3- مسألة الهوية الجزائرية بعد الإستقلال :
أ- سيطرة الإيديولوجية العروبية خلال مرحلة الحزب الواحد :
أولا : بداية الصراع بين المعربين و المفرنسين داخل السلطة بمجرد ان وضعت حرب التحرير أوزارها، وانتزاع الجزائر استقلالها سنة 1962 بقوة السلاح، ظهرت صراعات حادة بين قيادات الثورة، و تأجج الصراع بين السياسيين والعسكريين و بين قيادة الداخل والخارج، فكانت الغلبة باستحواث جماعة وجدة على السلطة بدعم من المصريين بانقلابها على المؤسسات الشرعية، و نصبت أحمد بن بلة رئيسا للجمهورية. تمكن هذا الأخير فرض دستوره سنة 1963 بعد أن نزع صلاحية اعداد الدستور من المجلس التأسيسي المنتخب، الذي يقوم مشروعه على السياسة الأحادية : حزب الواحد، دين واحد، لغة واحدة، قضاء واحد، نقابة واحدة، رافضا أية تعددية سياسية و لغوية و نقابية في المجتمع ،لكن أحمد بن بلة لم يلبث في السلطة حتى انقلب عليه ذراعه الأيمن هواري بومدين قائد الأركان سنة 1965. وبعيدا عن الخلافات السياسية بين التيارات، كان تولي المناصب في بداية الأمر بين المعربين و المفرنسين حسب مؤهلاتهم في المؤسسات الحكومية من أعلى هرم الدولة الى القاعدة، فاستحوذ الكثير من المفرنسين على أهم المناصب الحساسة في الدولة كوزارة الداخلية وزارة الخارجية، وزارة الإقتصاد و الطاقة، الجيش، أما النخبة المعربة فاكتفت بمناصب في وزارة الشؤون الدينية و التربية و الثقافة، عكس ذلك في هياكل الحزب كانت المناصب توزع بين المفرنسين والمعربين بحسب الولاء للنظام القائم، إلا أن التنافس كان شديدا بين النخبتين.
ثانيا : انتصار التيار العروبي داخل السلطة واقصائه للبعد الأمازيغي من الهوية الوطنية لكن سرعان ما بدأ التصادم بينها بعد وضوح معالم سياسية الرئيس هواري بومدين، وانضمامه الى القومية العربية، واعتماده على التيار العروبي للقضاء على خصومه الذين كان أغلبهم من المفرنسين، فكانوا سندا له داخل دواليب السلطة. إنطلقت عملية التعريب بالجزائر في 5 يوليو 1963 على يد الرئيس الرئيس أحمد بن بله والذي رفع شعار “التعريب ضروري ولا اشتراكية بدون تعريب ولا مستقبل لهذا البلد إلا في العروبة”، ثم واصل الرئيس هواري بومدين (1965-1978) تطبيق السياسات الخاصة بالتعريب إذْ وقع مرسوما يوم 26 إبريل 1968 يلزم كل الموظفين الجزائريين بأن يكونوا على “معرفة كافية باللغة الوطنية العربية عند توظيفهم. ولأجل ذلك انتهج سياسة التعريب بالقوة مستنجدا للمصريين و السوريين، ففرض اللغة العربية بديلا للغة الفرنسية في التعليم، و سعى الى تعريب المؤسسات من القضاء والإدارة والصحافة والتلفزيون و النشاطات الثقافية من أدب و مسرح و غناء، مبقيا على المؤسسات الحساسة باللغة الفرنسية خدمة لمصالحه مقابل تهميش الإبداع الشعبي الأمازيغي، و كذا الأدب المفرنس الذي يعتبرونه أدب أجنبي، وتجسد ذلك خاصة هذا الإقصاء في الميثاق الوطني ودستور 1976، و في هذا الشأن نذكر بالمقولة المشهورة للاديب كاتب ياسين الذي عارض سياسة التعريب الذى قال : ” إذا كنا عربا ،فلماذا التعريب، و إذا كنا لسنا عربا ، فلماذا تعربوننا ؟”. وفي هذه المرحلة وجد التيار العروبي المعشعش في دواليب الدولة الموالي للمشرق فضاءا خصبا لنشر أفكاره و مشروعه النهضوى على حساب الامازيغية، فأقصى البعد الأمازيغي من الحياة الوطنية من جهة و كما همش المؤسسات الدينية الإسلامية التقليدية كالزوايا .
ثالثا: تنامي التيار الأمازيغي وربط مسألة الهوية بالديمقراطية وحقوق الإنسان
و بالمقابل ظهر على مستوى المدافعيين من اجل الثقافة واللغة الامازيغية ثلاث فئات من المناضلين بأدوار متنوعة، الفئة الاولى تمثلت في النخبة و الجامعيين التى لجأت للعمل في السرية بعيدا عن الأضواء على جمع التراث الأمازيغي القديم من تاريخ و أدب و على رأسهم مولود معمري، وشغل البعض منهم خارج الوطن في القضية أمثال بسعود محند اعراب و سالم شاكر. والتى رأت في ذلك أولوية.أما الفئة الثانية تجسدت في المناضلين السياسيين الذين ينشطون في السرية الذين يناضلون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان الذين ربطوا مطلب الثقافة الأمازيغية ضمن الحقوق السياسية المبنية على التنوع الثقافي والتعدد اللغوى و السياسي للمجتمع الجزائري و يتجسدون في جبهة القوى الاشتراكية و الباكس ذو التوجه الشيوعي. و أخيرا الفئة الثالثة التى يمثلها الطلبة الذين كانوا في احتكاك مع الأكادميين الجامعيين والسياسيين من جهة ومن جهة أخرى مع الفنانين على المستوى الشعبي دورهم كان تعبئة وتوعية الجماهير والشباب بضرورة بعث هويتهم و الحفاظ على لغتهم و ثقافتهم بالاغنية الملتزمة و المسرح و الشعر ، وقد كانت الوسيلة الحاسمة التى تمكنت من مواجهة السلطة و التيار العروبي. في أواخر الستينات قام مجموعة من المناضلين على راسهم بسعود محمد أعراب الذي انشق عن الأفافاس تأسيس جمعية ثقافية في باريس سميت بالأكاديمية البربرية سنة 1967،وكذلك جماعة الطلبة البربريين ب Vincennes و تعاونية Imdyazen. و كانت بداية الصدامات مع السلطة بمناسبة مشروع اثراء الميثاق الوطني سنة 1976، ثم منع العديد من النشاطات الثقافية بين 1977و 1979، ثم تأججت بعد تعيين الشاذلي بن جديد في منصب رئيس الجمهورية ، فيما يسمى بالربيع الأمازيغي سنة 1980 الذى شهد عدة مظاهرات سلمية في ولايات الوسط الجزائري بعد منع مولود معمري من القاء محاضرة بجامعة تيزي وزو حول الشعر القبائلي القديم، رافعة المطالب الثقافية و اللغوية الامازيغية، وربطها بالطالب السياسية كالديمقراطية و اطلاق سراح السجناء السياسيين و احترام حقوق الانسان، فكان رد السلطة عنيفا، و من أجل منع امتداد الاحتجاجات الى المناطق الأخرى من الجزائر وضفت اشاعات عبر صحافتها و الحزب مفاده حرق العلم الوطني و حرق المصحف الشريف من قبل المتضاهرين، وعرفت هذه الأحداث اعتقال العشرات من الشباب و الطلبة أمثال : سعيد سعدي ، سعيد خليل، جمال زناتي … الذين أسسوا فيما بعد الحركة الثقافية البربرية، لتتجدد المطالب سنة 1982 ، ثم 1985 بميلاد الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان جمعية أبناء الشهداء و ما أدى خلالها من اعتقال العديد من المناضلين و على رأسهم المحاميين : على يحى عبد النور والأستاذ مقران أيت لعربي والفنان فرحات مهني، والغريب في الأمر أن هؤلاء المعتقلين سوف يلتقون بقيادات من التيار الإسلامي في سجن البرواقية منهم علي بلحاج، لكن لا أحد من التيار العروبي تم اعتقاله خلال الثلاثين سنة التى تلت الإستقلال.
ب- عودة مسألة الهوية الوطنية الى الواجهة في ظل التعددية بعد حوادث أكتوبر 1988 عرفت الجزائر عدة تحولات سياسية و اقتصادية و اجتماعية، تجسد بعضها في دستور 1989، حيث ألغى نظام الحزب الواحد و أٌقر التعددية السياسية و النقابية، وتخلى عن الاشتراكية و اعتمد اقتصاد السوق، لكنه أنكر التنوع الثقافي للمجتمع الجزائري و التعدد اللغوى له، فابقى اللغة العربية كلغة وطنية و رسمية و أهمل اللغة الأمازيغية ومكتفيا بالبعد الاسلامي و العربي للشعب الجزائري. و في خضم الحراك الديمقراطي،في بداية التسعينات شهدت الساحة الوطنية تصاعد للتيار الإسلامي الساعي لإحياء مشروع الدولة الاسلامية من جهة، و تصاعد للتيار الديمقراطي المتبني لثلاثية عناصر الهوية الوطنية (الأمازيغية، العربية ، الإسلام) لا سيما بعد عودة كل من حسين أيت أحمد و محمد بوضياف الى الجزائر بعد ما يزيد عن 23 سنة من المنفى. ومن جهة ثالثة شهدت تراجع الحزب الواحد سابقا ومشروعه العروبي. وقد عادت القضية الأمازيغية الى الواجهة لاسيما بتاسيس حزب التجمع من اجل الثقافة و الديمقراطية و كذلك خروج جبهة القوى الاشتراكية من السرية، و اعادة تنظيم و هيكلة الحركة الثقافية البربرية و التى نظمت مسيرة حاشدة بالجزائر العاصمة في 25 جانفي 1990.
أولا : التوظيف السياسي للإسلام المتشدد وربطه بالهوية الوطنية
الأمازيغ: حلم الدولة أم كابوس الانفصال؟
عرفت فترة السبعينات و الثمانينات من القرن الماضي تزايد نشاط الحركات الإسلامية في اطار ما يسمى بالدعوة والصحوة الإسلامية التى ترى أن السلطة انحرفت عن المنهج الإسلامي الصحيح، بسبب تبنيها للنظام الإشتراكي، انحراف الجزائريين عن ممارسة الشعائر الاسلامية، فأسست عدة رابطات و حركات دعوية، وبسبب احتكاكها بالحركات الإسلامية في افغانستان التى رفعت راية الجهاد بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإتحاد السوفياتي، و في اواسط الثمانينات عادت الى الجزائر معلنة عن مشروع الإسلام السياسي، و رغبة من السلطة لتسهيل رقابة هذه الحركات أقدمت على اعتمادها رسميا و أهم الأحزاب السياسية التى نشأت على أساس ديني نذكر كل من الفيس و حماس والنهضة. تعتبر هذه التيارات أن الجزائريين انحرفوا عن الدين الإسلامي الصحيح لعدة عوامل منها أن الزوايا و المؤسسات الدينية التقليدية لاتمثل الإسلام الصحيح، و أن الإستعمار الفرنسي طمس البعد الإسلامي للشعب الجزائر، كما أن السلطة القائمة منذ الإستقلال حاربت الإسلام، و أن المذهب المالكي لم يعد صالحا للشعب الجزائري، و أن ضرورة العودة الى السلفية، و يتجلى ذلك عن طريق إقامة دولة اسلامية أساسها العدل و المساواة. هذا التيار عرف عنه معاداته للمفرنسيين و كذلك اللغة الفرنسية من جهة، ومن جهة أخرى يرى أن المسألة الامازيغية أطروحة كولونيالية تحركها أيادي اجنبية منها فرنسا. إزدادت قوة هذا التيار لاسيما بعد اعتماد أحزابه من قبل الدولة، وفوز الفيس باغلبية البلديات في الإنتخابات المحلية مستغلة في ذلك تذمر الجزائريين من سياسية حزب جبهة التحرير الوطني السابقة من جهة و من جهة أخرى الفراغ الروحي وعاطفة الجزائريين. وخلال سنتين بدأت تفرض على المواطنين أنماط معينة من السلوكات كفرض الحجاب على النساء على الطريقة الإيرانية، ومنع الإختلاط في الأماكن العمومية، وتحريم الفنون من مسرح و سينما وغناء، و فرض اللحى و القمصان الأفغانية على الرجال. و هي مظاهر بعيدة كل البعد عن عادات و تقاليد الشعب الجزائري. هذه السلوكات جعلت العديد من الدوائر داخل السلطة و الجمعيات و الأحزاب الديمقراطية تتخوف من مشروعها المستورد، الذي لا يمت بصلة للهوية الجزائرية الأصيلة. وبسبب التخوفات أقدمت الدولة على الغاء المسار الانتخابي (الانتخابات التشريعية) الذي فازت فيها الفيس سنة 1991، وتمت بعد ذلك بأيام اقالة الشاذلي بن جديد، و واستقدام محمد بوضياف لرئاسة المجلس الأعلى للدولة، فدخلت الجزائر في أزمة دستورية بسبب عدم شرعية المؤسسات، ثم رافق ذلك أزمة أمنية بدفع الفيس نحو التطرف والعمل المسلح ضد الدولة. و في هذا الصدد عارض حسين أيت أحمد الغاء المسار الإنتخابي وقال بصريح العبارة : ” انني أعرف جيدا الشعب الجزائري، فنحن لسنا جمهورية ايرانية ” بمعنى أن لا أحد بامكانه أن يغير هوية الشعب الجزائري، فتصويته لصالح الفيس كان تعبيرا عن غضب من الأفلان ليس إلا. عكس ذلك استنجدت السلطة بدعم بعض الأحزاب الديمقراطية لمواجهة المشروع الإسلامي المتطرف حسبها، من خلال ما يسمى بالكل الأمني، بعد أن استغلت في سنوات السبعينات والثمانينات التيار العروبي والإسلامي لمواجهة الخصوم السياسيين الذين كان أغلبهم من دعاة الامازيغية.
ثانيا: تصاعد النضال السلمي أجل الهوية الأمازيغية واتساعه
مطالب كثيرة وحقوق قليلة؟
قام جناح من السلطة سنة 1989 بالدفع ببعض مناضلي الحركة الثقافية البربرية نحو تأسيس حزب سياسي للتكفل بالدفاع عن المطلب الثقافي، وفي نية أصحاب الفكرة كان محاولة منهم لتجريد الزعيم التاريخي حسين ايت أحمد وحزبه من معقله و الحد من نفوذه وسط الجماهير بتوظيف القضية الأمازيغية لكسب تعاطف المناضلين نحو برنامج الحزب الجديد، وهي أول خطوة نحو تسييس المطلب من قبل السلطة. ازدادت الحركة الثقافية البربرية قوة و تأطيرا و نشاطا منا دفعها للمطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية لغة وطنية و رسمية، و اعتبارها عنصرا من عناصر الهوية الوطنية،و قد تبنى هذه المطلب أساسا كل من الأفافاس و الإرسدى و حزب العمال، معتبرينها مطالب مشروعة للشعب الجزائري، مقابل اعتراض من طرف الأحزاب الإسلامية من الفيس و جاب الله و محفوظ نحناح بدعوى أن المطلب فكرة كولونيالية غربية، كما سبق و أن أشرنا سالفا. و شهدت هذه المرحلة بخصوص المسألة الأمازيغية تنازلا طفيفا من طرف السلطة اتجاهها، حيث اعترفت ضمنيا بمشروعية مطلب الأمازيغية كعنصر من عناصر الهوية الوطنية من خلال السماح والترخيص للمسيرات المطالبة بالأمازيغية من خلال خطاباتها الرسمية، والموافقة على انشاء معهد اللغة والثقافة الأمازيغية بجامعة تيزي وزو سنة 1990، وتسمية جامعة تيزي وزو باسم الأديب مولود معمري. إلا أن أجنحة داخل السلطة عملت على عرقلة تكريس هذا المطلب بدعوى أن الظروف غير سانحة لذلك، ولكنه في الواقع كان بقصد توظيف الملف سياسيا مستقبلا لترتيب الساحة السياسية. وتجدر الإشارة أن جبهة التحرير الوطني و الفيس وخلال حملتهم الدعائية للإنتخابية سنة 1991 و في ملصقاتهم استعملوا لافتات مكتوبة باللغة الامازيغية و خط التيفناغ لاول مرة. وفي سنة 1995، نادت الحركة البربرية باضراب مفتوح عن الدراسة بمنطقة القبائل، تحول الى سنة بيضاء، تمكنت الحركة من خلاله افتكاك إنشاء المحافظة السامية للأمازيغية، ادراج اللغة في المدرسة، و ادخالها في التلفزيون العمومي لأول مرة بعد 32 سنة من الإستقلال. و في نفس السنة وفي وثيقة العقد الوطني (لقاء روما) التى وقعها كل من حسين أيت أحمدعن الأفافاس و عبد الحميد مهري (أمين عام الأفلان)، أحمد بن بلة (رئيس جمهورية سابق) و الويزة حنون (حزب العمال) و جاب الله (النهضة) و أنور هدام عن الجبهة الاسلامية للإنقاذ ، و علي يحي عبد النور عن رابطة حقوق الانسان، ينص فيه الموقعون على أنه يجب أن تكون الأمازيغية لغة وطنية و رسمية ، وهو أول اعتراف للطبقة السياسية بالمطلب. في سنة 1999 غادر اليامين زروال السلطة، و عوضه عبد العزيز بوتفليقة في منصب رئيس الجمهورية، في ظل ظروف داخلية ودولية معقدة، فأعلن عن مباشرة عدة اصلاحات، و لأول مرة يصرح رئيس جمهورية بعبارة : “نحن امازيغ” إلا أنه اشترط الإستفتاء الشعبي لإعتباره لغة وطنية ورسمية، وهو ما أثار حفيظة دعاة الأمازيغية و السكان الأمازيغ في الجزائر، فكيف يعقل أن يستفتى الشعب عن أصله و لغته؟ ولم تمر سوى سنتين 2001 من ذلك حتى اندلعت احداث الربيع الاسود مطالبة الإعتراف باللغة الأمازيغية لغة وطنية و رسمية، وكان رد السلطة عنيفا، راح ضحية الأحداث أزيد من 126 شاب قتل برصاص قوات الأمن و الدرك الوطني، دامت المواجهات ما يقارب العامين، لتتنازل السلطة و تعترف بالأمازيغية لغة وطنية الى جانب العربية سنة 2002 عن طريق تعديل الدستور عبر البرلمان. بتصويت كل من أحزاب السلطة و حمس، و معارضة من طرف جاب الله ذو التوجه الاسلامي، الذي اشترط كتابتها بالخط العربي. ولأول مرة يتحدث مسؤول سامي في الدولة باللغة الأمازيغية، حيث ألقى رئيس الحكومة السيد أحمد أويحي خطابا أمام نواب المجلس الشعبي الوطني، وذلك في خضم الأحداث التى عرفتها منطقة القبائل .
4- التوجه نحو التعايش بين عناصر الهوية الوطنية
وفي 2011 عرفت المنطقة العربية أحداث الربيع العربي أدت الى سقوط الأنظمة البعثية العروبية في كل مصر وتونس و سوريا وقبلها العراق، وملاحقة الجهاديين الإسلاميين على المستوى الدولي، وعلى المستوى الداخلى شهدت الساحة السياسية صراعات في اعلى هرم السلطة، انتصر فيها جناح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مما عزز مكانته وسلطة اتخاذ القرار. وأمام الضغط المتزايد لحركة الحكم الذاتي التى اسسها سنة 2002 المناضل فرحات مهني بسبب تحريكها كل مرة الشارع القبائلي، هذا المشروع الذى تحول من المطالبة بالحكم الذاتي الى المطالبة بالإنفصال بسبب تجاهل الدولة للهوية الأمازيغية و عملها على قتل شباب المنطقة بالرصاص عام 2001 ، و في خضم هذه التحولات، قرر رئيس الجمهورية سنة 2016، أقدم مرة أخرى على تعديل ثاني للدستور عبر البرلمان، مدرجا فيه اللغة الأمازيغية لغة رسمية، و انشاء اكاديمية تتكفل بهذه اللغة. حيث نصت المادة الرابعة من هذا التعديل الدستوري على : ” تمازيغت هي كذلك لغة وطنيّة و رسميّة. تعمل الدّولة لترقيّتها وتطويرها بكل تنوّعاتها اللّسانيّة المستعملة عبر التراب الوطني. يُحدث مجمّع جزائري للّغة الأمازيغيّة يوضع لدى رئيس الجمهورية. يستند المجمّع إلى أشغال الخبراء، ويكلّف بتوفير الشروط اللاّزمة لترقية تمازيغت قصد تجسيد وضعها كلغة رسميّة فيما بعد...” ولم يلق التعديل اي معارضة دخل دواليب السلطة و لا من طرف الأحزاب المحافظة و حتى الإسلامية ماعدا جاب الله الذي اشترط أن تكون مكتوبة بالخط العربي. كما أقدمت رئاسة الجمهورية على منح وسام الأثير وهو أعلى وسام الدولة لمجموعة من الأدباء ومناضلي القضية الامازيغية ومنهم : لونيس أيت منقلات، مولود معمري، مفدي زكريا، وتنظيم مئوية ميلاد الأب الروحي للأمازيغية : مولود معمري,ومنح دكتوراه فخرية للفنان أيت منقلات بجامعة تيزي وزو. و في هذا الصدد، أود أن أنوه للتحول الإيجابي في مواقف الطبقة السياسية و النخبة المعادية سابقا للهوية الأمازيغية، بعد نصف قرن من الإستقلال و ربع قرن من التعددية السياسية، فالجميع يعترف بالإنتماء للأصل الأمازيغي، يختلفون فقط بشأن كيفية كتابتها، فهم يدافعون عن كتابتها بالخط العربي أو التيفناغ، رافضين كتابتها بالخط اللاتيني، كما يتحفظون بخصوص إلزاميتها في التعليم. حيث يرون أن مكانتها في الدولة لا يجب ان تكون على حساب اللغة العربية. إلا أن الملف لم يغلق و لا أعتقد أنه سيغلق، بتجدد المسرات و الإحتجاجات في ديسمبر 2017 في العديد من الولايات في كل من : بجاية ، تيزي وزو، سطيف، باتنة، بومرداس، العاصمة، البليدة، بسكرة… مطالبة بتفعيل ترسييم الأمازيغية و تعميمها على المستوى الوطني مع الزامية تدريسها، و بعد أسبوع من هذه هدوء والمظاهرات يعلن رئيس الجمهورية بتاريخ 27 ديسمبر عن اعتراف الدولة بيناير (راس السنة الامازيغية) عيدا وطنيا و الاعلان عن إستحداث اكاديمية اللغة الأمازيغية، وتم الإعلان عن سنة 2018 الجزائر سنة الثقافة الأمازيغية.
الأمازيغية.. هوية تبحث عن الاعتراف!!
خاتمة :
– الجميع متفق أن الشعب الجزائري أمازيغي الأصل.
– كان الشعب قبل الاستعمار الفرنسي واثنائه وبعده ثنائي اللغة (امازيغية و عربية) وموحد الدين (الإسلام).
– عملت الإدارة الاستعمارية على تفكيك الهوية الجزائرية بمحاربة الأمازيغية باسم العروبة، ثم محاربة العروبة باسم البربرية. – في بداية القرن العشريين ظهرت القومية العروبية كبديل لفشل الخلافة الاسلامية، ولقى المشروع تجاوبا لدى النخبة الوطنية المعربة .و تجسد خاصة بعد تأسيس جامعة الدول العربية سنة 1945 ، وتعديل النصوص الأساسية لحزب الشعب الجزائري الذي حدد هوية الجزائر بأنها أمة عربية إسلامية، و هو الطرح الذي رفضه جزء من مناضلي نفس الحزب. – كانت الأزمة البربرية سنة 1949، أزمة سياسية في الحركة الوطنية، ولم تكن أزمة هوية، بمعنى أن الإستعمار فكك هوية الشعب الجزائري وحارب كل ابعادها الثلاثة. – بيان أول نوفمبر ومؤتمر الصومام تحاشى الخوض في مسالة الهوية، و اكتفي بذكرالانتماء الاسلامي الموحد للجميع. – بعد الإستقلال ظهر تنافس بين النخب المفرنسة و المعربة من تولي المناصب في مؤسسات الحزب و الدولة. – استنجدت السلطة في الستينات و السبعينات من القرن الماضي بالعروبيين، في مخطط محاربتها للمعارضين السياسيين، فزرعت الفتنة بين النخبتين. – وكرد فعل ضد للديكتاتورية و سياسة التعريب بالقوة لاسيما في المناطق الناطقة بالأمازيغية، ظهرت في الستينات و السبعينات حركات سرية تناضل من أجل الثقافة الأمازيغية من ادباء و مفكرين و سياسيين و طلبة و فنانين. و كثيرا منهم تعرض للاعتقال والسجن و النفي. – تعتبر أحداث الربيع الامازيغي سنة 1980 المنعرج الحاسم في النظال من اجل الهوية الأمازيغية، بالخروج العلني من السرية بمطالب سياسية أهمها الديمقراطية و حرية التعبير والإعتراف بالثقافة و اللغة الأمازيغية و تأسيس حركة الثقافة البربرية. – الى جانب البربريين، ظهرت حركات اسلامية تطالب برد الإعتبار للشخصية الجزائرية الاسلامية، و تكريس البعد الإسلامي للجزائريين في الحياة السياسية و الثقافية.و هذه الحركات عرفت عدة اعتقالات في صفوفها. – حوادث اكتوبر عرفت التعددية السياسية، فعاد طرح مسألة الهوية الى الواجهة بين أحزاب سياسية تطالب بتطبيق الشريعة الاسلامية و ابراز البعد الإسلامي للجزائر، و أحزاب ديمقراطية تطالب بالإعتراف بالتعددية الثقافية للشعب الجزائري، و اعطاء مكانه للبعد الإمازيغي. – اختار جزء من التيار السياسي الإسلامي بعد وقف المسار الانتخابي المواجهة المسلحة مع السلطة لتجسيد مطالبه، متأثرين بالسلفية الجهادية بعد تنكره للمرجعية الدينية الجزائرية المجسدة في المذهب المالكي و الفكر البادسي. فأدى الى دخول الجزائر في دوامة عنف نتج عنها ما يزيد عن 200 ألف قتيل. – واصل دعاة الأمازيغية نضالهم بالوسائل السلمية والحضارية، للمطالبة بحقوقهم الهوياتية ، – نتيجة للضغط المتزايد من طرف دعاة الامازيغية و تصاعد تجنيدهم الشعبي، تكمنوا من الحصول على عدة مكاسب مابين 1990 الى 2016، من الموافقة على انشاء معهد اللغة الامازيغية سنة 1990 الى الموافقة على تعلم الأمازيغية في المدرسة وانشاء المحافظة السامية للأمازيغية عام 1995، الى الإعتراف بها لغة وطنية سنة 2002، ثم لغة رسمية سنة 2016. وفي كل هذه الخطوات لم تلق أي رفض من قبل النخبة و الوساط الشعبية التى ترى ذلك خطوة للتماسك الوطني بين أبناء الشعب الواحد. – عمل طرف في السلطة على استغلال القضية الأمازيغية و منطقة القبائل في العديد من المرات بتأجيجها عشية كل انتخابات رئاسية، كورقة ضغط ضد الأطراف الأخرى المتصارعة. – و بخصوص البعد الإسلامي للشعب الجزائري، أعادت الدولة الإعتبار للزوايا ،ومحاربة التطرف الديني، و التأكيد في أكثرمن مناسبة على المرجعية المالكية للجزائريين، ومحاربتها للتيار السلفي. – تراجع التيار الإسلامي المتشدد في السنوات الأخيرة عن معاداتهم للهوية الأمازيغية الى اعترافهم بالانتماء الأمازيغي للشعب الجزائري بعد ما يقارب قرن من الإنكار. – تراجع التيار الأمازيغي المتشدد من معاداتعم للتيار العربي والإسلامي بعد تقبل هذين الأخيريين للحق الطبيعى للثقافة و اللغة الأمازيغية. – تراجع التيار العروبي داخل السلطة و الاحزاب الموالية لها من الاستغلال المفرط للغة العربية الفصحى (لغة الخشب) في خطاباتهم و تدخلاتهم، و تبنيهم للعربية العامية التى يفهمها الشعب الجزائري بكل اطيافه. و في الختام نقول أن الشعب الجزائري فصل البداية في مسألة الهوية المبنية على الأصل الأمازيغي، و ثنائية اللغة (الامازيغية و العربية) ووحدة الدين المتمثل في الإسلام، أما الانقسام فقد ظهر على مستوى النخبة و للسلطة الحاكمة فقط، بالتوظيف الإيديولوجي لعناصرها سواء في عهد الإستعمار أو بعد الإستقلال خدمة لمصالح السلطة المتمثلة في البقاء في السلطة معتمدة على اسلوب الإقصاء والجهوية.
أما حاليا، فلم يعد الاشكال قائما أو حادا بخصوص الهوية وعناصرها بعد تكريسها في الدستور و تقبلها من طرف الجميع، أما الاختلاف حول الأمور التقنية المتعلقة باللغتين العربية و الأمازيغية حول سبل ترقيتهما و تعميمهما، ونرى أن هذا من اختصاص الأكاديميين وليس السياسيين. كما ان قلقا يسود الأوساط الشعبية والنخبة بخصوص المساس المرجعية الدينية الوطنية ونشر الطائفية في صفوف الجزائريين، بسبب تنامي التيارات المتطرفة والصراع الطائفي في العديد من الدول الإسلامية، مما يستدعي تضافر الجهود من اجل حماية الدين من أي توظيف سياسي أو المساس بالقيم الدينية الوطنية.
https://www.inumiden.com/ar/%D9%85%D8%B3%D8%A3%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%8A%D9%91%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84/