“إمدغاسن” المَعلم الأثري الأقدم في شمال إفريقيا.. شاهد على تاريخ الأمازيغ وحضارتهم في الجزائر
يمثل ضريح ”إمدغاسن“، بمحافظة باتنة الجزائرية، المَعلم الأثري الأقدم في شمال أفريقيا، ويعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهو شاهد على ازدهار وعظمة الحضارة الأمازيغية خلال الحقبة النوميدية، لكنه يشكو اليوم مخاطر الزوال بسبب عوامل طبيعية وعبث الإنسان.
ويعود هذا الضريح الضخم لأحد ملوك الأمازيغ الذين تركوا بصمتهم في الجزائر خلال الحقبة النوميدية، وصنّفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ”اليونسكو“ تراثا عالميا محميّا سنة 2002.
فقد بنى النوميديّون الضريح في القرن الثالث قبل الميلاد إجلالا لملكهم ”إمدغاسن“، أحد أقدم أسلاف القبائل البربرية الذين عاشوا شرق الجزائر؛ ما يعكس مكانة هذا الملك بين أفراد قبيلته والمستوى الذي بلغته حضارتهم في تلك الفترة.
وتصف ”اليونسكو“ الضريح بأنه ”يعود لواحد من أعظم ملوك نوميديا، ويحوي نقوشا بونيقية وإغريقية“، أما الجزائر فصنفته تراثا وطنيا محفوظا سنة 1967.
Mausolée Imadghassen Medracen / Les origines et l'histoire de tous les Amazighs (Algérie)
الأقدم في شمال أفريقيا
ويؤكد الباحث الجزائري الدكتور ساسي الحوامدي، أنّ هذا المعلم يُعتبر الأقدم بمنطقة شمال أفريقيا، محذرا من أنّه يواجه خطر الإتلاف والزوال، بسبب تاثيرات العوامل المناخية وعبث الإنسان، وفق تعبيره.
ويضيف الحوامدي في تصريح خاص لـ“إرم نيوز“، أنّ ”أعمدة هذا الضريح شهدت تصدّعا، كما شهدت القبة التي تغطيه بشكل مخروطي انهيار أجزاء منها، ما أدّى إلى تسرب مياه الأمطار، مع ما يطرحه ذلك من ارتفاع لنسبة الرطوبة وتأثيرها على أسس المبنى وجدرانه“.
وبحسب الباحثين في علم اللغة الأمازيغية، فإن اسم ”إمدغاسن“ هو اسم مركّب، ينقسم إلى قسمين، هما ”مدغ“ ويعني اسم الملك صاحب الضريح، و“سن“ وتعني العدد اثنين في اللغة الأمازيغية، ومن ثم فهو منسوب إلى الملك مدغ الثاني، أحد أقدم أسلاف القبائل البربرية الذين عاشوا شرق الجزائر.
وذهب كل من الباحثين الأمريكيين إليزابيث فنترس ومايكل بريت، في كتابهما ”البربر“، إلى أن ”إمدغاسن“ هو ثمرة إرادة وتنظيم محكم للجهود البشرية والمادية، والمعرفة التي كان عليها الحرفيّون النوميديون الماسيسيليون وقادتهم، الذين جسّدوا هذا البناء“، وفق تعبيرهما.
شكل مخروطي
وتمّ بناء ضريح ”إمدغاسن“ على شكل مخروطي يرتكز على قاعدة إسطوانية بقطر يبلغ 59 مترا، ويضمّ 60 عمودا يبلغ ارتفاعها 19 مترا، تحيط به بشكل دائري، ويضم ثلاثة أبواب منقوشة على الحجر وغرفة جنائزية هي مرقد الموتى.
ويشير علماء الآثار إلى أنّ الضريح يتخذ من الأعلى شكلا مخروطيا يزداد ضيقا كلما ارتفع، تماما مثل الضريح الملكي الموريتاني المشهور بقبر الرومية الواقع بمحافظة تيبازة غرب العاصمة الجزائر، وأهرامات ”دجدار“ الواقعة بمحافظة تيارت جنوب غرب العاصمة الجزائر، وبذلك أجمع علماء الآثار على أن الأمازيغ في تلك الحقبة كانوا يبنون أضرحتهم وفق هذه الهندسة.
ووفق مؤرخين، فقد تعرّض هذا المَعلم لمحاولة الهدم بعد نزع مثبتات الرصاص، وهي قوالب حجرية توضع فيها قطع خشبية ثم يصب عليها الرصاص لتكتسب القوة، وكانت تربط بين كل حجرين من الضريح من القاعدة لكن الضريح تمكن حتى الآن من الصمود في وجه هذه المحاولات التخريبية.
ويضغط نشطاء جزائريون على السلطات من أجل ترميم الضريح والحفاظ عليه كتراث عالمي وأحد مكونات التراث الجزائري.
ويقول نشطاء مهتمون بالتراث الجزائري، إنّ هناك صعوبة في تنفيذ الوعود المتكررة التي أطلقتها السلطات، وحتى جهات دولية أبدت رغبتها في المساهمة في الحفاظ على هذا المعلم، معتبرا أنّه لا توجد إرادة حقيقية لصيانته والحفاظ عليه.
الترميم
ووفق رأيهم، فإنّ الجهود التي بدأت منذ 1972 لترميم المعلم من طرف لجنة مشتركة جزائرية إيطالية لم يتم استكمالها، وكان تدخلها جزئيا ولم يكن ذا جدوى وفاعلية كبيرة؛ ما أدى إلى تدهور وضع الضريح وبات الأمر يتطلب تدخلا مدروسا لترميمه بصفة جذرية.
وقد تم إطلاق عدة مشاريع بالتعاون بين السلطات الجزائرية والاتحاد الأوروبي لصيانة وترميم عدة مواقع أثرية في الجزائر، شملت ضريح ”إمدغاسن“ بموازنة قدرت بنحو 21 مليون يورو، إضافة إلى برنامج دعم وتثمين التراث الثقافي ضمن اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والجزائر في سنة 2016.
كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مشروعا بتكلفة 175 ألف دولار لترميم الضريح بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية، التي أعلنت في فبراير2021 رصد موازنة لترميم الضريح.
ورغم الوضع الهش الذي يعيشه هذا المَعلم، لا تتردد جمعيات جزائرية في إقامة عدة نشاطات ثقافية ورياضية تهدف إلى الترويج لهذا المَعلم السياحي، والتذكير بأهمية المحافظة عليه وصيانته، من خلال تنظيم ”ماراثون إمدغاسن“، كما يحمل هذا المَعلم اسم مهرجان سينمائي دولي للفيلم الروائي القصير الذي يتم تنظيمه سنويا.
لـ“إرم نيوز“
https://amadalamazigh.press.ma/%d8%a5%d9%85%d8%af%d8%ba%d8%a7%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8e%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d8%af%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d9%85%d8%a7/?fbclid=IwAR0HWct0VaDtDcqpChzvwSSerZ9HuKZeDdYLNjgalqsCSJL3m0dnlc6CBug
يمثل ضريح ”إمدغاسن“، بمحافظة باتنة الجزائرية، المَعلم الأثري الأقدم في شمال أفريقيا، ويعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، وهو شاهد على ازدهار وعظمة الحضارة الأمازيغية خلال الحقبة النوميدية، لكنه يشكو اليوم مخاطر الزوال بسبب عوامل طبيعية وعبث الإنسان.
ويعود هذا الضريح الضخم لأحد ملوك الأمازيغ الذين تركوا بصمتهم في الجزائر خلال الحقبة النوميدية، وصنّفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ”اليونسكو“ تراثا عالميا محميّا سنة 2002.
فقد بنى النوميديّون الضريح في القرن الثالث قبل الميلاد إجلالا لملكهم ”إمدغاسن“، أحد أقدم أسلاف القبائل البربرية الذين عاشوا شرق الجزائر؛ ما يعكس مكانة هذا الملك بين أفراد قبيلته والمستوى الذي بلغته حضارتهم في تلك الفترة.
وتصف ”اليونسكو“ الضريح بأنه ”يعود لواحد من أعظم ملوك نوميديا، ويحوي نقوشا بونيقية وإغريقية“، أما الجزائر فصنفته تراثا وطنيا محفوظا سنة 1967.
Mausolée Imadghassen Medracen / Les origines et l'histoire de tous les Amazighs (Algérie)
الأقدم في شمال أفريقيا
ويؤكد الباحث الجزائري الدكتور ساسي الحوامدي، أنّ هذا المعلم يُعتبر الأقدم بمنطقة شمال أفريقيا، محذرا من أنّه يواجه خطر الإتلاف والزوال، بسبب تاثيرات العوامل المناخية وعبث الإنسان، وفق تعبيره.
ويضيف الحوامدي في تصريح خاص لـ“إرم نيوز“، أنّ ”أعمدة هذا الضريح شهدت تصدّعا، كما شهدت القبة التي تغطيه بشكل مخروطي انهيار أجزاء منها، ما أدّى إلى تسرب مياه الأمطار، مع ما يطرحه ذلك من ارتفاع لنسبة الرطوبة وتأثيرها على أسس المبنى وجدرانه“.
وبحسب الباحثين في علم اللغة الأمازيغية، فإن اسم ”إمدغاسن“ هو اسم مركّب، ينقسم إلى قسمين، هما ”مدغ“ ويعني اسم الملك صاحب الضريح، و“سن“ وتعني العدد اثنين في اللغة الأمازيغية، ومن ثم فهو منسوب إلى الملك مدغ الثاني، أحد أقدم أسلاف القبائل البربرية الذين عاشوا شرق الجزائر.
وذهب كل من الباحثين الأمريكيين إليزابيث فنترس ومايكل بريت، في كتابهما ”البربر“، إلى أن ”إمدغاسن“ هو ثمرة إرادة وتنظيم محكم للجهود البشرية والمادية، والمعرفة التي كان عليها الحرفيّون النوميديون الماسيسيليون وقادتهم، الذين جسّدوا هذا البناء“، وفق تعبيرهما.
شكل مخروطي
وتمّ بناء ضريح ”إمدغاسن“ على شكل مخروطي يرتكز على قاعدة إسطوانية بقطر يبلغ 59 مترا، ويضمّ 60 عمودا يبلغ ارتفاعها 19 مترا، تحيط به بشكل دائري، ويضم ثلاثة أبواب منقوشة على الحجر وغرفة جنائزية هي مرقد الموتى.
ويشير علماء الآثار إلى أنّ الضريح يتخذ من الأعلى شكلا مخروطيا يزداد ضيقا كلما ارتفع، تماما مثل الضريح الملكي الموريتاني المشهور بقبر الرومية الواقع بمحافظة تيبازة غرب العاصمة الجزائر، وأهرامات ”دجدار“ الواقعة بمحافظة تيارت جنوب غرب العاصمة الجزائر، وبذلك أجمع علماء الآثار على أن الأمازيغ في تلك الحقبة كانوا يبنون أضرحتهم وفق هذه الهندسة.
ووفق مؤرخين، فقد تعرّض هذا المَعلم لمحاولة الهدم بعد نزع مثبتات الرصاص، وهي قوالب حجرية توضع فيها قطع خشبية ثم يصب عليها الرصاص لتكتسب القوة، وكانت تربط بين كل حجرين من الضريح من القاعدة لكن الضريح تمكن حتى الآن من الصمود في وجه هذه المحاولات التخريبية.
ويضغط نشطاء جزائريون على السلطات من أجل ترميم الضريح والحفاظ عليه كتراث عالمي وأحد مكونات التراث الجزائري.
ويقول نشطاء مهتمون بالتراث الجزائري، إنّ هناك صعوبة في تنفيذ الوعود المتكررة التي أطلقتها السلطات، وحتى جهات دولية أبدت رغبتها في المساهمة في الحفاظ على هذا المعلم، معتبرا أنّه لا توجد إرادة حقيقية لصيانته والحفاظ عليه.
الترميم
ووفق رأيهم، فإنّ الجهود التي بدأت منذ 1972 لترميم المعلم من طرف لجنة مشتركة جزائرية إيطالية لم يتم استكمالها، وكان تدخلها جزئيا ولم يكن ذا جدوى وفاعلية كبيرة؛ ما أدى إلى تدهور وضع الضريح وبات الأمر يتطلب تدخلا مدروسا لترميمه بصفة جذرية.
وقد تم إطلاق عدة مشاريع بالتعاون بين السلطات الجزائرية والاتحاد الأوروبي لصيانة وترميم عدة مواقع أثرية في الجزائر، شملت ضريح ”إمدغاسن“ بموازنة قدرت بنحو 21 مليون يورو، إضافة إلى برنامج دعم وتثمين التراث الثقافي ضمن اتفاقية بين الاتحاد الأوروبي والجزائر في سنة 2016.
كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية مشروعا بتكلفة 175 ألف دولار لترميم الضريح بالتعاون مع وزارة الثقافة الجزائرية، التي أعلنت في فبراير2021 رصد موازنة لترميم الضريح.
ورغم الوضع الهش الذي يعيشه هذا المَعلم، لا تتردد جمعيات جزائرية في إقامة عدة نشاطات ثقافية ورياضية تهدف إلى الترويج لهذا المَعلم السياحي، والتذكير بأهمية المحافظة عليه وصيانته، من خلال تنظيم ”ماراثون إمدغاسن“، كما يحمل هذا المَعلم اسم مهرجان سينمائي دولي للفيلم الروائي القصير الذي يتم تنظيمه سنويا.
لـ“إرم نيوز“
https://amadalamazigh.press.ma/%d8%a5%d9%85%d8%af%d8%ba%d8%a7%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8e%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d8%af%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d9%85%d8%a7/?fbclid=IwAR0HWct0VaDtDcqpChzvwSSerZ9HuKZeDdYLNjgalqsCSJL3m0dnlc6CBug