من أسس الأكاديمية البربرية ولماذا أسست في فرنسا وليس الجزائر وما قولكم عن من يتهمها بالعمالة لفرنسا ؟
الجواب : حدث في مثل هذا اليوم 14 يونيو 1966 ذكرى تأسيس الأكاديمية الأمازيغية (البربرية) (أگراو ئمازيغن) في باريس من طرف ثلة من خيرة أبناء تامزغا برئاسة عبد القادر رحماني كرئيس لها، ونوابه وهم خليفاتي محمد أمقران، ناروم أعمر، محمد السعيد حنوز، أعمر نڨادي، و الكاتب العام الذي هو أولحبيب جعفر، وليس من طرف بسعود محمد أعراب فقط كما يشاع ، بل هو أمين المال الجمعية وليس الاكاديمة, بعد أن هجر وحورب وسجن أغلب العاملين في الحقل الأكاديمي الأمازيغي خصوصا في الجزائر تزامنا مع توسع المد العروبي البعثي الناصري وتضييقه الخناق على كل ما هو أمازيغي، لم يجد القائمون بدا سوى اللجوء لخارج بلدهم، بل حتى في فرنسا تم التضييق عليهم ولجأ بسعود نفسه للندن.
للأكاديمية بالرغم من قصر عمرها الفضل في الكثير من الأشياء منها إبرازها لحروف التيفيناغ والتي طورها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية فيما بعد والتي نستعملها في التعليم في ليبيا اليوم، وكذلك إبرازها للتقويم الأمازيغي وكذلك العلم الأمازيغي والذي سوف يتطور فيما بعد في مؤتمر تافيرا بجزر الكناري.
كسرت الأكاديمية الكثير من الطابوهات حول العمل الأمازيغي وتواصلت مع الناشطين في كل أرجاء تامزغا (كلمة نحتتها الأكاديمية).
كما سعت الأكاديمية على وضع الخطوات نحو توحيد المساعي لتوحيد ومعيرة اللغة الأمازيغية وأصدرت منشور بإسم ئمازيغن وإستضافت أكاديميين من كل الأنحاء ونظمت ندوات وحوارات مهمة.
تم حل الأكاديمية لأسباب عديدة ومنها المضايقات المتتالية من الحكومة الفرنسية وبإلحاح من الأنظمة العروبية في إفريقيا الشمالية وكان ذلك سنة 1979. فيجب أن نشير هنا أن ما يسمى بالاكاديمة هي مجرد جمعية ثقافية متواضعة اسمها بالامازيغية "أڤرَاوْ إيمَازيغنْ" أي التجمع الأمازيغي ، أمّا كلمة "الأكاديمية" فقد تم اختيارها من باب التفاؤل بمستقبل الأمازيغية ورفع معنويات دارسيها، وهذا ما صرح به أحد الاعضاءها البارزين بسعود محند أعراب في كتابه "تاريخ الأكاديمية البربرية" كما صرح كذلك على أن الجمعية لم تستفد من دعم فرنسا .
لقد حصلت الجمعية سنة 1967 على الاعتماد الرسمي تحت اسم Academie Berbére D echanges et de Recherches Culturels A.B.E.R.C أي الأكاديمية البربرية للتّبادل و البحث الثّقافي وجاء قرار الإعتماد بتاريخ 21 فيفري 1967 و فقا لقانون إنشاء الجمعيات الأجنبية الصّادر بتاريخ 12 أفريل 1939 المعدّل لقانون الجمعيات الصّادر بتاريخ 01 جويلية 1901، لكن لم يكن لها دور الاكاديمة بالمعنى الرسمي للكلمة ،أي أنها لم يكن لها خبراء في المجلات التي يتطلبها التنظيم الاكاديمي ،كانت فكرة الجمعية التي أسسها مجموعة من المثقفين الجزائريين وأغلبهم من منطقة القبايل الامازيغية من الجالية الجزائرية في فرنسا تتأسس على النهوض بالثقافة واللغة الامازيغة ونشر الوعي الامازيغ في شمال افريقيا، فقامت الاكاديمة باحياء الكتابة الأبجدية الامازيغة التيفيناغ والتعديل عليها للتناسب اللسان الأمازيغي الحالي، حتى ابداع بعض الحروف للتعبير على بعض الأصوات المنطوقة في اللسان القبائلي الامازيغي ولمواكبة التطورات الحاصلة في العالم كون التيفيناغ المنقوشة في شمال إفريقيا كانت تعبر عن الحياة اليومية للامازيغ في حقبة زمنية قديمة تختلف كثيرا عن عصرنا الحالي ، وهذا أمر طبيعي وقع مع كل لغات العالم ومنها العربية ولا توجد أي لغة أو أبجدية لم تخضع للتطور في العالم .
أما الشق الثاني من السؤال، لماذا تأسست الأكاديمة في فرنسا وليس في الجزائر؟
فإن السبب بسيط جدا وهو أن النظام الجزائري بعد الاستقلال، تحت حكم بن بلة و بومدين، كان يتماها مع القومية العربية التي كانت موضة ذلك العصر وكانت مصر الناصرية والعراق وسوريا تروج لها لتحقيق حلم الوطن العربي كبديل للوحدة الإسلامية القديمة تحت راية الخلافة العثمانية، كما أن أغلبية الجزائريين بعد الاستقلال كانوا يعتقدون أن التعددية اللغوية هي عامل تقسيم للبلد وللنسيج الاجتماعي، كما سار هناك إعتقاد في عقلية الجزائريين حينها من أن فرنسا هي من صنعت النزعة الأمازيغية لمحاربة العروبة والإسلام وهذا غير صحيح فالوثائقة التاريخية تؤكد لنا أن فرنسا لم تحارب العربية والاسلام بالصورة التي نقلوها لنا في المدارس، فقد شجعت فرنسا التعليم بالعربية وخصصت سنة 1833، أي بعد ثلاث سنوات فقط من الاحتلال، جوائز مالية معتبرة لكل من يؤلف قواميس بالدارجة الجزائرية تقابلها الفرنسية ، وأسست المكاتب العربيةbureaux arabes في الأقاليم وذلك بعد القضاء على ثورة المقراني 1871، والتي قامت بتعريب اسماء العديد من القرى و المدن في المناطق الأمازيغية ، و فرض ألقاب عربية على الأهالي في نفس المناطق سنة 1891. وفتحت مدارس معربة للجزائريين ، ومنحت الاعتماد لجمعية العلماء المسلمين التي كانت لها مدارس لتعليم العربية والشريعة في كل مناطق البلاد تقريبا . وفي نفس الوقت كانت لها دراسات في الأمازيغية ومتغيراتها كانت لغرض فهم الإنسان الجزائري لتسهيل التوسع والنفوذ الاستعماري.
النظام في الجزائر المستقلة حارب الأمازيغية مخافة الانقسام لأنه إعتماد على نموذج النظام اليعقوبي الفرنسي (Jacobinisme) في تسير الدولة الوطنية بدل النموذج الإنجليزي الذي اعتمده مؤتمر الصومام في تقسيم الأقليم على أسس لغوية بحتة حسب المؤرخ محمد حربي، والنظام اليعقوبي يعتمد على وحدة اللغة الواحدة في الدولة الوطنية مع طمس بقية اللغات المحلية .
فقد أعلن بن بلة عن توجه نظامه يوم نزل من المطار وخطب وقال نحن عرب ثلاث مرات!
و ازدادت سياسة الاقصاء والاضطهاد ضد الامازيغية في عهد بومدين الذي انقلب على صانعه بن بلة وقام بومدين بإدراج إستعمال الأمازيغية في مؤسسات الدولة ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون، فجمد عمل الاذاعة المحلية لمنطقة القبايل ومنع الاذاعة الثانية الناطقة بالقبائلية من تزويدها بالمعدات التقنية اللازمة لتوسيع موجتها لتمكين الجزائريين من التقاطها في كل التراب الوطني، كما منعت الفنانة المناضلة طاوس عمروش من المشاركة في مهرجان الأغنية الإفريقية الذي نظمته الجزائر في صائفة 1969م، وهي عضو في الاكاديمية البربرية وكذلك شقيقها جان عمروش الذي قدم الكثير للامازيغية ، وللجزائر في الحقبة الاستعمارية، كما أوقف الرئيس بومدين دروس الأمازيغية التي كان يقدمها الأستاذ مولود معمري في جامعة الجزائر، وتم تحويله إلى معهد خاص بالأنثروبولوجيا.
وأكثر من ذلك منع حتى الحفلات الغنائية الامازيغية في منطقة القبايل وقام بتغير اسم شبيبة القبايل الى "جمعية سريع الكواكب " بعد أن سمع الكثير من الشعارات المعادية له والأصوات المطالبة بالاعتراف بالامازيغة فوق مدرجات ملعب 5 جويلية بالعاصمة حيث حضر بومدين نهائي الكأس التي جمعت بين فريق شبيبة القبائل وفريق نصر حسين داي في صائفة سنة 1977...
هذا المنع والقمع هو ما جعل مثقفي ومناضلي منطقة القبايل يهربون بقضيتهم و يختارون المهجر خوفا من الإغتيال والسجن فأسسوا هناك جمعية أڨراو إمازيغن التي تسمى في الوثائق الفرنسية بالأكاديمية البربرية ، فأعراب بوسعود أحد أبرز اعضاء الأكاديمية الذي كان عضو بارز في الجبهة والجيش التحريرين و مسؤول الإتصال بالولاية الثالثة تحت أمرة كريم بلقاسم والذي عينه العقيد ( سي ناصر) كضابط في الولاية الرابعة ،ثم رقاه (العقيد بوقرة ) قبطانا وكلف بمهمة قائدا لكتيبة متكونة من 200 مجاهد لجلب السلاح من المغرب ، وبعد الاستقلال ينخرط في المعارضة مع حزب الأففاس FFS ، وبعد إجهاض التمرد المسلح أصبح ضمن قائمة المطلوبين المتابَعين فضائيا من طرف نظام وجدة الذي إنقلب على الحكومة الشرعية ... هو ما دفع بأعراب بوسعود الى الفرار الى المغرب ثم فرنسا ليأسس هناك مع إخوته الجمعية الثقافية التي أطلق عليها (الأكاديمية البربرية) والتي يعتقد بعض الجزائريين جهلا أنها معهد كبير له خبراء ودكاترة ومخابر و معدات "لإختراع لغة جديدة" بينما حقيقة الأمر أننا لا نجد أي قاموس لغوي مهم خرج من هذه الجمعية (الأكاديمية) فالعالم اللساني مولود معمري الذي كان يشتغل في الجزائر بجهده الخاص هو من تكلف بذلك.
ورغم ذلك فقد وصلتهم أيادي بومدين الى فرنسا حيث طالب بومدين من الحكومة الفرنسية بغلق الاكاديمة في فرنسا وطرد أحد أعضاءها الأكثر نشاطا وهو محند اعرب بوسعود من التراب الفرنسي مما دفعه الى اللجوء الى بريطانيا حتى وفاته هناك ، وطبعا لم تكن فرنسا لان ترفض قرار بومدين الذي سيؤدي الى تضرر العلاقات بين البلدين خاصة وأن بومدين كانت له علاقات جيدة مع فرنسا في تلك الفترة إذ كان اول رئيس جزائري يستقبل الرئيس الفرنسي في الجزائر بعد 13 عام فقط من خروج فرنسا، وكانت الزيارة ممتدة من 10 الى 12 أفريل 1975 والتي كانت لغرض تمديد بقاء قوات فرنسية في صحراء الجزائر الى غاية سنة 1978.
أما الاصوات التي تتهم انصار هذه الاكاديمة بالعمالة لفرنسا فقط لانهم أسسوها هناك فنحن نسألهم بدورنا لماذا لا يتجرؤون على أن يتهموا أعضاء الحركة الوطنية بالعمالة أو الخيانة حينما أسسوا نجم شمال افريقيا في فرنسا سنة 1926 وكان حوالي 85% من مؤسسه من منطقة القبائل وهو الحزب الذي فجر العمل المسلح فيما بعد، كما لم نسمع كذلك كلام مشابه عن جمعية العلماء المسلمين التي اسست في الجزائر الفرنسية باعتماد فرنسي رغم خطاباتها المهادنة لفرنسا؟ ولما لم يتهم كذلك المصلحين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده اللذان اضطرا إلى الفرار إلى العاصمة الفرنسية باريس، وأصدرا هناك جريدة "العروة الوثقى" ؟
و لما لا احد يقول نفس الكلام عن العروبة التي تأسست على يد فرنسا؟
أليست فرنسا من قامت بتأسيس الجامعة الياسوعية في لبنان عام 1875 عن طريق ياسوعيين والتي كانت نواة تعريب الأولى المارونية (طائفة مسيحية) وكذلك تأسيس "الجمعية العربية الفتاة" على يد مسيحيي لبنان وسوريا بفرنسا سنة 1911م، و هي جمعية سياسية قومية عربية سرية أنشأها مجموعة من الطلاب العرب والتي أثرت على الفكر القومي العربي ومهدت للمؤتمر العربي الذي عقد في باريس كذلك عام 1913 وأسهمت في التمهيد للثورة العربيه التي انطلقت في الحجاز عام 1916ضد الخلافة العثماتية الاسلامية ؟
لا احد من الذين يتهجمون على الاكاديمية البربرية يتحدث كذلك على أن مؤسسي العروبة درسوا في فرنسا ومنهم ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وزكي الأرسوزي الذين درسوا في المدارس الفرنسية تحت الإنتداب الفرنسي لسوريا واكملوا دراستهم في جامعة السوربون.
و أن فرنسا هي من دعمت العروبة في شمال إفريقياً سواء على المستوى اللغوي أو الإقتصادي أو السياسي، فمثلاً سمت مكاتب البلدية في الدزاير بالمكاتب العربية التي قامت بتعريب أسماء الأماكن واضافت اللغة العربية (بطلب من جمعية العلماء المسلمين) كلغة إختيارية واسس مؤرخوها وباحثوها عداوة مع الأمازيغ والأمازيغية أمثال جاك بيرك الذي قال بأن "الفرنسة تتم عن طريق التعريب" و جاك بيرك الذي عمل فيما بعد مشرفاً على معهد اللغة العربية في لبنان! يلقب بصديق العرب.
ألم يعترف المجاهد عبد الحميد مهري بأن التعريب في الجزائر بعد الاستقلال فرض علينا من طرف الرئيس الفرنسي ديغول ؟
ألم تكن فكرة الوطن القومي للعرب فكرة فرنسية من تأسيسا نابليون الثالث الذي أعلن نفسه ملكاً على العرب وكان حلمه تأسيس مملكة عربية من الجزائر إلى مصر بإدارة عبد القادر الجزائري ولكن خسارة نابليون أمام الجيش الروسي حد من أحلامه كما جاء في كتاب "المملكة المستحيلة - فرنسا وتكوين العالم العربي الحديث" لـِ الكاتب هنري لورنس الذي تحدث فيه كيف كان نابليون الأول من أوائل من كانوا يدعون لـِ "نزعة عربية وطنية" عند حملته على مصر ثم التدخل في الأزمة اللبنانية عام 1860 والدعوة لمملكة عربية في الشام!.
أليست فرنسا هي نفسها من قامت سنة 1980 بتأسيس معهد العالم العربي القائم على القانون الفرنسي واتفاقية بين فرنسا و18 دولة ، لمذا لا يقول أحد أن العروبة صناعة فرنسية وأن مؤسسي البعث العروبي عملاء لفرنسا وبريطانيا والغرب الذي جند العرب للمحاربة والقضاء على الخلافة العثمانية الاسلامية عن طريق فيروس القومية العربية البعثية في ايطار ما يسمى بالحرب العربية الكبرى ضد العثمانيين ؟