مجلة علمية: البؤبؤ "تلميذ العين" يرصد المعلومات الرقمية... اكتشاف ثوري جديد...
أزمة جديدة شهدها الشارع الجزائري، بسبب لباس الفتيات. هذه المرة، تمت إثر فصل أستاذٍ للشريعة الإسلامية، في غرب البلاد، من منصبه، بعد تقديمه توجيهاتٍ لطالبتين في الثانوية التي يدرّس فيها، بارتداء ملابس محتشمة، عوضاً عن ملابسهم التي وصفها بالمثيرة.
كبرت الحادثة ككرة ثلجٍ، وخرجت من محيط الثانوية، وسرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام في الجزائر، وأُثيرت أكثر فأكثر، بعد استضافة الأستاذ المفصول، في حصة "احكي حكايتك"، التي بُثّت على قناة الشروق، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
https://www.facebook.com/EchoroukTV.Officiel/videos/660528978276925/
تعود حيثيات القصة، إلى إقدام مدير ثانوية أبي راس الناصري، في ولاية معسكر، على فصل أستاذ التربية الإسلامية، علي دالي، على خلفية شكاوى تقدّم بها والدا طالبتين كان الأستاذ قد نصحهما بارتداء لباسٍ شرعي، وأكد مدير الثانوية، جمال فراد، أن "أستاذ التربية الإسلامية، الذي لم تتجاوز مدة تدرسيه في الثانوية 34 يوماً، قد طلب من الفتيات ارتداء "الحجاب"، وهو تصرّف غير قانوني، تسبب في تدخّل جمعية أولياء التلاميذ".
وقال مدير المؤسسة، إن "الأستاذ خلق أزمات متوالية داخل المدرسة، حيث حرّض التلاميذ على الإضراب، ودخل في ملاسنات مع أستاذات لا يرتدين الحجاب، ووزّع داخل الثانوية منشوراتٍ وكتباً تحرّض على الفتنة"، ليرد الأستاذ مدافعاً عن نفسه، بالقول: "لم أطلب من الفتيات ارتداء الحجاب، أو اللباس الشرعي. قلت لهن أن يأتين إلى الدراسة بزيّ محترم ومحتشم فحسب، لأنهن كن يأتين بلباسٍ فاضحٍ ومثيرٍ للشهوات. لست نادماً على ما فعلته أبداً، وهذا يندرج ضمن صلاحياتي كأستاذ ومربي، التزاماً بالدين الإسلامي الذي يأمرنا بالنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف".
الأهالي يقفون مع الحجاب
ولأن موضوع الأستاذ والطالبتين، حول اللباس الشرعي، يتعلق بأولياء التلاميذ، تواصلنا مع الجهة التي تمثّلهم بشكلٍ رسمي، وهي جمعية أولياء التلاميذ، وقال رئيسها خالد أحمد، في تصريح: "الأستاذ لم يخطِئ في تصرّفه، وأدّى واجبه التربوي على أحسن ما يرام، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جائزان داخل المؤسسة التربوية، لأن التربية قبل الدرس، والسقي قبل الغرس".
ما يلفت الانتباه في هذه القضية، هو التضامن الجماهيري اللا مشروط مع الأستاذ، على حساب أولياء التلاميذ، أو حتى الطالبتين اللتين تُعدّان الضحية الأولى في هذه القصة، فلا أحد وضع في الحسبان فرضية أن يكون هذا اللباس محتشماً حقاً، وغير فاضح
أما رئيس نقابة الأئمة، جلول حجيمي، فقد طرح تصوّره، لرصيف22، قائلاً: "مسائل الوعظ والإرشاد تحتاج إلى أهلها في المسجد. أما مواضيع التربية، فتحتاج إلى قوانين خاصة بها، ولا بد لكل موظف أن يقوم بالعمل المنوط به فحسب، لكن ينبغي أن تكون هناك مرونة في التعامل، لكيلا تُثار عواطف الناس". ويضيف حجيمي: "وزارة التربية لها خصوصيات معيّنة في هذه المسألة، والأستاذ مربٍّ، لكن ندعو دائماً إلى الاعتدال في هذه المسائل، لما ينجم عنها من ردود أفعال غير حميدة".
الوزارة تتهرب
حاولنا التواصل مع وزارة التربية الوطنية في الجزائر، التي لم تعلّق على الحادثة، لمعرفة رد فعل السلطة الوصيّة، غير أن جميع محاولاتنا باءت بالفشل، بعدما رفض المسؤولون في وزارة التربية الرد على سؤال ، حول مدى قانونية فعل الأستاذ.
"هناك اتّهام للأستاذ بالتحرّش بالتلميذات، وهذه في حدّ ذاتها تهمة يجب الإسراع في التحقيق فيها، وإن ثبتت التهمة عليه، فالعقاب المشدّد هو الحلّ، طالما يختبئ الرجل وراء غطاء ديني"
ولمعرفة العناصر الضابطة للممارسات المهنية التي تحددها قوانين وزارة التربية، والنظام الداخلي للمؤسسات التربوية، اتصلنا برئيس النقابة الوطنية لعمال التربية SNTE، الذي أكد أنّ نقص الخبرة لدى الأستاذ جعله يقع في أخطاء مهنية، إذ يقول في تصريحات "لا نملك حيثيات القضية، ما عدا التصريحات التي أدلى بها الطرفان، الأستاذ، ومدير المؤسسة. في هذه الحالة، ينصّ القانون على أن ترسل وزارة التربية الوطنية، لجنة تحقيق إلى الميدان، لمعرفة التفاصيل كاملة، وتتخذ قراراً ينصف جميع الأطراف، وتوضيح ذلك ببيانٍ يوجَّه إلى الرأي العام، غير أن مدير المؤسسة لديه السلطة التقديرية لاتّخاذ القرار بفصل الأستاذ، إذا أخلّ ببنود العقد المبرم بينهما".
ويواصل مستشار التربية الوطنية، جهيد حيرش، حديثه بالقول: "الأستاذ متعاقد، وليس مرسّماً بعد، ويبدو عليه الاندفاع، حتى لا أقول التهوّر، ومن خلال خرجاته، يمكن تمييز الخلفيات الدينية والفكرية التي ينتمي إليها، فكلّما ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي، أو وسائل الإعلام، يعمّق خطأه، فهناك نصوص قانونية متعلقة بالنظام الداخلي، تتضمن نموذجاً يكيَّف حسب المؤسسات، أما في ما يتعلق بالهندام، فلا يوجد مصطلح موحّد لمفهوم اللباس المحترم، ولهذا فإن هذا المفهوم يخضع لتقدير الإنسان، وتصوّره، وفق طبيعة نشأته، ومدى التزامه. فما يبدو لي محتشماً، قد لا يبدو كذلك بالضرورة بالنسبة إلى الآخرين".
ويرى جهيد حيرش، أن مجرد فتح قضية اللباس المحتشم، سيعرّض المتّهم فيها إلى ردة فعل عنيفة، لأن هذا يتعارض مع صورة نمطية داخل المجتمع، ويكشف: "تحدث تأويلات كثيرة لمفهوم اللباس المحتشم، وهذا يؤثر سلباً على الطالبات وعائلاتهم. أنا كمربٍّ وكنقابي، لا أريد أن يواصل الأستاذ خرجاته في الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. فحسب تقديري، هو يعلم جيداً أنه لن يعود إلى التدريس، لإخلاله بالشروط الموجودة في العقد، ولكن هدفه على ما يبدو، هو إثارة الموضوع لدى الرأي العام، بتشجيعٍ من أطرافٍ أخرى خارج قطاع التربية، خدمةً لأيديولوجيا دينية وفكرية، وأعتقد جازماً أن مواصلة الأستاذ في هذا النهج، سيدفع عائلات الطالبات إلى اللجوء للعدالة، بتهمة القذف والتشهير والإساءة إلى شرفها".
تضامن مجتمعي
ما يلفت الانتباه في هذه القضية، هو التضامن الجماهيري اللا مشروط مع الأستاذ، على حساب أولياء التلاميذ، أو حتى الطالبتين اللتين تُعدّان الضحية الأولى في هذه القصة، فلا أحد وضع في الحسبان فرضية أن يكون هذا اللباس محتشماً حقاً، وغير فاضح، وبهذا فقد وقع الأستاذ في فخ التقدير الذي يختلف من شخص إلى آخر، حول هذا المفهوم الفضفاض.
على مدار أيامٍ عديدة، شكّلت قصة أستاذ الشريعة المفصول من منصبه، كمدرسٍ في إحدى مدارس الغرب الجزائري، مادّةً دسمةً، لكن المؤكد أن الخاسر الأكبر في هذه القصة التي باتت على كل لسان، هن الطالبات القاصرات في نظر القانون
وكما يظهر هذا التضامن بشكلٍ أكبر من خلال الانتقادات اللاذعة التي تقدّم لها يوسف نكاع، مذيع البرنامج الاجتماعي "أحكي حكايتك"، الذي استضاف فيه الأستاذ، للحديث عن هذه القصة. وكانت معظم التعليقات تصبّ في اتجاه واحد، بأن طريقة إدارة الحوار لم تكن موضوعيةً، لا سيما بعد أن أطلّ الأستاذ المفصول في بثٍّ مباشر على صفحته، ليؤكد بأنه طلب عدم بثّ الحلقة.
وفي هذا الشأن، قال الباحث في مجال علم الاجتماع السياسي، الدكتور نور الدين بكيس، ، بخصوص إقصاء كل الآراء، والتضامن الشعبي الكامل مع الأستاذ، على حساب المدير: "المجتمع الجزائري مجتمع محافظ، ويخشى من الحرية، على أساس أنه لا يثق في ما هو موجود من مؤسسات، وخاصةً أنه يستشعر أنها مُخترَقة من قبل توجهات لا تتماشى مع الثقافة التقليدية المجتمعية، لذلك فإن الأسطورة السائدة حالياً في الجزائر، هي فكرة حضور الأقلية العلمانية المؤثّرة، التي تريد إعادة إنتاج الثقافة الغربية في مجتمعنا".
وأضاف الدكتور نور الدين بكيس: "ما هو عرفي غير منظّم، وغير مؤطّر بشكلٍ كافٍ في الجزائر، وليست له مؤسسات وأدوات تدعو للطمأنينة، خاصةً أن المجتمع الجزائري محافظ جداً، ويقابل ذلك أن هناك خللاً كبيراً على مستوى طبيعة التعاطي مع كل ما هو وارد من الثقافة الغربية".
وختم بكيس، حديثه قائلاً: "إن الجماهير تتعاطى بنوعٍ من الراديكالية، وتتخندق وراء رأي معيّن، ليس ثقةً، بل خوفاً، بما أنها لا تمتلك أدوات المواجهة، مع كل ما هو أجنبي، كالبرامج التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرهما".
أيديولوجيات متطرفة
"ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعاطف مع أي شخص يتحدث باسم الدين، من دون إعادة وزن القضية من الناحية الأخلاقية العادلة، كما أن الأستاذ يستغلّ منصبه لبثّ أفكار متطرفة، ونشرها، حسب رأي المدير، ونحن مجتمع تعرّض أبناؤه لغسيل المخ في التسعينيات من القرن الماضي، تسبب بعشرية سوداء، وحرب أهلية طاحنة، وأعتقد أننا كمواطنين واعين، علينا الدفاع عن حرمة المؤسسة التعليمية، بصفتها مكاناً للتطوير العلمي، وليست لإيجاد جنود مستقبليين مؤدلجين".
هكذا تفتتح الكاتبة الصحافية، سارة بانة، حديثها إلى رصيف22، وتضيف قائلةً: "هناك اتّهام للأستاذ بالتحرّش بالتلميذات، وهذه في حدّ ذاتها تهمة يجب الإسراع في التحقيق فيها، وإن ثبتت التهمة عليه، فالعقاب المشدّد هو الحلّ، طالما يختبئ الرجل وراء غطاء ديني".
وترى سارة أن الأستاذ يسيء إلى التلميذات، بقوله إنهن أتين بلباسٍ جاذبٍ للرجال، ويجب التركيز على هذه النقطة بالذات، إذ تستطرد قائلةً: "لماذا هذا اللباس أثار الأستاذ وحده، ونحن نعلم كمجتمع جزائري، أنه في حين وجود لباسٍ خادشٍ للحياء، وخارجٍ عن المألوف، يتم التدخل من قبل طاقم إدارة المدرسة، والرقابة؟ علينا دق ناقوس الخطر، فالمجتمع يملك القابلية لعدم التشكيك في صحة كلام أي شخص يسوّق لنفسه باسم الدين، وبناءً على ذلك، علينا أن نعيد طرح أسئلة أعمق، حول فكرة سهولة تقبّلنا لكل شيء يصدر من شخص يدّعي التديّن".
الكاسيات العاريات!
وعلى الرغم من أن الغالبية الساحقة تؤيد الأستاذ بقوّة، كون الغالبية الساحقة للمجتمع الجزائري مسلمة محافظة، إلا أن هناك من يرى في قرار مدير المؤسسة، ممثلاً لوزارة التربية الوطنية، وقراراً صائباً بفصل أستاذ الشريعة الإسلامية المتعاقد، الذي خالف القوانين والنظام الداخلي للمؤسسات التربوية، ومن بينهم الكاتب الصحافي عبد العالي مزغيش، الذي كتب على صفحته في فيسبوك: "فضيلة الشيخ الأستاذ، والكاسيات العاريات! أليست كتب الفقه، والعبادات، وحصص الدين، وقنوات القرآن الكريم، ومواقع الإنترنت المتعددة، وفيديوهات اليوتوب، وأحاديث النصح والارشاد التي تنتشر بشكلٍ كبير؛ تدعو الى الاحتشام، وارتداء الحجاب، وستر العورة، وغضّ البصر، والتخلّي عن الفتنة، وتفادي إغراء الشباب... فلماذا راح أستاذ التربية الإسلامية يتقمّص دور الداعية الغيور على مظهر الفتاة حين نصحها بالستر؟ (...) يقول الأستاذ إنه كان يخشى على التلميذة من نار جهنّم، وإنه خاف عليها من ألا تشمَّ رائحة الجنّة!... فمن يخشى على بقية "الكاسيات العاريات"، ممن لم يدرسن عند فضيلة الأستاذ؟!
على مدار أيامٍ عديدة، شكّلت قصة أستاذ الشريعة المفصول من منصبه، كمدرسٍ في إحدى مدارس الغرب الجزائري، مادّةً دسمةً، لكن المؤكد أن الخاسر الأكبر في هذه القصة التي باتت على كل لسان، هن الطالبات القاصرات في نظر القانون. كيف لا، وقد أصبح لباسهن حديث العامة والخاصة، وشرفهن مستباحاً من دون سابق إنذار، خاصةً وأن مفهوم اللباس المحتشم فضفاض ومطاطي، ويختلف من دولة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى، ومن شخصٍ إلى آخر، حسب التنشئة الاجتماعية، والخلفيات الدينية، والعادات والتقاليد؟
https://raseef22.net/article/1085535-%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A%D8%A9
أزمة جديدة شهدها الشارع الجزائري، بسبب لباس الفتيات. هذه المرة، تمت إثر فصل أستاذٍ للشريعة الإسلامية، في غرب البلاد، من منصبه، بعد تقديمه توجيهاتٍ لطالبتين في الثانوية التي يدرّس فيها، بارتداء ملابس محتشمة، عوضاً عن ملابسهم التي وصفها بالمثيرة.
كبرت الحادثة ككرة ثلجٍ، وخرجت من محيط الثانوية، وسرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام في الجزائر، وأُثيرت أكثر فأكثر، بعد استضافة الأستاذ المفصول، في حصة "احكي حكايتك"، التي بُثّت على قناة الشروق، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
https://www.facebook.com/EchoroukTV.Officiel/videos/660528978276925/
تعود حيثيات القصة، إلى إقدام مدير ثانوية أبي راس الناصري، في ولاية معسكر، على فصل أستاذ التربية الإسلامية، علي دالي، على خلفية شكاوى تقدّم بها والدا طالبتين كان الأستاذ قد نصحهما بارتداء لباسٍ شرعي، وأكد مدير الثانوية، جمال فراد، أن "أستاذ التربية الإسلامية، الذي لم تتجاوز مدة تدرسيه في الثانوية 34 يوماً، قد طلب من الفتيات ارتداء "الحجاب"، وهو تصرّف غير قانوني، تسبب في تدخّل جمعية أولياء التلاميذ".
وقال مدير المؤسسة، إن "الأستاذ خلق أزمات متوالية داخل المدرسة، حيث حرّض التلاميذ على الإضراب، ودخل في ملاسنات مع أستاذات لا يرتدين الحجاب، ووزّع داخل الثانوية منشوراتٍ وكتباً تحرّض على الفتنة"، ليرد الأستاذ مدافعاً عن نفسه، بالقول: "لم أطلب من الفتيات ارتداء الحجاب، أو اللباس الشرعي. قلت لهن أن يأتين إلى الدراسة بزيّ محترم ومحتشم فحسب، لأنهن كن يأتين بلباسٍ فاضحٍ ومثيرٍ للشهوات. لست نادماً على ما فعلته أبداً، وهذا يندرج ضمن صلاحياتي كأستاذ ومربي، التزاماً بالدين الإسلامي الذي يأمرنا بالنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف".
الأهالي يقفون مع الحجاب
ولأن موضوع الأستاذ والطالبتين، حول اللباس الشرعي، يتعلق بأولياء التلاميذ، تواصلنا مع الجهة التي تمثّلهم بشكلٍ رسمي، وهي جمعية أولياء التلاميذ، وقال رئيسها خالد أحمد، في تصريح: "الأستاذ لم يخطِئ في تصرّفه، وأدّى واجبه التربوي على أحسن ما يرام، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جائزان داخل المؤسسة التربوية، لأن التربية قبل الدرس، والسقي قبل الغرس".
ما يلفت الانتباه في هذه القضية، هو التضامن الجماهيري اللا مشروط مع الأستاذ، على حساب أولياء التلاميذ، أو حتى الطالبتين اللتين تُعدّان الضحية الأولى في هذه القصة، فلا أحد وضع في الحسبان فرضية أن يكون هذا اللباس محتشماً حقاً، وغير فاضح
أما رئيس نقابة الأئمة، جلول حجيمي، فقد طرح تصوّره، لرصيف22، قائلاً: "مسائل الوعظ والإرشاد تحتاج إلى أهلها في المسجد. أما مواضيع التربية، فتحتاج إلى قوانين خاصة بها، ولا بد لكل موظف أن يقوم بالعمل المنوط به فحسب، لكن ينبغي أن تكون هناك مرونة في التعامل، لكيلا تُثار عواطف الناس". ويضيف حجيمي: "وزارة التربية لها خصوصيات معيّنة في هذه المسألة، والأستاذ مربٍّ، لكن ندعو دائماً إلى الاعتدال في هذه المسائل، لما ينجم عنها من ردود أفعال غير حميدة".
الوزارة تتهرب
حاولنا التواصل مع وزارة التربية الوطنية في الجزائر، التي لم تعلّق على الحادثة، لمعرفة رد فعل السلطة الوصيّة، غير أن جميع محاولاتنا باءت بالفشل، بعدما رفض المسؤولون في وزارة التربية الرد على سؤال ، حول مدى قانونية فعل الأستاذ.
"هناك اتّهام للأستاذ بالتحرّش بالتلميذات، وهذه في حدّ ذاتها تهمة يجب الإسراع في التحقيق فيها، وإن ثبتت التهمة عليه، فالعقاب المشدّد هو الحلّ، طالما يختبئ الرجل وراء غطاء ديني"
ولمعرفة العناصر الضابطة للممارسات المهنية التي تحددها قوانين وزارة التربية، والنظام الداخلي للمؤسسات التربوية، اتصلنا برئيس النقابة الوطنية لعمال التربية SNTE، الذي أكد أنّ نقص الخبرة لدى الأستاذ جعله يقع في أخطاء مهنية، إذ يقول في تصريحات "لا نملك حيثيات القضية، ما عدا التصريحات التي أدلى بها الطرفان، الأستاذ، ومدير المؤسسة. في هذه الحالة، ينصّ القانون على أن ترسل وزارة التربية الوطنية، لجنة تحقيق إلى الميدان، لمعرفة التفاصيل كاملة، وتتخذ قراراً ينصف جميع الأطراف، وتوضيح ذلك ببيانٍ يوجَّه إلى الرأي العام، غير أن مدير المؤسسة لديه السلطة التقديرية لاتّخاذ القرار بفصل الأستاذ، إذا أخلّ ببنود العقد المبرم بينهما".
ويواصل مستشار التربية الوطنية، جهيد حيرش، حديثه بالقول: "الأستاذ متعاقد، وليس مرسّماً بعد، ويبدو عليه الاندفاع، حتى لا أقول التهوّر، ومن خلال خرجاته، يمكن تمييز الخلفيات الدينية والفكرية التي ينتمي إليها، فكلّما ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي، أو وسائل الإعلام، يعمّق خطأه، فهناك نصوص قانونية متعلقة بالنظام الداخلي، تتضمن نموذجاً يكيَّف حسب المؤسسات، أما في ما يتعلق بالهندام، فلا يوجد مصطلح موحّد لمفهوم اللباس المحترم، ولهذا فإن هذا المفهوم يخضع لتقدير الإنسان، وتصوّره، وفق طبيعة نشأته، ومدى التزامه. فما يبدو لي محتشماً، قد لا يبدو كذلك بالضرورة بالنسبة إلى الآخرين".
ويرى جهيد حيرش، أن مجرد فتح قضية اللباس المحتشم، سيعرّض المتّهم فيها إلى ردة فعل عنيفة، لأن هذا يتعارض مع صورة نمطية داخل المجتمع، ويكشف: "تحدث تأويلات كثيرة لمفهوم اللباس المحتشم، وهذا يؤثر سلباً على الطالبات وعائلاتهم. أنا كمربٍّ وكنقابي، لا أريد أن يواصل الأستاذ خرجاته في الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي. فحسب تقديري، هو يعلم جيداً أنه لن يعود إلى التدريس، لإخلاله بالشروط الموجودة في العقد، ولكن هدفه على ما يبدو، هو إثارة الموضوع لدى الرأي العام، بتشجيعٍ من أطرافٍ أخرى خارج قطاع التربية، خدمةً لأيديولوجيا دينية وفكرية، وأعتقد جازماً أن مواصلة الأستاذ في هذا النهج، سيدفع عائلات الطالبات إلى اللجوء للعدالة، بتهمة القذف والتشهير والإساءة إلى شرفها".
تضامن مجتمعي
ما يلفت الانتباه في هذه القضية، هو التضامن الجماهيري اللا مشروط مع الأستاذ، على حساب أولياء التلاميذ، أو حتى الطالبتين اللتين تُعدّان الضحية الأولى في هذه القصة، فلا أحد وضع في الحسبان فرضية أن يكون هذا اللباس محتشماً حقاً، وغير فاضح، وبهذا فقد وقع الأستاذ في فخ التقدير الذي يختلف من شخص إلى آخر، حول هذا المفهوم الفضفاض.
على مدار أيامٍ عديدة، شكّلت قصة أستاذ الشريعة المفصول من منصبه، كمدرسٍ في إحدى مدارس الغرب الجزائري، مادّةً دسمةً، لكن المؤكد أن الخاسر الأكبر في هذه القصة التي باتت على كل لسان، هن الطالبات القاصرات في نظر القانون
وكما يظهر هذا التضامن بشكلٍ أكبر من خلال الانتقادات اللاذعة التي تقدّم لها يوسف نكاع، مذيع البرنامج الاجتماعي "أحكي حكايتك"، الذي استضاف فيه الأستاذ، للحديث عن هذه القصة. وكانت معظم التعليقات تصبّ في اتجاه واحد، بأن طريقة إدارة الحوار لم تكن موضوعيةً، لا سيما بعد أن أطلّ الأستاذ المفصول في بثٍّ مباشر على صفحته، ليؤكد بأنه طلب عدم بثّ الحلقة.
وفي هذا الشأن، قال الباحث في مجال علم الاجتماع السياسي، الدكتور نور الدين بكيس، ، بخصوص إقصاء كل الآراء، والتضامن الشعبي الكامل مع الأستاذ، على حساب المدير: "المجتمع الجزائري مجتمع محافظ، ويخشى من الحرية، على أساس أنه لا يثق في ما هو موجود من مؤسسات، وخاصةً أنه يستشعر أنها مُخترَقة من قبل توجهات لا تتماشى مع الثقافة التقليدية المجتمعية، لذلك فإن الأسطورة السائدة حالياً في الجزائر، هي فكرة حضور الأقلية العلمانية المؤثّرة، التي تريد إعادة إنتاج الثقافة الغربية في مجتمعنا".
وأضاف الدكتور نور الدين بكيس: "ما هو عرفي غير منظّم، وغير مؤطّر بشكلٍ كافٍ في الجزائر، وليست له مؤسسات وأدوات تدعو للطمأنينة، خاصةً أن المجتمع الجزائري محافظ جداً، ويقابل ذلك أن هناك خللاً كبيراً على مستوى طبيعة التعاطي مع كل ما هو وارد من الثقافة الغربية".
وختم بكيس، حديثه قائلاً: "إن الجماهير تتعاطى بنوعٍ من الراديكالية، وتتخندق وراء رأي معيّن، ليس ثقةً، بل خوفاً، بما أنها لا تمتلك أدوات المواجهة، مع كل ما هو أجنبي، كالبرامج التلفزيونية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرهما".
أيديولوجيات متطرفة
"ليست المرة الأولى التي يتم فيها التعاطف مع أي شخص يتحدث باسم الدين، من دون إعادة وزن القضية من الناحية الأخلاقية العادلة، كما أن الأستاذ يستغلّ منصبه لبثّ أفكار متطرفة، ونشرها، حسب رأي المدير، ونحن مجتمع تعرّض أبناؤه لغسيل المخ في التسعينيات من القرن الماضي، تسبب بعشرية سوداء، وحرب أهلية طاحنة، وأعتقد أننا كمواطنين واعين، علينا الدفاع عن حرمة المؤسسة التعليمية، بصفتها مكاناً للتطوير العلمي، وليست لإيجاد جنود مستقبليين مؤدلجين".
هكذا تفتتح الكاتبة الصحافية، سارة بانة، حديثها إلى رصيف22، وتضيف قائلةً: "هناك اتّهام للأستاذ بالتحرّش بالتلميذات، وهذه في حدّ ذاتها تهمة يجب الإسراع في التحقيق فيها، وإن ثبتت التهمة عليه، فالعقاب المشدّد هو الحلّ، طالما يختبئ الرجل وراء غطاء ديني".
وترى سارة أن الأستاذ يسيء إلى التلميذات، بقوله إنهن أتين بلباسٍ جاذبٍ للرجال، ويجب التركيز على هذه النقطة بالذات، إذ تستطرد قائلةً: "لماذا هذا اللباس أثار الأستاذ وحده، ونحن نعلم كمجتمع جزائري، أنه في حين وجود لباسٍ خادشٍ للحياء، وخارجٍ عن المألوف، يتم التدخل من قبل طاقم إدارة المدرسة، والرقابة؟ علينا دق ناقوس الخطر، فالمجتمع يملك القابلية لعدم التشكيك في صحة كلام أي شخص يسوّق لنفسه باسم الدين، وبناءً على ذلك، علينا أن نعيد طرح أسئلة أعمق، حول فكرة سهولة تقبّلنا لكل شيء يصدر من شخص يدّعي التديّن".
الكاسيات العاريات!
وعلى الرغم من أن الغالبية الساحقة تؤيد الأستاذ بقوّة، كون الغالبية الساحقة للمجتمع الجزائري مسلمة محافظة، إلا أن هناك من يرى في قرار مدير المؤسسة، ممثلاً لوزارة التربية الوطنية، وقراراً صائباً بفصل أستاذ الشريعة الإسلامية المتعاقد، الذي خالف القوانين والنظام الداخلي للمؤسسات التربوية، ومن بينهم الكاتب الصحافي عبد العالي مزغيش، الذي كتب على صفحته في فيسبوك: "فضيلة الشيخ الأستاذ، والكاسيات العاريات! أليست كتب الفقه، والعبادات، وحصص الدين، وقنوات القرآن الكريم، ومواقع الإنترنت المتعددة، وفيديوهات اليوتوب، وأحاديث النصح والارشاد التي تنتشر بشكلٍ كبير؛ تدعو الى الاحتشام، وارتداء الحجاب، وستر العورة، وغضّ البصر، والتخلّي عن الفتنة، وتفادي إغراء الشباب... فلماذا راح أستاذ التربية الإسلامية يتقمّص دور الداعية الغيور على مظهر الفتاة حين نصحها بالستر؟ (...) يقول الأستاذ إنه كان يخشى على التلميذة من نار جهنّم، وإنه خاف عليها من ألا تشمَّ رائحة الجنّة!... فمن يخشى على بقية "الكاسيات العاريات"، ممن لم يدرسن عند فضيلة الأستاذ؟!
على مدار أيامٍ عديدة، شكّلت قصة أستاذ الشريعة المفصول من منصبه، كمدرسٍ في إحدى مدارس الغرب الجزائري، مادّةً دسمةً، لكن المؤكد أن الخاسر الأكبر في هذه القصة التي باتت على كل لسان، هن الطالبات القاصرات في نظر القانون. كيف لا، وقد أصبح لباسهن حديث العامة والخاصة، وشرفهن مستباحاً من دون سابق إنذار، خاصةً وأن مفهوم اللباس المحتشم فضفاض ومطاطي، ويختلف من دولة إلى أخرى، ومن عائلة إلى أخرى، ومن شخصٍ إلى آخر، حسب التنشئة الاجتماعية، والخلفيات الدينية، والعادات والتقاليد؟
https://raseef22.net/article/1085535-%D8%AC%D8%AF%D9%84-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%8A%D8%B1-%D9%84%D9%84%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A%D8%A9