خسوف القمر.. ظاهرة نادرة أم متكررة؟
تشهد المنطقة العربية قبيل منتصف ليل يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر يوليو/تموز الجاري خسوفاً جزئياً للقمر يراه كل من ظهر القمر في سمائه ليلاً، ويستمر مدة ثلاث ساعات ابتداء من الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت مكة المكرمة وحتى الساعة الثانية صباحاً.
فبوصول القمر منتصف دورته حول الأرض وباكتماله بدراً متسقاً، يصبح في مرمى دخوله مخروط ظِل الأرض الذي تلقيه الشمس لها في الفضاء، فإن فعل ودخل هذا المخروط فإنه ينخسف على أحد ثلاثة أشكال هي: الخسوف شبه الظل، والخسوف الجزئي، والخسوف الكلي.
ويحكم تلك الأنواع الثلاثة موقع القمر في مدراه وقربه مما يعرف بعقدتي الصعود والهبوط، وهما المنطقتان اللتان ينتقل فيهما القمر في مداره حول الأرض أسفل مدار البروج أو أعلاه، فهو يرتفع فوقها وينخفض بمقدار خمس درجات فقط.
ولأن شرط كسوف الشمس هو أن يكون القمر في طور المحاق بيننا وبين الشمس، فإن شرط الخسوف أن يكون بدراً وراء الأرض. كما أن لحظة الخسوف تحدد لحظة منتصف الشهر القمري الحقيقية، بعيداً عن حسابات أهلّة الشهور القمرية وبداياتها التي تشترط رؤية الهلال بالعين.
مدة الخسوف
تعتمد طول مدة الخسوف على عدة عوامل أهمها:
أولاً: بُعد القمر عن الأرض؛ فلأن القمر يدور حول الأرض في مدار إهليلجي، فإنه يقترب منها ويبتعد. وتبلغ أقرب مسافة للقمر من الأرض 356 ألف كيلومتر، وفيها يكون القمر كبيراً، وإذا صادف موقعه ذلك بدراً سُمي بالقمر العملاق أو بدر البدور، إذ حينها فقط يزداد سطوعه بنحو 30%، ويكبر قطره بمقدار سُبْع القطر الأصلي، لكنه من الناحية الخسوفية يحصل على أقصر وقت للخسوف، إذ يَعبر ظِل الأرض في الفضاء بسرعة كبيرة.
في المقابل، إذا وقع القمر في الأوج فإنه يكون على بعد 406 آلاف كيلومتر من الأرض، وحينها يكون أصغر بدر مرئي، وإن خُسف فستكون مدة خسوفه أطول ما تكون، مع وجود اعتبار لقُطر مخروط ظِل الأرض في أوج القمر وحضيضه.
ثانياً: مسار القمر داخل ظل الأرض؛ ولأن القمر يدور مائلاً عن الأرض بخمس درجات فإنه لا يَعبر عادة داخل ظل الأرض، وهذا ما يفسر عدم حدوث كسوفات وخسوفات كل شهر، فلو انطبق المداران على بعضهما لرأينا خسوفاً منتصف كل شهر قمري، وكسوفاً في نهايته. ويحدث الخسوف إن تقارب المداران أيضاً، وحينها يكون القمر فوق مدار الأرض أو أسفله بقليل، مما يجعل القمر يعبر منطقة ظل الأرض، فينخسف إما خسوفاً جزئياً أو خسوفاً كلياً. لكن كلا الخسوفين لن يطولا كما لو كان يمر في وسط ظل الأرض.
ثالثاً: موقع الراصد من حزام الخسوف؛ ولأن القمر يتحرك حول الأرض في مدار فإن الخسوف لا يتكرر كل مرة فوق نفس المنطقة، فلو حدث خسوف وكسوف معاً في الشهر نفسه فإنه من الطبيعي أن المناطق التي ترى الخسوف لا ترى الكسوف الذي يليه أو يسبقه.
وبحسب موقع الراصد من خريطة الخسوف يكون حظه منه، فبعض البلدان تقع ضمن منطقة الخسوف الكلي وظل الأرض الكامل، في حين تقع بعضها على الأطراف ولا ترى سوى خسوفاً جزئياً في البداية أو النهاية، وهذا يحدث وقت شروق الشمس في هذه البلدان أو وقت غروبها. أما إن كان الخسوف جزئياً فإن بعض البلدان تراه مدة أطول من بلدان أخرى بحسب وقوع الظل عليها.
وعلى أية حال، فإن أي خسوف يحدث في السماء يجب أن يسبقه أو يتبعه كسوف للشمس أو يسبقه ويتبعه معاً. وهذا ما يفسر حدوث كسوف الشمس قبل أسبوعين من الخسوف الحالي للقمر.
وقد بلغت مدة أطول خسوف كلي في هذا القرن ذروتها في خسوف يوليو/تموز من العام المنصرم 2018 حيث استمر في مرحلة الخسوف الكلي مدة ساعة و43 دقيقة مقارنة بأقصر خسوف في القرن والذي حدث في شهر أبريل/نيسان من العام 2014 لمدة ساعة و4 دقائق فقط.
كم عدد خسوفات السنة؟
ربما يستغرب البعض إن علموا أن خسوف القمر حدثٌ نادر التكرار سنوياً، فهو إن حدث فإنه لا تزيد مرات حدوثه عن ثلاث مرات في السنة الواحدة، وقد حدث ذلك التكرار آخر مرة في عام 1982، بل إنه في بعض السنوات لا يحدث حتى ولا مرة واحدة.
ونقصد بالخسوفات هنا تلك الخسوفات التي يختفي فيها جزء من القمر على الأقل، وهي الخسوفات الجزئية أو الكلية، إذ إن هناك نوعاً ثالثاً من الخسوفات يُدعى خسوف شبه الظل يقع فيه القمر في منطقة شبه ظل الأرض فلا يتأثر ضوؤه إثر ذلك إلا لمن يعلم مسبقاً بهذا الموعد ويكون شديد الانتباه والمقارنة،.وعند الفلكيين لا يحتسب هذا النوع من الخسوفات مع عدد الخسوفات السنوية.
نسبة الخسوف وقدره
ومن مصطلحات الخسوف مصطلح القَدْر، ويُقصد به مقدار ما سيخسف من القمر في ظل الأرض وقت الذروة، فإن كان جزءاً من القمر أعطي كسراً عشرياً كقولنا 0.22 أو 0.85، فإن أصبح كلياً بحيث وقع مطابقاً لظل الأرض أعطي القدر 1.0، وإن كان ظل الأرض أكبر من قطر القمر في الفضاء حيث إن القمر سيمكث فترة في هذه المنطقة المعتمة فإن قدر الخسوف يرتفع إلى أكبر من العدد واحد وربما يصل إلى اثنين أو ثلاثة. وأما خسوف يوم 16 يوليو/تموز الجاري فسيبلغ قدره 0.65 فقط، أي أنه خسوف جزئي.
ويَعبر القمر أثناء خسوفه منطقة الظل على أربع مراحل تدعى مناطق اتصال الخسوف، أولها نقطة الاتصال الأولى حين يبدأ بالدخول في ظل الأرض، والثانية حين يكتمل دخول القمر في الظل وتبدأ معه مرحلة الخسوف الكلي، والثالثة حين يبدأ القمر بالخروج من الظل معلناً انتهاء الخسوف الكلي، والرابعة حين يكتمل خروجه من منطقة الظل وبها ينتهي الخسوف الجزئي. وهي المراحل ذاتها التي يعمل بها الخسوف الجزئي، غير أنه لا يوجد فيه ظل كامل على سطح القمر.
القمر الدموي والغلاف الجوي
يشتهر مصطلح القمر الدموي في كثير من الخسوفات الكلية للقمر، وسبب تلك التسمية هي اللون الذي يصير إليه القمر البدر حين ينغمس كلياً في ظل الأرض في الفضاء وتنحجب عنه أشعة الشمس البيضاء، وسبب ذلك اللون وغيره من الألوان كالأحمر والبني والأصفر النحاسي هو نقاء الغلاف الجوي للأرض، فالغلاف الجوي هو الذي يجعلنا نرى القمر أثناء الخسوف الكلي حين يسمح لبعض الضوء القادم من الشمس أن يتخلله منكسراً إلى القمر، ولولاه لاختفى القمر وقت كل خسوف كلي.
أما اللون الدموي للخسوف فسببه كمية التلوث الموجودة في الغلاف، ويكون على أشده حين يسبق الخسوفَ ثورانٌ لبركان على سطح الأرض، فعلى الرغم من أن كمية الرماد تبدو قليلة مقارنة بحجم الأرض، فإن أثرها في الحقيقة يكون عظيماً على لون الخسوفات التي تتبعه ولعدة سنوات أيضاً. وإذا كانت كميات الرماد كبيرة بسبب ثوران عدة براكين فمن الممكن أن يؤدي بالقمر إلى أن يكتسي لوناً بنياً داكناً يجعله بالكاد مرئياً، بل ربما يختفي بسبب ذلك تماماً.
مقياس دانجون
من أجل تقدير شدة تلوث الغلاف الجوي أطلق فلكي اسمه أندريه دانجون في عام 1921 مقياساً من خمس درجات يقيس به سطوع القمر أثناء الخسوف الكلي، أخفّها على الإطلاق المقياس صفر وفيه يميل لون القمر إلى البني الداكن، وألمعها هو المقياس أربعة وفيه يكون لون القمر أصفر نحاسياً.
ومن أجل تقدير هذه القياسات يستخدم الفلكيون وهواة الفلك المنظار (الدربيل) مقلوباً، حيث يظهر القمر البدر فيه بحجم نجم. وبمقارنة لمعان القمر هنا بلمعان النجوم في السماء ومعرفة قوة المنظار المستخدم، يتم تقدير سطوع القمر بحسب مقياس دانجون، ويعد هذا أحد أهم أنشطة هواة الفلك حول العالم أثناء الخسوفات الكلية للقمر.
الخسوف الأفقي
علمنا بأن الخسوف لا يحدث إلا إذا كان القمر بدراً، وهذا يعني أن الزاوية الفاصلة بين القمر والشمس يجب أن تكون 180 درجة، وهذا أيضا يعني أن ظهور أحدهما فوق الأفق يعني غروب الآخر تحته، غير أن نوعاً غريباً من الخسوفات يظهر فيه كلا القمر البدر مخسوفاً ومعه الشمس بُعيد الشروق أو قبل الغروب مباشرة، وهي حادثة نادرة التكرار، وسببها انكسار صورة القمر والشمس في الغلاف الجوي للأرض أثناء وجودهما تحت الأفق مما يُظهر صورتهما فوق الأفق، فيزيد ذلك من مدة رؤية الخسوف بضع دقائق أخرى.
ختاماً، فإن ظاهرة الخسوف واحدة من كثير من الظواهر التي اعتنى بها الإعلام في العقدين الأخيرين بسبب انتشار وسائط الاتصال الاجتماعي وتداول المعلومة بالسرعة الكبيرة، وهي ظاهرة لم تتغير نسبة تكرارها على مر العصور، غير أن حدوثها متأخرة ليلاً لم تكن محط اهتمام كثير ممن ينام مبكراً لذا فإنها كانت تفوتهم.
وعلى الرغم من ذلك يظل الناس في عزلة عن السماء بسبب المدينة وتلوثها الضوئي الذي يحجب عنا معظم أجرام السماء، وهي مهمة الفلكيين وهواة الفلك في العمل على إعادة ربط الناس بالسماء من فوقهم دون تهويل أو تخويف لطالما فعله القدماء وظنّوه بأجرامها.
تشهد المنطقة العربية قبيل منتصف ليل يوم الثلاثاء السادس عشر من شهر يوليو/تموز الجاري خسوفاً جزئياً للقمر يراه كل من ظهر القمر في سمائه ليلاً، ويستمر مدة ثلاث ساعات ابتداء من الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت مكة المكرمة وحتى الساعة الثانية صباحاً.
فبوصول القمر منتصف دورته حول الأرض وباكتماله بدراً متسقاً، يصبح في مرمى دخوله مخروط ظِل الأرض الذي تلقيه الشمس لها في الفضاء، فإن فعل ودخل هذا المخروط فإنه ينخسف على أحد ثلاثة أشكال هي: الخسوف شبه الظل، والخسوف الجزئي، والخسوف الكلي.
ويحكم تلك الأنواع الثلاثة موقع القمر في مدراه وقربه مما يعرف بعقدتي الصعود والهبوط، وهما المنطقتان اللتان ينتقل فيهما القمر في مداره حول الأرض أسفل مدار البروج أو أعلاه، فهو يرتفع فوقها وينخفض بمقدار خمس درجات فقط.
ولأن شرط كسوف الشمس هو أن يكون القمر في طور المحاق بيننا وبين الشمس، فإن شرط الخسوف أن يكون بدراً وراء الأرض. كما أن لحظة الخسوف تحدد لحظة منتصف الشهر القمري الحقيقية، بعيداً عن حسابات أهلّة الشهور القمرية وبداياتها التي تشترط رؤية الهلال بالعين.
قطر ظل الأرض في الفضاء يعادل قرابة ثلاثة أضعاف قطر القمر البدر
مدة الخسوف
تعتمد طول مدة الخسوف على عدة عوامل أهمها:
أولاً: بُعد القمر عن الأرض؛ فلأن القمر يدور حول الأرض في مدار إهليلجي، فإنه يقترب منها ويبتعد. وتبلغ أقرب مسافة للقمر من الأرض 356 ألف كيلومتر، وفيها يكون القمر كبيراً، وإذا صادف موقعه ذلك بدراً سُمي بالقمر العملاق أو بدر البدور، إذ حينها فقط يزداد سطوعه بنحو 30%، ويكبر قطره بمقدار سُبْع القطر الأصلي، لكنه من الناحية الخسوفية يحصل على أقصر وقت للخسوف، إذ يَعبر ظِل الأرض في الفضاء بسرعة كبيرة.
في المقابل، إذا وقع القمر في الأوج فإنه يكون على بعد 406 آلاف كيلومتر من الأرض، وحينها يكون أصغر بدر مرئي، وإن خُسف فستكون مدة خسوفه أطول ما تكون، مع وجود اعتبار لقُطر مخروط ظِل الأرض في أوج القمر وحضيضه.
ثانياً: مسار القمر داخل ظل الأرض؛ ولأن القمر يدور مائلاً عن الأرض بخمس درجات فإنه لا يَعبر عادة داخل ظل الأرض، وهذا ما يفسر عدم حدوث كسوفات وخسوفات كل شهر، فلو انطبق المداران على بعضهما لرأينا خسوفاً منتصف كل شهر قمري، وكسوفاً في نهايته. ويحدث الخسوف إن تقارب المداران أيضاً، وحينها يكون القمر فوق مدار الأرض أو أسفله بقليل، مما يجعل القمر يعبر منطقة ظل الأرض، فينخسف إما خسوفاً جزئياً أو خسوفاً كلياً. لكن كلا الخسوفين لن يطولا كما لو كان يمر في وسط ظل الأرض.
ثالثاً: موقع الراصد من حزام الخسوف؛ ولأن القمر يتحرك حول الأرض في مدار فإن الخسوف لا يتكرر كل مرة فوق نفس المنطقة، فلو حدث خسوف وكسوف معاً في الشهر نفسه فإنه من الطبيعي أن المناطق التي ترى الخسوف لا ترى الكسوف الذي يليه أو يسبقه.
وبحسب موقع الراصد من خريطة الخسوف يكون حظه منه، فبعض البلدان تقع ضمن منطقة الخسوف الكلي وظل الأرض الكامل، في حين تقع بعضها على الأطراف ولا ترى سوى خسوفاً جزئياً في البداية أو النهاية، وهذا يحدث وقت شروق الشمس في هذه البلدان أو وقت غروبها. أما إن كان الخسوف جزئياً فإن بعض البلدان تراه مدة أطول من بلدان أخرى بحسب وقوع الظل عليها.
وعلى أية حال، فإن أي خسوف يحدث في السماء يجب أن يسبقه أو يتبعه كسوف للشمس أو يسبقه ويتبعه معاً. وهذا ما يفسر حدوث كسوف الشمس قبل أسبوعين من الخسوف الحالي للقمر.
وقد بلغت مدة أطول خسوف كلي في هذا القرن ذروتها في خسوف يوليو/تموز من العام المنصرم 2018 حيث استمر في مرحلة الخسوف الكلي مدة ساعة و43 دقيقة مقارنة بأقصر خسوف في القرن والذي حدث في شهر أبريل/نيسان من العام 2014 لمدة ساعة و4 دقائق فقط.
لأن القمر يدور مائلاً عن الأرض بخمس درجات فإنه لا يَعبر عادة داخل ظل الأرض
كم عدد خسوفات السنة؟
ربما يستغرب البعض إن علموا أن خسوف القمر حدثٌ نادر التكرار سنوياً، فهو إن حدث فإنه لا تزيد مرات حدوثه عن ثلاث مرات في السنة الواحدة، وقد حدث ذلك التكرار آخر مرة في عام 1982، بل إنه في بعض السنوات لا يحدث حتى ولا مرة واحدة.
ونقصد بالخسوفات هنا تلك الخسوفات التي يختفي فيها جزء من القمر على الأقل، وهي الخسوفات الجزئية أو الكلية، إذ إن هناك نوعاً ثالثاً من الخسوفات يُدعى خسوف شبه الظل يقع فيه القمر في منطقة شبه ظل الأرض فلا يتأثر ضوؤه إثر ذلك إلا لمن يعلم مسبقاً بهذا الموعد ويكون شديد الانتباه والمقارنة،.وعند الفلكيين لا يحتسب هذا النوع من الخسوفات مع عدد الخسوفات السنوية.
حين يدخل القمر البدر في ظل الأرض تنحجب عنه أشعة الشمس المباشرة
نسبة الخسوف وقدره
ومن مصطلحات الخسوف مصطلح القَدْر، ويُقصد به مقدار ما سيخسف من القمر في ظل الأرض وقت الذروة، فإن كان جزءاً من القمر أعطي كسراً عشرياً كقولنا 0.22 أو 0.85، فإن أصبح كلياً بحيث وقع مطابقاً لظل الأرض أعطي القدر 1.0، وإن كان ظل الأرض أكبر من قطر القمر في الفضاء حيث إن القمر سيمكث فترة في هذه المنطقة المعتمة فإن قدر الخسوف يرتفع إلى أكبر من العدد واحد وربما يصل إلى اثنين أو ثلاثة. وأما خسوف يوم 16 يوليو/تموز الجاري فسيبلغ قدره 0.65 فقط، أي أنه خسوف جزئي.
ويَعبر القمر أثناء خسوفه منطقة الظل على أربع مراحل تدعى مناطق اتصال الخسوف، أولها نقطة الاتصال الأولى حين يبدأ بالدخول في ظل الأرض، والثانية حين يكتمل دخول القمر في الظل وتبدأ معه مرحلة الخسوف الكلي، والثالثة حين يبدأ القمر بالخروج من الظل معلناً انتهاء الخسوف الكلي، والرابعة حين يكتمل خروجه من منطقة الظل وبها ينتهي الخسوف الجزئي. وهي المراحل ذاتها التي يعمل بها الخسوف الجزئي، غير أنه لا يوجد فيه ظل كامل على سطح القمر.
القمر الدموي والغلاف الجوي
يشتهر مصطلح القمر الدموي في كثير من الخسوفات الكلية للقمر، وسبب تلك التسمية هي اللون الذي يصير إليه القمر البدر حين ينغمس كلياً في ظل الأرض في الفضاء وتنحجب عنه أشعة الشمس البيضاء، وسبب ذلك اللون وغيره من الألوان كالأحمر والبني والأصفر النحاسي هو نقاء الغلاف الجوي للأرض، فالغلاف الجوي هو الذي يجعلنا نرى القمر أثناء الخسوف الكلي حين يسمح لبعض الضوء القادم من الشمس أن يتخلله منكسراً إلى القمر، ولولاه لاختفى القمر وقت كل خسوف كلي.
أما اللون الدموي للخسوف فسببه كمية التلوث الموجودة في الغلاف، ويكون على أشده حين يسبق الخسوفَ ثورانٌ لبركان على سطح الأرض، فعلى الرغم من أن كمية الرماد تبدو قليلة مقارنة بحجم الأرض، فإن أثرها في الحقيقة يكون عظيماً على لون الخسوفات التي تتبعه ولعدة سنوات أيضاً. وإذا كانت كميات الرماد كبيرة بسبب ثوران عدة براكين فمن الممكن أن يؤدي بالقمر إلى أن يكتسي لوناً بنياً داكناً يجعله بالكاد مرئياً، بل ربما يختفي بسبب ذلك تماماً.
سبب ألوان القمر كالأحمر والبني والأصفر النحاسي هو نقاء الغلاف الجوي للأرض
مقياس دانجون
من أجل تقدير شدة تلوث الغلاف الجوي أطلق فلكي اسمه أندريه دانجون في عام 1921 مقياساً من خمس درجات يقيس به سطوع القمر أثناء الخسوف الكلي، أخفّها على الإطلاق المقياس صفر وفيه يميل لون القمر إلى البني الداكن، وألمعها هو المقياس أربعة وفيه يكون لون القمر أصفر نحاسياً.
ومن أجل تقدير هذه القياسات يستخدم الفلكيون وهواة الفلك المنظار (الدربيل) مقلوباً، حيث يظهر القمر البدر فيه بحجم نجم. وبمقارنة لمعان القمر هنا بلمعان النجوم في السماء ومعرفة قوة المنظار المستخدم، يتم تقدير سطوع القمر بحسب مقياس دانجون، ويعد هذا أحد أهم أنشطة هواة الفلك حول العالم أثناء الخسوفات الكلية للقمر.
خسوف القمر حدثٌ نادر التكرار سنوياً، فهو إن حدث فإنه لا تزيد مرات حدوثه عن ثلاث مرات في السنة الواحدة
الخسوف الأفقي
علمنا بأن الخسوف لا يحدث إلا إذا كان القمر بدراً، وهذا يعني أن الزاوية الفاصلة بين القمر والشمس يجب أن تكون 180 درجة، وهذا أيضا يعني أن ظهور أحدهما فوق الأفق يعني غروب الآخر تحته، غير أن نوعاً غريباً من الخسوفات يظهر فيه كلا القمر البدر مخسوفاً ومعه الشمس بُعيد الشروق أو قبل الغروب مباشرة، وهي حادثة نادرة التكرار، وسببها انكسار صورة القمر والشمس في الغلاف الجوي للأرض أثناء وجودهما تحت الأفق مما يُظهر صورتهما فوق الأفق، فيزيد ذلك من مدة رؤية الخسوف بضع دقائق أخرى.
ختاماً، فإن ظاهرة الخسوف واحدة من كثير من الظواهر التي اعتنى بها الإعلام في العقدين الأخيرين بسبب انتشار وسائط الاتصال الاجتماعي وتداول المعلومة بالسرعة الكبيرة، وهي ظاهرة لم تتغير نسبة تكرارها على مر العصور، غير أن حدوثها متأخرة ليلاً لم تكن محط اهتمام كثير ممن ينام مبكراً لذا فإنها كانت تفوتهم.
وعلى الرغم من ذلك يظل الناس في عزلة عن السماء بسبب المدينة وتلوثها الضوئي الذي يحجب عنا معظم أجرام السماء، وهي مهمة الفلكيين وهواة الفلك في العمل على إعادة ربط الناس بالسماء من فوقهم دون تهويل أو تخويف لطالما فعله القدماء وظنّوه بأجرامها.
https://doc.aljazeera.net/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D8%AE%D8%B3%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%85%D8%B1-%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%86%D8%A7%D8%AF%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D9%85-%D9%85%D8%AA%D9%83%D8%B1%D8%B1%D8%A9%D8%9F/