الزواف قبل أن تكون كتيبة فرنسية ، كانت قبيلة من الأمازيغ ضمها الجيش العثماني الى صفوفه و ظلت كذلك إلى أن احتلت فرنسا الجزائر فأراد الفرنسيون بقيادة الكونت دي بورمون تأسيس كتيبة بنفس التسمية و الزي ، مشكلة من كل الجزائريين من كافة المناطق ، فاستعانوا بمصطلح الزواف لتسمية الكتيبة الجديدة ، و التي كانت أغلبها من الفرنسيين و ضمت جزائريين من كافة المناطق دون استثناء ..
ثم ما فتئت هذه الكتيبة أن هرب منها أغلب الجزائريين ، و التحقوا بمقاومة الأمير عبد القادر، لأنهم في الأساس لم يكونوا ضمن الجيش الفرنسي بدافع ايديولوجي و إنما بغرض الاسترزاق فقط ..
و ظلت تسمية الزواف مرافقة لهذه الكتيبة التي لم يعد فيها فيما بعد أي جزائري ، و أنشئ على شاكلتها كتائب أخرى خالصة للفرنسيين ، و أخرى في بلجيكا و دول أخرى بنفس التسمية ..
هذا ما استقر في فهمنا بعد التنقيب في الكثير من المراجع ، و على أساسه بان لنا الجهل العميق الذي يقع فيه البعض عند التعامل مع هذه التسمية عندما ينسبون كتيبة الزواف إلى قبيلة الزواف . و في المقابل يتحاشون تسميات أخرى لكتائب عربية ضمن الجيش الفرنسي لا علاقة لها بمنطقة القبائل من أمثال الصبايحية و القومية و المهاريست و غيرهم ..
لقد ظهر لنا ألأن النوايا السيئة لدى البعض هي استكمال لتلك النوايا القديمة في توظيف هذه عبارة الزواف من أجل النيل من منطقة بعينها و التحريض ضدها ، و هي براء من تلك الاتهامات التي يراد إلصاقها بها ، و فيما يلي هذا النص التاريخي لمساھمة منطقة القبایل في المقاومة عشیة الاحتلال الشيء الذي يظهر عمق و صدق انتماء أهل منطقة القبائل للجزائر .
" إذا كان بعض أفراد منطقة القبائل قد انظموا الى منظمة الزواف مثلھم مثل الكثیر من الجزائریین , و كل المصادر التاریخیة تنفي أن یكون عدد مرتزقة الزواف من السكان الأصلیین قد بلغ أكثر من 4 آلاف , رغم ذلك یقوم أعداء الجزائر بتخوین منطقة القبایل بكاملھا !! فقط لأن مصطلح الزواف مقتبس من فرقة زواوة التي خدمت العثمانیین أو لأن بعض أفراد ھذه المنطقة انضموا الى منظمة الزواف دون الأخذ بعین الاعتبار أن اسم منطقة القبایل في 1830 كان یمتد من تیبازة الى غایة جیجل فمصطلح القبایل أطلقه العثمانیون على كل سكان الجبال كما أطلق مصطلح الحضر على سكان المدن والحفص على سكان الحواضر التي بین المدن والجبال ، فان الدارس لتاریخ المقاومة الشعبیة للجزائرین یدرك تماما أن سكان منطقة القبایل الحالیة لم تسكن عن الثوران والتمرد ضد الاستعمر الفرنسي منذ أول یوم من نزوله في سیدي فرج ،
فقد ورد في كتاب المؤرخ (Pierre Guiral (أنه في عشیة الاحتلال 1830 أعلن مفتي الجزائر الجھاد على فرنسا فأرسل أحمد باي من الشرق 13 ألف جندي وأرسل باي وھران 6 آلاف جندي بینما أرسلت منطقة القبایل لوحدھا 18 ألف جندي لردع القوات الفرنسیة النازلة في سیدي فرج 1830.( 13 ) وقد أكد ھذا الرقم المؤرخ الجزائري أبو القاسم سعد الله وقال : أن شیوخ جرجرة قد جمعوا لحسین باشا بین 16 ألف و 18 ألف محارب .(14)
لكن القائد والكولونیل الفرنسي (جوزیف نیل روبان 1918_ 1837) ( Robin Nil Joseph ( الذي شارك في الحملة الفرنسیة على مدینة الجزائر قدم لنا رقما اكثر من ھذا وأكد لنا في كتابھ الشھیر ( 1838 à 1830 de kabylie grande la sur historiques notes (أن منطقة القبایل وحدھا أرسلت 25 ألف مقاتل لمحاربة فرنسا صائفة 1830 وھذا یعني ان منطقة القبایل ھي المنطقة التي قدمت أكبر عدد من المقاتلین لمقارعة الانزال الفرنسي في سیدي فرج مقارنة بي باقي المناطق في الجزائر وھذا النص المترجم مقتبس من الكتاب :
” من الصعب التقدیر ، لكن بالنظر إلى قوات (الآغا براھیم ) التي وظفھا ضدنا في معركة ( سطاوالي ) والتي تقدر بحوالي خمسین الف مقاتل ، وبالنظر لما قدمه باي قسنطینة وباي التیطري و وھران الذین لم تتجاوز مشاركتھم ألفي مقاتل ، مع الأخذ بعین الإعتبار الأعداد القادمة والمنسحبة ، وصلنا إلى تقدیر عدد مقاتلي القبایل الذین غادروا قبائلھم ودیارھم لنجدة الجزائر (صائفة 1830 ) على الأقل 25000 مقاتل ، إنه جھد كبیر جدا باعتبار أن ھذا العدد یمثل عشر سكان الجزائر أنذاك .عندما وصلت القوات القبائلیة إلى حسین باشا ( داي الجزائر أنذاك) رفع صوته بالتھلیل والتكبیر ابتھاجا وتعظیما لتلك القوة ،و وعدھم بالأسلحة والذخیرة والمؤونة الغذائیة ..القبائل تعاونوا مع باي قسنطینة ( الحاج أحمد) قرب برج الحراش ، وھم قناصة ممیزون ، ویستخدمون السلاح عن حب ، إنھا القوة التي أذھلتنا في دفاعاتھا عندما اجتاحت جیوشنا أرض الجزائر وكما یعلم الجمیع فقد سلم الداي حسین قیادة الجیش الى صھره الآغا إبراھیم وقد كان عاجزا على آداء مھمته وأكثر من ذلك فقد قدم 10 رصاصات فقط لكل جندي كي یحارب بھا الجیش الفرنسي الذي نزل في سیدي فرج ؟.(15)
كان ابراھیم آغا قد استلم نقودا من الداي حسین لتوزیعھا على المحاربین بغرض تشجیعھم ولكنه لم یعطي أحدا منھم شیئا ؟ . (16 ) ویقول شیخ المؤرخین كذلك :
" وفي الیوم الذي نزل فیه الجیش الفرنسي في سیدي فرج لم یكن ھناك لا مدافع ولا خنادق ، ولم یكن ھناك لدي الاغا ابراھیم أكثر من 300 فارس . وكان باي قسنطینة لا یملك الا عددا قلیلا من المحاربین . أما باي التیطرى فقد كان مازال في عاصمة اقلیمه (المدیة) ولم یصل الا بعد أیام من نزول الجیش الفرنسي . أما جیش اقلیم وھران فلم یكن بعیدا عن سیدي فرج وكان تحت قیادة خلیفة الباي .وكان باي التیطري قد وعد الباشا 20 الف فارس ، منھم 10 الاف برماحھم ، ولكنھ حین وصل الى المیدان لم یأت معھ بأكثر من ألف رجل. ھذه القوات كانت مجتمعة في معسكر" اسطاویلي " وكان الاغا ابراھیم مع فرقة من سكان متیجة وأخرى من أھالي جرجرة " (17)
تجدر الاشارة الى أن أول ھزیمة للجیش الفرنسي خارج العاصمة التي احتلھا كانت في البلیدة وكان زعیم المقاومة ھناك ھو محمد او زعموم أو مجمد ابن زعموم وھو من قبیلة فلیسة (Iflissen ) من منطقة القبایل فلم ینتظر سكان منطقة القبایل وصول الجیش الفرنسي الي دیارھم فشكلوا قوات انتقلت الى متیجة لردع جیوش الاحتلال . بقلم صامت مصطفى "
(13) ـ Guiral (Pierre). Les militaires à la conquête de l’Algérie (1830-1857) . p 63
(14) أبو القاسم سعد الله. محاضرات فى تاریخ الجزائر الحدیث. ص 39
(15) نفس المرجع . ص 38
(16) نفس المرجع . ص 42
(17) نفس المرجع . ص 40
(18) د/ یحي بوعزیز : ثورات الجزائر في القرنین التاسع عشر و العشریین ط 1 ، دار البعث قسنطینة 1980،ص ص 126 /13
(19) مصطفى الاشرف : الجزائر -الامة والمجتمع – ترجمة حنفي بن عیسى، المؤسسة الوطنیة للكتاب ، الجزائر 1983.ص 1



فرقة الزواف  Aia10