أوتيك : أول مستعمرة فينيقية في شمال إفريقيا
أوتيك : أول مستعمرة فينيقية في شمال إفريقيا 13-816
كانت أوتيك أول مدينة أسسها التجار الفينيقيون بساحل شمال إفريقيا، و ذلك بالقرب من مصب وادي مجردة. و بالرغم من كون هذه المدينة جزءا من الإمبراطورية القرطاجية، إلا أنها تمكنت من الحفاظ على درجة من الاستقلالية عن جارتها القوية. أما بعد سقوط قرطاجة، فقد أصبحت أوتيك أول عاصمة لإفريقيا الرومانية.
المدينة البونيقية
أوتيك : أول مستعمرة فينيقية في شمال إفريقيا 13-241
المقبرة البونيقية بمدينة أوتيك
وفقا للعديد من المصادر القديمة، تأسست أوتيك حوالي 1100 عام قبل الميلاد. و مع ذلك فإن الأبحاث الأثرية الحديثة تشير إلى وجود أساسات أحدث تعود بقليل إلى فترة ما قبل 800 قبل الميلاد . إن لاسم أوتيك الفينيقي، و الذي يعني “القديم”، و ذلك على عكس قرطاجة التي تعني “المدينة الجديدة .”و بما أن أوتيك كانت تقع إلى حد ما بالأراضي الداخلية، فإن مدينة روسكمونا المجاورة (غار الملح) كانت تلعب دور مينائها.
تأسست قرطاجة بعد فترة وجيزة من أوتيك، على بعد حوالي 40 كيلومترًا منها، وسرعان ما أصبحت أقوى مدينة في المنطقة. ومع ذلك، احتفظت أوتيك منذ فترة طويلة باستقلالها السياسي والاقتصادي: فلم تخضع للسيطرة البونيقية إلا في وقت لاحق، و ذلك حوالي 540 قبل الميلاد، وحتى بعد ذلك فقد حافظت على مكانة مميزة كحليفة لقرطاجة. في الوقت نفسه، كانت هنالك دائمًا منافسات تجارية بين المدينتين.
شكلت الحروب البونيقية فرصة لأوتيك لمحاولة تحرير نفسها من الهيمنة القرطاجية. فبعد الحرب البونيقية الأولى، خلال انتفاضة المرتزقة السابقين للجيش القرطاجي، دعمت أوتيك و مدينة هيبو دياريتوس (بنزرت) المجاورة لها هذه الثورة . و خلال الحرب البونيقية الثانية، حاصر الجنرال الروماني شيبيون الإفريقي مدينة أوتيك، و التي أراد أن يستخدمها كقاعدة خلفية لحملته في إفريقيا، إلا أنه لم ينجح في غزوها . أخيرًا، في عام 150 قبل الميلاد، عشية الحرب البونيقية الثالثة، انشقت أوتيك و عقدت تحالفا مع روما. كجزاء لها على ذلك، أصبحت المدينة عاصمة مقاطعة إفريقيا الرومانية الجديدة، كما منحها الرومان السيطرة على كامل الإقليم من قرطاجة إلى هيبو دياريتوس.
المدينة الرومانية
أوتيك : أول مستعمرة فينيقية في شمال إفريقيا 13--65
كاتو أوتيسنسيس
خلال الحرب الأهلية الرومانية (49 ــ 45 ق م)، وقعت إحدى المعارك الرئيسية بين أنصار يوليوس قيصر و أنصار بومبيوس في أوتيكا .قرب نهاية الحرب، لجأ آخر أنصار بومبيوس، بمن فيهم زعيمهم، السيناتور كاتو الأصغر، إلى أوتيكا بعد هزيمتهم. أخذ كاتو حياته، لكن شعبيته التي كان يتمتع بها في المدينة دفعت سكانها لدفن جثمانه بشرف و إعطائه لقب كاتو أوتيسنسيس، و ذلك كله دون خوف من انتقام قيصر.
في عام 44 قبل الميلاد، قرر يوليوس قيصر إعادة بناء قرطاجة كعاصمة لإفريقيا الرومانية. و منذ ذلك الحين، فقدت أوتيك أهميتها بشكل تدريجي. في عهد الإمبراطور هادريان، طلبت المدينة أن تصبح مستعمرة رومانية، لكن طلبها هذا لم يؤخذ بعين الاعتبار إلا لاحقا، و ذلك خلال فترة حكم الإمبراطور سبتيميوس سيفيروس، و الذي كان من أصل إفريقي.
في بداية العصر المسيحي، كان لمدينة أوتيك، مثلها مثل مقاطعة إفريقيا بأكملها، مجتمع مسيحي قوي. و يظهر اسم أسقف أوتيكا في قائمة المشاركين في العديد من المجالس الإقليمية التي نظمت في قرطاجة.
أوتيك : أول مستعمرة فينيقية في شمال إفريقيا 13-816
تسارع تدهور وضع أوتيكا بسبب زحف الرمال إلى مينائها، مما أدى إلى نهاية التجارة البحرية لهذه المدينة. تمكن التحول إلى الاقتصاد الزراعي، إلى حد ما، أن يحول دون تدهور اقتصادهم، إلا أن هذه الجهود لم تكن كافية في نهاية المطاف .أدى نهب الوندال للمدينة في عام إلى تدهورها بشكل كامل. وكانت المدينة لا تزال موجودة 439 في وقت استعادة الإمبراطورية البيزنطيقية لإفريقيا الرومانية، ولكن يبدو أن المدينة قد هُجرت قبل بداية الفتوحات العربية. إلى يومنا هذا، لا يزال من الممكن زيارة آثارها في ولاية بنزرت التونسية.


المصدر : مواقع إلكترونية