور كان مرعبا جدا، وهما البطلان الرئيسيان في الأسطورة التي تضم آلهة ووحوشا وأبطالا وملوكا في دولتين من دويلات المدن المهمة في العالم اليوناني وهما أثينا وجزيرة كريت.
ولادة الوحش مينوتور ومتاهة كريت
تبدأ احداث الاسطورة عندما حارب مينوس ملك كريت (Crete) شقيقه ساربيدون (Sarpedon) بشدة ليعتلي العرش، وبعد انتصار مينوس وحصوله على الملكية نفى شقيقه خارج جزيرة كريت، وصلى مينوس إلى بوسيدون (إله البحر) (Poseidon) من أجل ان يعطيه ثور أبيض كعلامة على رضا الإله عنه، وكان من المفترض أن يضحي مينوس بالثور عندما يحصل عليه كما وعد في صلاته، لكن الثور كان جميلا لدرجة أنه احتفظ به بدلا من التضحية به، فغضب الإله بوسيدون من جحود مينوس وأنانيته وعدم طاعة اوامره، وتسبب هذا في وقوع زوجة مينوس وتدعى باسيفاي (Pasiphae) في حب الثور الذي ملك قلبها بعمق لدرجة أنها تزاوجت مع الثور، وانجبت منه ذكرا برأس وذيل ثور، وهو مخلوق مدمر نصفه رجل ونصف حيوان وحش أطلق عليه مينوتور، ففي البداية اعتنت باسيفاي زوجة مينوس بمينوتور، ولكن مع تقدمه في السن أصبح قويا وعنيفا جدا، فطلب الملك مينوس من المهندس المعماري ديدالوس (Daedalus) ان يصمم متاهة معقدة داخل قصره من أجل الاحتفاظ بهذا المخلوق.
وفي اثينا وفقا للمؤرخ اليوناني (Diodorus Siculus)، فان أيجيوس(Aegeus) قتل منافسية ومنهم أندروجيوس (Androgeus) خوفا من منافسته على عرش اثينا، وفي إحدى النصوص اليونانية القديمة تشير إلى تمكن إيجيوس من قُتل أندروجيوس في معركة دارت بين الأثينيين والكريتيين.
تذكر الأسطورة بان مدينة اثينا كانت مسؤولة عن وفاة أندروجيوس الكريتي، فكان عليها أن تقدم تكريما لمينوس ملك كريت سبعة من أفضل وأنبل الشباب وسبعة من أفضل العذارى وأكثرهن فضيلة في كل عام، ويتم إرسالهم إلى جزيرة كريت وادخالهم في المتاهة داخل قصر مينوس حتى يأكلهم الثور مينوتور.
في السنة الثالثة تطوع الشاب البطل ثيسيوس ابن أيجيوس ملك أثينا بان يكون أحد الشبان السبعة الذين سيذهبون إلى جزيرة كريت، وكانت رغبته ان يقتل المينوتور وينهي التضحيات البشرية لهذا الوحش المرعب، وافق ملك اثينا على ذهاب ابنه إلى الكريت بعد تردد شديد، ولكن وعد ثيسيوس والده عند عودته في السفينة من جزيرة كريت سيرفع الأشرعة البيضاء، كدليل على انه لا يزال على قيد الحياة، وفي حالة رفع الأشرعة السوداء معنى ذلك ان ثيسيوس قتل على يد المينوتور (اللون الأسود دليل الحزن والموت في اليونان، ويرتدي الرجال والنساء الملابس السوداء في حالة موت انسان عزيز عليهم، ربما دخل هذا التقليد الحزين في ارتداء الملابس السوداء حاليا مع احتلال الاسكندر المقدوني ومن جاء من بعده في مناطق الشرق الأدنى القديم) .
ثيسيوس يذبح مينوتور
أعلن ثيسيوس للملك مينوس أنه يخطط لقتل الوحش، ولكن مينوس كان يعلم أنه حتى لو تمكن من قتل مينوتور فلن يتمكن من الخروج من المتاهة، ولكن شاءت الصدفة ان التقى ثيسيوس بالأميرة أريادن الجميلة (Ariadne)، ابنة الملك مينوس فوقعت في حبه وأسر قلبها وقررت أن تساعد ثيسيوس في مهمته فأعطته خيطا وطلبت منه حله وهو يذهب أبعد وأبعد في داخل المتاهة، وبعد ان يقتل الثور مينوتور يجد طريقه من خلال الخيط فيخروج من المتاهة.
سمي بحر إيجة على اسم الملك إيجوس
نجح ثيسيوس في قتل الوحش المرعب، وهرب من المتاهة بواسطة الخيط، ثم هرب مع الاميرة أريادن نحو أثينا، ولسبب غير معروف ترك الأميرة أريادن في جزيرة ناكسوس(Naxos)، وفي نسخة أخرى من الأسطورة بانها تزوجت من الإله ديونيسوس (Dionysus)، وكان من المفترض أن يغير البطل ثيسيوس أشرعة السفينة السوداء ويرفع الاشرعة البيضاء حتى يعرف والده الملك إيجيوس أن ابنه لا يزال على قيد الحياة وتمكن من قتل المينوتور، ومع ذلك نسي ثيسيوس تماما ما وعد به والده الذي كان ينتظره في اعلى جرف مطل على البحر، فعندما شاهد الاشرعة السوداء من بعيد اعتقد بان ولده قتل فألقى بنفسه من الجرف إلى البحر حزينا على رؤية السفينة تعود بأشرعتها السوداء، ونتيجة لذلك مات غرقا، ومن ثم أصبح البحر يعرف باسم بحر إيجه (Aegean) نسبة إلى الملك إيجيوس (يقع بحر ايجة بين تركيا واليونان، ويبدو ان بحر ايجة كئيب وحزين مثل إيجيوس ملك اثينا فقد ابتلع الكثير من المهاجرين الهاربين من بلدانهم باتجاه اليونان حاليا في زوارق الموت) .
الاسطورة والاثار
جرت تنقيبات اثرية قام بها الاثاري (Arthur Evans) في قصر الملك مينوس في كنوسوس بجزيرة كريت عام (1894)، وبدأت التنقيبات فعليا في موقع كنوسوس عام (1900)، وهو أكبر موقع أثري من عصر البرونز في جزيرة كريت، وربما كان المركز الاحتفالي والسياسي للحضارة والثقافة المينوية، وأعطى (Evans) اسم (مينوان) للثقافة التي اكتشفها في كنوسوس وسميت بهذا الاسم نسبة للملك مينوس.
سواء كان مينوس هو اسم ملك أو لقب لا نعرف؟ ولكن المؤرخ اليوناني (Herodotus) ذكر في حديثه عن مينوس بان (مينوس ملك كنوسوس) وأنه (حاكم البحر)، وافترض الاثاري (Evans) عند العثور على رسوم جدارية ملونه في القصر تصور (قفزات الثيران)، بأن قصر كنوسوس (Knossos) ربما كان المتاهة التي وردت في اسطورة ثيسيوس والمينوتور، وذلك لكثرة الغرف في القصر، فمن المدهش كم من الوقت يمكن للمرء أن يقضيه في التجول داخل وخارج هذه الغرف، وصعود ونزول السلالم، وفي كثير من الأحيان يفاجئ المرء كثيرا أن يجد نفسه مرة أخرى في نفس الغرفة بعد أن سلك طريقا مختلفا.
الاسطورة وتفسير الظواهر الطبيعية المتطرفة
يعتقد العديد من الباحثين وجود تشابه بين الظواهر الطبيعية وكتابة الأساطير، فهي محاولات لفهم العالم ، وغالبا ما أعطى أسلافنا الأوائل شكلا ماديا للظواهر الطبيعية الغير معروفة والمرعبة في محاولة لتبريرها، وتتفق الروايات المختلفة للأسطورة على أن الثور مينوتور كان يعيش في المتاهة تحت الأرض وأنه عندما ينفخ تهتز الأرض، وكشف البحث العلمي وجود نشاط زلزالي وأن جزيرة كريت تقع في منطقة هي عبارة عن حدود صفيحة تكتونية حيث تتلاقى صفيحتان مسببة زلازل كبيرا تهتز لها جزيرة كريت، وسواء تم تصوير قصر كنوسوس أو تم استخدامه لشرح الأنشطة الزلزالية في جزيرة كريت فان الشيء المؤكد هو أنه مع تطور البحث الأثري تثبت قصة ثيسيوس ومينوتور بأنها أكثر بكثير من مجرد أسطورة يونانية قديمة.
بقلم: الأستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم