علمياً: ماذا سيحدث للأرض حين تتوقف عن الدوران ؟
حركة دوران الأرض حول مِحورها و حول الشمس في آنٍ واحد؛ ثابتة عِلمية لا جدال فيها. فمُنذ قديم الأزل حتى الآن، أثبت العلماء ذلك دون النظر لأيّ تصورات تتعلق بأرآء دينية أو معتقدات أسطورية.
في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية.. حقائق مُذهلة عن القارة القطبية المتجمدة!
لكن بالنظر لاحتمالية توقف الأرض عن الدوران حول محورها، أو مُجرد فرضية حدوثه. من وجهة نظر علمية أوَّلية، لن تتوقف الأرض عن الدوران بشكل مفاجئ، و إنما ستأخذ وقتاً طويلاً جداً مليء بظروف جغرافية، و مناخية قاسية لن تُلائم وجود واستمرارية الحياة.
نظرة سريعة على كوكب الأرض
الأرض ليست كروية كاملة التكوُّر، وإنما تأخذ الشكل الإهليجي “البيضوي”، الذي يُظهر انبعاجها أو انتفاخها قليلاً عند خط الاستواء، و تبدأ بالتقلّص في الاتجاه نحو القطبين.
نواة الأرض تحديداً، المنطقة التي تصل درجة الحرارة فيها لـ 7000 درجة مئوية، و ضغط هائل يصل لـ 360 جيجا باسكال، في حالة نشاط دائم، و حركة هائلة نتيجة غليان المكوِّنات الداخلية للأرض. تنبع من تلك النواة المنصهرة؛ قوّتان رئيسيتان مُتَضَادّتان تَعْمَلان على وضع الكوكب في حالة اتّزان أثناء الدوران.
قوة الجاذبية؛ اتجاه حركتها داخلية تعمل على جذب المحيطات، و مُكوّنات، و ما فوق سطح الأرض نحو المركز. و القوة الأخرى المعاكسة “قوة الطرد المركزية”، اتجاه حركتها خارجية؛ تعمل على دفع الكوكب للدوران.
السؤال هنا؛ ماذا لو تباطأت سرعة دوران الأرض؛ و توقفت أخيراً عن الدوران على مدى عدّة سنوات؟
حين تتباطأ سرعة دوران الأرض تدريجياً حول محورها، ستظل تُواصل دورانها المعهود حول الشمس. هذا الأخير؛ سيُبْقيها مُحافظة على درجة ميل محورها فقط ” 23 ” درجة. لهذا؛ فإن طول السنة سيبقى كما هو ” 365 ” يوماً. و تدريجياً، يُصبح طول اليوم نفسه بطول السنة تقريباً؛ حين تتوقف الأرض نهائياً عن الدوران.
وفقاً لحسابات مُسْتَقبلية، و أنظمة نَمْذَجة و حَوْسَبة إلكترونية، وَضع العلماء خرائط و سيناريو لما قد سيحدث حين تبدأ الأرض بالتوقف تدريجياً عن الدوران؛ و أُخذت مُعطيات ما بعد الكارثة قيد الحُسبان.
نظام النمذجة هذا؛ استخدم فيه برنامج تحليل البيانات ” ArcGIS ” الذي أجرى عليه المختصون في الجيوفيزياء و نظم المعلومات الجغرافية GIS، تحليلاً لخطوط المسح، و الحسابات الحجمية لكوكب الأرض. و نتيجة لذلك؛ تم توليد سيناريو مُستقبلي وخرائط تصوِّر نتائج هذه النمذجة.
#معنى كلمة نَمْذَجَة، هو إدخال مُعطيات و ثوابت و معادلات رياضية رقمياً؛ إلى برامج مختصة على جهاز الحاسوب؛ لتحويلها لنماذج ثلاثية الأبعاد أو خرائط جديدة وفقاً لتلك المُعطيات. كان السيناريو الذي خرج به العُلماء كالآتي..
في البداية
تقل سرعة دوران الأرض عن مُعدلها الطبيعي من ” 1674.66 ” كم/ ساعة، إلى ” 1667 ” كم/ ساعة. عند منطقة خط الاستواء، المنطقة المُنْبَعِجة من الأرض بسبب شكلها البيضوي، ستبدأ الجاذبية بالانخفاض في ذلك الجزء المُنبعج نتيجة قلة سرعة دوران الأرض.
ستبدأ المحيطات البالغ حجمها أكثر من 100 مليار كم مكعّب؛ بالهجرة نحو القطبين، مُسببة منطقة استوائية صحراوية قاحلة بعد رحيلها.
وبالتالي؛ سيرتفع منسوب المياه في القطبين بشكل كبير جداً، و المناطق الشمالية تحديداً ستكون هي الأكثر تضرراً.
سيصل ارتفاع الفجوة الكبيرة في جبال الأنديز الكولومبية إلى “12288” متراً، وارتفاع البركان الاستوائي “تشيمبورازو” في الإكوادور إلى 13615 متراً، و بركان “كليمنجارو” في تنزانيا إلى 12786 متراً.
سيتغير الغلاف الجوّي أيضاً الذي يَصْحَب حركة دوران الأرض. فحين تتباطأ سرعة الدوران، ستقل سرعة دورانه هو أيضاً. و سيُصبح مُتجمعاً و مُكدّساً عند القطبين، حاله كحال المحيطات. و نتيجة لذلك، فإن المناطق البعيدة عن مناطق القطبين؛ يقل كثافة الهواء فيها، و سيصبح التنفس فيها أمراً صعباً.
بعد أربعة أشهر
تقل سرعة الدوران أكثر عن المُعدل السابق بـ 225 كم/ ساعة، أي تصل سرعة دوران الأرض إلى 1442 كم/ ساعة. سيتغير الوقت، و يصبح اليوم بطول 28 ساعة؛ ساعتين إضافيتين للنهار، و مثلهما لليل.
الأرض مُكونة من 3 طبقات رئيسية ” المركز المنصهر، الوشاح ، و القشرة الأرضية “، تدور جميعها بنفس السرعة مع سرعة دوران الأرض. حين تتباطأ تلك السرعة؛ كل طبقة ستعمل بدوران مُختلف عن الأخرى، حسب قُربها من النواة المُنْصهرة.
بالتالي؛ ستحدث زلازل في مناطق لم تكن عرضة للزلازل من ذي قبل، نتيجة أن الأرض تُقطّع نفسها داخلياً.
تستمر المُحيطات بالهجرة نحو القطبين، و يرتفع منسوب المياه هناك بشكل هائل. و سَتُخلّف المياه الراحلة؛ أماكن عدة في هيئة قارات جديدة تصل الدول بعضها ببعض. وبالتالي؛ موت الكثير من الأسماك و الكائنات البحرية.
تُغلّف الأرض بحقل مغناطيسي خفيّ نابعٌ من سرعة دوران النواة المركزية. يعمل هذا الغلاف على حماية الأرض من تأثير الإشعاعات الشمسية من خلال تشتيتها بعيداً عن الأرض. دوران الأرض؛ هو ما يبقيه في مكانه.
حين تتباطأ سرعة الدوران؛ ينهار ذلك الغلاف و يصبح سُكّان الأرض في اتصال مباشر مع الإشعاعات الشمسية.
بعد سنة كاملة
وصلت سرعة دوران الأرض إلى 1102 كم/ ساعة. لا زالت المحيطات في هجرة مستمرة نحو القطبين. و نتيجة لذلك؛ غطّت المياه أجزاء من القارة الأوروبية، واختفت معظم الدول الشمالية، ونتيجة حتمية لتلك التغيرات الجغرافية والمناخية؛ هو هلاك سُكّان تلك المناطق.
النظريات الأغرب على الإطلاق التي قيلت عن الأرض !
بعد سنتين ونصف
سرعة دوران الأرض وصلت لـ 320 كم/ ساعة، وطول اليوم أصبح 124 ساعة “يومين ونصف”. بعض الدول في الشمال؛ غمرتها المياه تماماً، وأخرى هواؤها قليل الكثافة لدرجة لا يُمكن تنفسه عند منتصف الكرة الأرضية.
مشكلة أخرى للأشخاص المتواجدين في ذلك الوقت. فبعد أن أصبح اليوم بطول يومين و نصف، أصبح من الصعب جداً الحصول على قدرٍ كافي من النوم بنفس المعايير الطبيعية للدماغ البشري. و نتيجة لذلك؛ أصبحت الرؤية مُشتتة، وغير واضحة، و أصبح الأشخاص لا يتحكمون في عضلاتهم المُنهكة.
تستمر المحيطات في الهجرة نحو القطبين مشكلة قارة كبيرة في منتصف الكوكب.
بعد أربعة أعوام
سرعة دوران الأرض لا تتجاوز الـ 60 كم/ ساعة، و أصبح طول اليوم 624 ساعة. بمعنى أن الشمس تظل مشرقة لمدة 13 يوماً، ويسود الظلام في الليل 13 يوماً أيضاً. لم يعد هناك وجود لمفهوم الفصول الأربعة، و المناخ السائد؛ هو فترات مُتعاقبة من النهار ذو الحرارة المرتفعة، و الليل ذو البرد القارس بدرجة حرارة تصل لـ 55 درجة مئوية تحت الصفر.
مدن أمريكا الشمالية غُمرت تماماً بمياه المحيطين “الأطلسي و الهادئ”. بالتالي، ملايين البشر في موتٍ مستمر تبعاً لتلك الظروف.
جميع الدول على خط الاستواء و بالقرب منه، أصبح هواؤها قليل الكثافة وفي نُقصان مستمر، حيث ستصل كثافة الهواء هناك، لكثافة هواء على ارتفاع 10 آلاف متر.
تأثير “كوريونيس” الذي يُفسّر نمط تحرك الرياح، حيث يوضّح أن الرياح تتحرك نحو الشرق في القسم الشمالي من الكرة الأرضية، و غرباً في القسم الجنوبي. مع تباطؤ دوران الأرض يصبح نمط الرياح هذا صعب التنبؤ به، و تبدأ أنظمة ضغط جديدة بالتشكُّل، وعواصف المحيطات أصبحت هائجة بشكل عنيف.
بعد أربعة سنوات ونصف
سرعة دوران الأرض بطيئة للغاية تكاد لا تُحركها؛ أصبح اليوم بطول 768 ساعة. تبقى الشمس مُشرقة لمدة 16 يوماً متواصلة، ويسود الليل والظلام لمدة 16 يوم أيضاً، مصحوب بدرجة حرارة 55 درجة مئوية تحت الصفر والتي لا يتحملها الجسد البشري سوى لبضع دقائق فقط!
لا تزال المحيطات آخذة في الهجرة نحو القطبين مُخلفة قارات كبيرة على طول خط الاستواء، و تكوين محيطات جديدة في الأماكن التي هاجرت إليها.
لم يعد للناجون من البشر حينها؛ سوى موارد المحيطات الجديدة من أسماك كمصدر للغذاء. وبانعدام الحقل المغناطيسي للأرض، اختفت كافة الأنظمة التكنولوجية و الكهرباء، و أصبحت الرياح المتواجدة في الأماكن قرب المحيطات هي المصدر الوحيد للكهرباء.
بعد خمس سنوات
صورة للعالم الذي غمرته المياه في القارة القطبية وبداية تشكل القارات عند خط الاستواء
توقف الكوكب تماماً عن الحركة حول محوره؛ أي سرعة دورانه صفر، لكنه لا يزال يدور حول الشمس. فأصبح اليوم الواحد بطول السنة؛ 6 أشهر نهاراً، و مثلهم ليلاً بظروف مناخية و معالم جغرافية جديدة كلياً.
قارة كاملة تحيط بمركز الكوكب، يَحُدّها مُحيطان شاسعان من الشمال و الجنوب. تلك القارة المتصلة؛ خالية تماماً من الهواء الصالح للتنفس. انعدم الغلاف الجوي، واختفى الحقل المغناطيسي تماماً، فأصبحت الشمس تُلقي بحرارة هائلة تصل لـ 55 درجة مئوية نهاراً على كافة الكوكب.
الصورة النهائية للعالم، و قد تشكّلت قارة مُتصلة كاملة حول مركز الأرض عند خط الاستواء
مع غروب الشمس ليلاً؛ يدوم غروبها لمدة 6 أشهر مُتصلة، و تُصبح درجة الحرارة 55 درجة مئوية تحت الصفر؛ مُجمدّة بذلك المحطيات. أما ما سيحدث للأشخاص في تلك المرحلة الأخيرة، سيموت أكثر من 6 مليار و نصف شخص تحت تلك الظروف الغير اعتيادية.
هذا الوثائقي؛ ساعدني كثيراً في كتابة هذا المقال، لكنه يُظهر مشاهد مُحاكاة حقيقية لما سَيحدث للكوكب حين يبدأ بالتوقف عن الدوران
جميع ما سبق؛ كان تصوراً لما سيحدث للأرض حين تبدأ بالتوقف تدريجياً عن الدوران، لكن ماذا لو توقفت فجأة عن الدوران؟ بمعنى آخر؛ تقل سرعة الأرض من 1674 كم/ ساعة إلى الصفر في لحظة ؟
يقول العالم البريطاني “ميشيل ستيفنس” أن الكوكب إذا توقف فجأة عن الدوران، سيستمر الغلاف الجوي بالدوران بنفس سرعته التي تُعادل سرعة دوران الأرض 1674 كم/ ساعة.
و نتيجة ذلك؛ سيتحول تأثير الرياح إلى ما يشبه تأثير إنفجار قنبلة ذرية، و ستشكل الرياح حرائق هائلة و عواصف غير مسبوقة. بالإضافة إلى أن الأجسام الغير ثابتة؛ ستندفع في الهواء بسرعة هائلة، و سيموت البشر موتاً جماعياً في غضون دقائق، حيث سيندفع الجسم البشري في الهواء بسرعة انطلاق رصاصة، أو بسرعة أسرع من سرعة الصوت.
#لك أن تتخيل ذلك التصوّر بمبدأ عمل القصور الذاتي البسيط و تأثيره عليك؛ حين يتوقف الجسم المتحرك الذي يحتويك فجأة، لكن بسرعة تقل بشكل مُفاجئ من 1674 كم/ ساعة إلى صفر.!
أخيراً .. الأغلبية يستهينون بحركة دوران الأرض، كما لو كانت أُحجية و لغزٍ ما، يحاولون الفوز في إثباتها أو دحضها طوال الوقت بدون أي دليل علمي بحت. لكن لو وضعت جميع مُعطيات كيفية عمل الكوكب قيد الحُسبان؛ ستدرك تماماً أن هذا أقل ما قد يحدث حين تصبح الأرض ثابتة سواء تدريجياً أو فُجَائياً.
و يبقى السؤال الأخير الذي لم تُعرف إجابته حتى الآن؛ هو ما الذي سيتسبب أصلاً في توقف حركة دوران الأرض؟
هناك بعض العلماء رجّحوا أن سرعة دوران الأرض ستتباطأ بسبب عوامل تغيُّر في جغرافية ومناخ قاسي سيحيطان بالكوكب، بالإضافة لتخبّط تأثير القمر على حركة المد و الجزر في البحار و المحيطات على الأرض. لكن يظل ذلك سبباً احتمالياً فحسب.
https://www.arageek.com/2015/06/28/what-would-happen-if-earth-stopped-rotating.html?fbclid=IwAR2KNCRSi5GvqvdRyX7DVS7xn-EwL40_8qNUoBgZkkXMkR8NbRG_q2s68rE