كيف انتشر التعريب في مصر؟
كيف انتشر التعريب في مصر؟ 1--1634
دخلت اللغة العربية مصر مع دخول العرب مصر في القرن السابع الميلادي ( 640م )، وكانت اللغة المصرية ( القبطية ) لغة الدولة واللغة اليونانية كانت منتشرة إلى جوار اللغة المصرية في الإسكندرية وبعض المراكز الثقافية في المدن الكُبرى والإدارات الحكومية خلال حكم البطالمة والرومان، وبدخول العرب بدأ استخدام اللغة العربية في الظهور والانتشار بين المصريين بصورة تدريجية، وما إن حل القرن الثاني عشر حتى كانت معظم بلاد الوجه البحري وكثير من بلاد الوجه القبلي تتحدث اللغة العربية.
وعندما جاء القرن الثالث عشر وضع علماء القبط مؤلفاتهم باللغة العربية، مما يؤكد سرعة انتشار اللغة العربية بين القبط في ذلك الوقت، ولكن اللغة القبطية ظلت لغة التخاطب في الحياة اليومية في بعض مناطق الوجه القبلي حتى القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر، وإذا كانت قد استمرت بعد ذلك فبصورة فردية، أو كبقايا تراث منعزل في بعض الأماكن النائية، هذا بخلاف محاولات الغيورين إحياء التحدث بها خصوصا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.
— العوامل التي أدّت إلى اندثار اللغة القبطية:
١- اللغة القبطية هي اللهجة الدارجة للغة المصرية القديمة في آخر مراحلها (الديموطيقية)، مكتوبة بحروف يونانية بعد إضافة سبعة حروف من الديموطيقية تمثل الأصوات التي ليس لها مقابل في اللغة اليوناني.
٢- في خلافة (الوليد بن عبد الملك الأموي) عام [٧٠٥ مـ] أُعلنت اللغة العربية لغة رسمية في القطر المصري بدلاً من اللغة القبطية، وعمل على نزع الكتابة من أيدي الأقباط العاملين في الدواوين الحكومية تحت رئاسة قبطي يدعي (أنثاس) وكان قبلها أميناً على بيت المال (وزير المالية).
٣- لما رأى الأقباط أن هذا التغير سيفقدهم وظائفهم، عولوا على تعلم اللغة العربية، فظهر ما يعرف باسم السلالم (كتابة الكلمات العربية بأحرف قبطية)، وهو عكس ما هو معمول به في الخولاجي مثلاً.
٤- أمر (الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان) بتعريب الكتاب المقدس، وهي الترجمة العربية الموجودة بين أيدينا حتى الآن، وكذلك الكتب المسيحية.
٥- ما لبثت اللغة القبطية أن تلقت الضربة القاسمة على يد الخليفة الفاطمي (الحاكم بأمر الله) عام [٩٩٦ - ١٠٢١ مـ] الذي أصدر أوامر مشددة بإبطال استخدام اللغة القبطية تماماً في البيوت والطرقات والمدارس، ومعاقبة كل من يستعملها بقطع لسانه، كما أمر بقطع لسان كل أم تستخدم تلك اللغة مع أولادها في المنزل، وقد كان ينزل بنفسه إلى الشوارع مع جنوده ويتجسسون على أبواب البيوت ليرى ما إذا كان هناك أحد يستخدم اللغة القبطية.
٦- كان البطريرك (غبريال بن ترك) في عام [١١٣١ - ١١٤٦ مـ] أول من صرّح بقراءة الأناجيل والعظة وما إلى ذلك، باللغة العربية في الكنائس، يليها قراءتها باللغة القبطية كما هو الوضع القائم حتى اليوم.
٧- ببلوغ القرن الثالث عشر، كانت اللغة السائدة هي اللغة العربية، وأخذ علماء الأقباط، مثل أولاد العسال، جرجس بن العميد، أبو شاكر بن الراهب، القس بطرس السدمنتي، ولقد كان أول من ألّف كتاباً مسیحياً باللغة العربية هو الأسقف (ساويرس بن المقفع).
٨- يقول العلامة (ماسبيرو) في محاضرة له ألقاها سنة [١٩٠٨ مـ]: «أنه من المؤكد أن سكان صعيد مصر كانوا يتكلّمون ويكتبون اللغة القبطية في السنين الأولى من القرن السادس عشر، في أوائل حكم الأتراك».
٩- يقول (المقريزي)، المؤرّخ العربي المعروف في القرن الخامس عشر: «والأغلب على نصارى هذه الأديرة معرفة القبطي الصعيدي، ونصارى الصعيد وأولادهم لا يكادون يتكلّمون إلا القبطية الصعيدية».

١٠- وفي القرن الثامن عشر ظهرت اللغة القبطية المكتوبة بحروف عربيّة كما هو الحال قائم إلى الآن، لما قاربت على الزوال.
تقول د. سيدة الكاشف في كتابها (مصر في عصر الولاة): «بدأ العرب بعد فتح مصر بأقل من نصف قرن يتجهون إلى تعريب البلاد، وإلى جعل اللغة العربية لغة رسمية، وذلك لعدم معرفتهم باللغة القبطية، كما تم ترجمة الإنجيل وعدة كتب دينية مسيحية أخرى إلى اللغة العربية، وذلك ليعرف العرب إذا كان في هذه الكتب ما يمس الدين الإسلامي بسوء، وقد ساعد التعريب على شيوع اللغة العربية وانتشارها بين الموالي والأقباط، فأصبحت اللغة العربية لغة الدواوين، كما بدأت تظهر طبقة الكتَّاب، كذلك أصبحت اللغة العربية لغة الإدارة، فضلاً عن أنها لغة الثقافة، بالإضافة إلى كونها اللغة السياسة والدين».


المصدر
- كتاب اسهامات الاقباط في الحضارة الانسانية
صـ ٢٠ - ٢٣ / عبد صموئيل.