"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0411

هل من الممكن أن تعتبرها دول أوروبية واحدة من أبرز عناصر تراثها الثقافي؟ وأكثر من ذلك هل تستحق أن تكون واحدة من أعرق التقاليد، ويثور حول أصلها وفكرة منشأها سجال على مدى قرنين؟
نعم كل ذلك ممكن إذا كان الحديث يدور عن البطاطا المقلية التي يبلغ استهلاك العالم منها خلال ثانية من الزمن نحو 350 كيلوغراما، أي أكثر من 30 ألف طن في اليوم الواحد، بينما يبلغ معدل استهلاك الفرد منها نحو 10 كيلوغرامات سنويا.
كيفما جرى تقديمها سواء على شكل وجبة جانبية أو رئيسية، وكيفما تعددت أشكالها سواء كانت أصابع أو أعوادا رفيعة، أو تلك التي تسمى بطاطا بونوف، فكلها من فنون الأكل المرتبطة بها وبالثقافة المتعلقة بها المعترف بها عالميا، فهي ترقى لأن تكون ظاهرة بكل ما في الكلمة من معنى.
في هذا الفيلم الطريف الذي تبثه الجزيرة الوثائقية تحت عنوان "قصة البطاطس المقلية" نتعرف على أسرار البطاطا المقلية، ونتعرف على الجدل القديم الدائر بشأن من يكون له شرف الانتساب، بين بلجيكا الدولة الأولى في استهلاك البطاطا وفرنسا التي تليها.



جسر بونوف الباريسي.. بداية بيع البطاطا خلال الثورة الفرنسية
على مدى قرنين من الزمان كان البلجيكيون والفرنسيون يتجادلون حول أصل البطاطا المقلية وأنواعها وطرق تقطيعها ودرجة حرارة القلي ومدة الطهي، ولحل هذا اللغز قام معد الفيلم "فرانس وارجيز" بمقابلة عدد من المختصين من بائعي البطاطا المقلية والكتاب في مجال الطبخ، إضافة إلى بعض العلماء والمؤرخين والمختصين في الأطعمة المقلية، وسافر أكثر من 800 كيلومتر، جرب فيها العديد من المطاعم والحانات الباريسية الصغيرة، إلى أكشاك البطاطا المقلية في بروكسل.
ينقلنا "وارجيز" في رحلة ممتعة في التاريخ والعلوم والجغرافيا وفنون الطبخ لنتعرف على البطاطا المقلية التي انتقلت تاريخيا من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا، ولإنهاء الجدل الدائر، ولمعرفة أيهما أفضل في مجال البطاطا المقلية بلجيكا أو فرنسا، قام "فرانس وارجيز" بجمع أربعة من المحترفين المتميزين للمشاركة في مسابقة لصنع أفضل بطاطس مقلية، والتقى على جسر بونوف الباريسي بمرافقته "آنا" التي ستصحبه في رحلته الشهية هذه.
تقول "آنا": جسر بونوف أقدم الجسور في باريس، نحن على نهر السين، وهو المكان الذي نشأت فيه البطاطا المقلية، فقد جرى تحضيرها وبيعها على هذا الجسر إبان الثورة الفرنسية، وبعد ذلك أثبت الصيدلاني الفيلسوف "أنطوان بارمنتييه" أن البطاطا المقلية صالحة للأكل وأنها غذاء جيد.
كانت باريس في ذلك الوقت تعج بالباعة الصغار، وكانت تلك بداية طعام الشوارع، فقد اتخذ الباعة لأنفسهم تجاويف خاصة على الجسر، وهكذا كانت أماكن التجارة، القليل من كل شيء كالسمك والخضراوات والفواكه والبطاطا المقلية.
اكتشفت البطاطا في أمريكا الجنوبية قبل الميلاد بألفي عام، وكانت تزرع في البيرو ووصلت إلى أوروبا في منتصف القرن السادس عشر، وزرعت منها 1570 حبة في إسبانيا، ثم بعد ذلك انتشرت في أوروبا، وكان يعتقد أنها تسبب الجذام وأنها غير صحية، لذا استخدمت علفا للماشية، وتناولها الناس فقط في أوقات الشدة.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0412
جسر بونوف أقدم جسور باريس على نهر السين.. هنا نشأت البطاطا المقلية

استبدال الخبز.. تلميع صورة البطاطس لتفادي المجاعة
تنحدر البطاطا من سلالة سولانوم تبروزوم، فمن التبروزوم تأتي الدرنات، أما السولانوم فهي من فصيلة السلانين من جذور السولا، والسلانين سم عصبي.
البطاطس عبارة عن درنة تنبت البراعم، من أجل منع الدرنات من التحول للون الأخضر، وإذا أصبح لونها أخضر، فهذا يعني أنها تعرضت للضوء، يؤدي ذلك لتشكل الكلوروفيل، وبذلك يؤدي الضوء لتطور السلانين.
لا ينصح بأكل القشرة لأن السلانين يتركز تحتها مباشرة، فإذا أكل الشخص طبقا من قشر البطاطا فسيمرض، لكن إذا أكلت حبتين بالقشر وهي كمية مناسبة لشخص واحد، فإن نسبة السلانين لن تسبب أي ضرر.
وخلال القرن العشرين، أصبحت سمعة البطاطا أقل تشويها، إذ قام "أنتوان بارمنتييه" بجهود استثنائية لاستبدال الخبز بها، لأنه أدرك أن محصول القمح القليل قد يؤدي لحدوث مجاعة، لكن زراعة البطاطا كانت أسهل بكثير.
في القرن الثامن عشر كانت البطاطا تزرع بشكل واسع في شرق فرنسا وشمالها بسبب التربة الطينية العميقة الخالية من الحجارة، وبسبب الأمطار المعتدلة خلال فترة النمو التي تمتد من أبريل/ نيسان حتى سبتمبر/ أيلول.



بطاطا سامبا.. سيدة المقليات تتفوق في الحجم والطعم
يجب أن تكون حبة البطاطا المقلية كبيرة الحجم لأن طول أصبعها مهم جدا، ويطلب رؤساء الطهاة (الشيفات) دائما البطاطا الكبيرة، "ليست كتلك التي تغمسها في الصلصة فتجد كل أصابعك قد لطخت"، كما يقول أحدهم.
أما المعيار الثاني فهو احتواؤها على ما يكفي من المادة الجافة، إذ تحتوي البطاطا على 80% من الماء والباقي من المادة الجافة، والسر في المقلية هو امتلاك منتج جيد في المقام الأول كبطاطا البنجي وهو نوع يزيد عمره على مئة عام، لكن مع تغير الظروف المناخية أصبحت أكثر ندرة.
بطاطس البنجي ليست مثالية للتقشير، وهناك نوعان ممتازان للقلي هما بونتان وأرتيمس، وكذلك أغاثيا وأغاريا، وميزتهما أن نسبة النشا قليلة، وهذا ما يصنع الفارق في البطاطا المقلية.
أما نوعية سامبا فهي الأفضل على الإطلاق لعمل البطاطا المقلية، لأن حجمها ثلاثة أضعاف حجم البطاطا العادية، وهناك محصول واحد فقط في السنة، ويقومون بتخزين البطاطا الناضجة حتى العام القادم ويجري تخزينها في صومعة مثل الماضي تماما، أما ألذ أنواعها فتكون من شهر فبراير/ شباط حتى مارس/ آذار.
أثناء وجود البطاطا في حاويات التخزين يزداد مستوى السكر فيها بشكل طبيعي، وبناء على ذلك يختلف المذاق مع الوقت، وعند قليها سيتحول لونها للبني مباشرة بسبب نسبة السكر العالية، لذا على الزبون تقبل تغير المذاق.
انتقلت البطاطا المقلية في فرنسا من جسر بونوف حتى وصلت ساحة غريف، وكذلك وجدت النساء مكانا في مجال بيعها خارج المسارح في عشرينيات وثلاثينيات القرن التاسع عشر، وشكلت ثقافة لكثير من الناس والعمال والمتشردين، ثم وصلت بعد ذلك إلى بلجيكا، فأصبح البلجيكيون يأكلون البطاطا بشكل كبير منذ الصغر، وظهرت ثقافة الفريكوت (محلات صغيرة لبيع الأطعمة المقلية)، وهو تعبير مستخدم في بروكسل، وبعد فترة حل محله مصطلح (الفريت تي).

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0413
فريدرك كريجر أول من نقل فن صناعة البطاطا المقلية من فرنسا إلى بلجيكا

أرض المعارض.. اختراع أول أكشاك البطاطا البلجيكية
عمل الشاب الموسيقي "فريدريك كريغر" في أرض المعارض في بروكسل كعازف، وكان قد تعلم قلي البطاطا في باريس ثم عاد إلى بلجيكا، وفتح أول كشك لبيعها عام 1844 في أرض المعارض، ويمكن القول إنه مخترع أكشاك البطاطا المقلية في الشوارع التي انتشرت بشكل كبير في بلجيكا في محطات القطارات وأمام الكنائس.
وقد استخدم "كريغر" الطريقة الباريسية في قليها، ولقد لاقت رواجا كبيرا في بلجيكا، يقول أحد أحفاده إنه لا يزال يعمل في أرض المعارض هو وأطفاله، كما كان يبيع أبوه وجده.
في قرية بيكغم التي يسكنها ألفا نسمة يوجد أربعة أكشاك لبيع البطاطا المقلية، فهي بالنسبة للبلجيكيين خبزهم اليومي، وبالنسبة لسكان فلاندرز فهي عشقهم. تقول إحدى المشتريات: كان والداي يأتيان إلى هذا الكشك وأنا آتي إليه منذ زمن، لذا فهو أمر يسري في العائلة.
ويقول مشتر آخر: أعرف هذا الكشك منذ كان عمري 18 عاما، كنا نذهب كل سبت لنادٍ للرقص مقابل متجر فرنسا ثم نتناول البطاطا، وما زالت البطاطا عندهم مصنوعة في المنزل، ومذاقها جيد وأطفالي يأتون إلى هنا أيضا.
يقول صاحب الكشك إن فكرته تعود لوالده منذ خمسين عاما، فقد كان فلاحا من أصحاب الأملاك الصغيرة وكان يصنع البطاطا المقلية في نهاية الأسبوع، ولم يكن الأمر مقتصرا على قليها فحسب، بل يتضمن كل التحضيرات من الحصاد والتخزين والتصنيف إلى التقشير والتقطيع والقلي.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0414
تطورت صناعة تحضير البطاطس المقلية في بلجيكا على وتيرة أكبر منها في فرنسا

"أنا أسميهم الراقصين الصغار".. مراحل تطور عملية القلي
منذ القرن التاسع عشر أصبحت البطاطا على شكل عصا هي الأكثر شيوعا، ومنذ العام 1840 كان لديهم شكل البطاطا التي نتناولها اليوم، وأخذت تتطور إلى أن وصلت إلى ما يسمى أعواد ثقاب البطاطا، وقد جرى توحيد شكل البطاطا المقلية من قبل أسطورة عالم الطبخ الفرنسي "إسكوفير"، فالتقليدية منها تقطع بسمك نصف سم، أما بطاطا بونوف فتقطع بسماكة 1 سم.
منح "دانييل تلين" في بلجيكا وسام الاستحقاق الوطني عن البطاطا المقلية، وهي أفضل جائزة في التسلسل الهرمي لأفضل الخبراء. يقول دانييل: أفضل بطاطا مقلية تكون بحجم 13×13 ملم، وطولها 7 إلى 8 سم، لجعلها مقرمشة من الخارج طرية من الداخل.
وكلما رقت البطاطا زادت قسوة جوانبها فالأصغر حجما ممتلئة بالدهون أكثر، وتقول "آنا" في باريس غالبا ما نستخدم شحم الخنزير أو الزبدة، وفي الوصفات التقليدية كان يستخدم مزيج من الدهون الحيوانية من شحم الخنزير والبقر ودهن الخيول، ويتغير مذاقها لأنها تمتص 10% من الدهون المستخدمة في القلي، أما اليوم فإنما يستخدمون زيت دوار الشمس والفول السوداني أو أي زيت نباتي، وتحتاج الزيوت النباتية لدرجة حرارة عالية، لأنها في الغالب مكررة، وقد يستخدم زيت الزيتون أيضا.
يقول "دانييل": في بلجيكا تستخدم دهون الأبقار في الغالب، ويكون مذاقها كمذاق اللحم، فإن كنت تحبه فستكون إضافة رائعة، وقد تكون البطاطا المقلية بزيت نباتي مقرمشة وطرية، لكنها عديمة الطعم.
ويمكن للبطاطا المقلية بشحم البقر أن يضاف إليها الملح فقط دون الحاجة إلى غيره، وتكون البطاطا البلجيكية ذات نكهة قوية ورائحة نفاثة، إذ يستخرج الشحم من الشحم الذي يتكون حول كليتي البقرة الضخمتين، وهو بالعادة يعمل على حماية الكلية.
يقول أحد الطهاة: عليك أن تضع البطاطا في النار طويلا وتسحقها وتجعلها تصدر أصواتا، ويجب تحريكها باستمرار، وهذا سر الجمال، لأن الزبون يحب المذاق والرائحة. ويقول "دانييل": عليك أن تحب هذه الأشياء، أنا أسميهم الراقصين الصغار.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0415
يتنافس محضرو البطاطس المقلية في المنتج النهائي لها من حيث اللون والطعم والطول

"نقدم البطاطا الذهبية التي تمتاز بمذاقها الرائع".. تراث بلجيكي
منحت السجلات ثقافة الفريكوت حالة التراث الثقافي غير المادي، إذ يعتبر البلجيكيون البطاطا المقلية جزءا من تقاليدهم الراسخة وطبقا رئيسيا.
يقول أحد المؤرخين: ليس لديهم في فرنسا تقليد هام كالذي لدينا في بلجيكا، وقد انتقلت إليهم في مقاطعة فلاندرز في نفس الوقت الذي انتقلت إليه في بلجيكا، وهما المنطقتان اللتان ما زالتا تزرع فيهما البطاطا بكثرة.
يقول "جان مارك كولون"، وهو أحد الباعة في مقاطعة فلاندرز: نقدم البطاطا الذهبية التي تمتاز بمذاقها الرائع، وقد امتلك والدي كشك بطاطا في العام 1986، وبدأت العمل من وقتها.
قام "أرناود" بجلب البطاطا المقلية إلى مدينة ليل الفرنسية، ويقول ابنه: قمنا بتعديل الكشك وفقا للألوان المصرح بها، ويجري إعداد الصلصة الحارة في المنزل، وكذلك جبنة ماروال والتشدر التي توضع على رقائق البطاطا.
يقول "فرانس وارجيز": مذاقها لذيذ ورائع، وجبنة ماروال غيرت مذاق كل شيء، مذاق مركز ولاذع، إنها لذيذة وساخنة ونسيجها جيد.
مراحل القلي والتبريد.. صناعة التفاصيل الشهية
حصل مطعم ريفي على نجمة ميشيلان، فهم يقومون هناك بتحضير مخاريط البطاطا، وهي الطبق الرئيسي لديهم، ثم يضيفون عليه رغوة جبنة ماروال ومسحوق البصل المشوي.
ما يميزهم أنهم يزرعون البطاطا في حقل خاص بهم، ويستخدمون نوعين منها هي البنجي والموناليزا، وفي الآونة الاخيرة قلّت كميات البنجي بسبب تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، لذا يضطر المزارعين لزراعة أنواع أخرى.
علميا ليس من المهم أن تكون درجة الحرارة 130 أو 140 درجة مئوية، فكل ما يهم أن تكون مطهية بشكل جيد، وبعد أن تتعرض لدفقات حرارة، يتشكل نوع من الحساء اللزج وهو النشا، وسرعان ما يجف هذا الهلام مشكلا قشرة، ويستغرق القلي الأول ما بين 6-8 دقائق، وهو وقت كاف لتنفجر الخلايا في المنتصف وتحصل على الليونة.
يقول أحد الشيفات (رئيس الطهاة): عندما يصبح شكل البطاطا كالتي نأكلها في باريس نزيلها من الزيت ونتركها في حرارة الغرفة دون تغطية، ويجب أن ترتاح ثلاث ساعات على الأقل فلا بد لها أن تبرد، ولو قمنا بقليها على الفور فلن تكون جيدة، وبعد ذلك تقلى لمدة ثلاث دقائق على درجة حرارة 190 مئوية، وإنما تغطس بشكل سريع ويجري تحميرها بلطف، وهذا ما يمنحها القشرة، ثم نتوقف عندما نصل إلى اللون الذي نريده.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0416
لعشقهم البطاطس المقلية يفضل مشجعو الفرق أكلها في ستادات كرة القدم

تفاعل ميلارد.. زيوت تصنع النكهة والرائحة والقرمشة
مع الحرارة يحصل تفاعل ميلارد، وهو تفاعل يحدث عندما يتفاعل السكر والبروتينات، ويحصل منه العديد من النواتج، أي مئات المركبات التي تنتج اللون والرائحة، فهما يوجدان في جميع الأطعمة المطهوة على درجة حرارة عالية، ولا يمكن رفع درجة الحرارة في الماء إلى أكثر من مئة درجة.
لذا فإن تفاعل ميلارد لن يحدث ولن تتحمر البطاطا في الماء، ويبقى لونها مثل لون النيئة، بينما في الزيت يتغير لونها وتتحمر، ويرجع طعم البطاطا المقلية أيضا لتفاعل ميلارد، ونجد النكهة على السطح، وأما الداخل فيبقى طريا، وتصدر الرائحة أيضا من المركبات الناتجة عن التفاعل.
إنها مقرمشة وهذا نادر في الطبخ العادي، فحتى القرن التاسع عشر كان الطعام المقرمش حكرا على الأطعمة الفاخرة كعجينة الباف باستري أو الأطعمة المقلية، وكانت متوفرة للأغنياء فقط، وكان الفقراء يتناولون الطعام المسلوق، وقد تكون قرمشة البطاطا المقلية وثمنها الرخيص هما سبب نجاحها الباهر.
"لا نأكل في المنزل لكي نتناول البطاطا المقلية في الملعب"
انتقلت صناعة البطاطا المقلية من جيل إلى جيل، وهناك سلالات في الشمال الفرنسي من بائعيها مثل "أرماند" الذي ينحدر من إحدى تلك العائلات، وكذلك "جان بول دامبرين" من عائلة "سنساس".
يقول "جان بول دامبرين": لا إنها ليست إمبراطورية، فهم يعتقدون أنني مليونير، لكن ليس الأمر كذلك، أنا أحضر بطاطا مقلية، لقد ملكت ثلاثة وعشرين كشكا، فمنذ اليوم الأول من تسريحي من الجيش في عام 1969، قمت ببيع أول عبوة بطاطس مقلية، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف.
إن مشجعي الرياضة كما هو معروف يحتاجون لملء بطونهم قبل أن يدخلوا الملعب، ليتمكنوا من الصراخ وتشجيع فريقهم. يقول أحد المشجعين: نحن لا نأكل في المنزل لكي نتناول البطاطا المقلية في الملعب، وهي إحدى طقوس المباراة عندما يلعب فريقي، إنها لذيذة ورائعة.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0417
ملأت البطاطس المقلية شوارع بلجيكا، بعد أفولها من شوارع باريس

"عندما نتناولها لا نفكر بصحتنا".. مصدر جيد للطاقة
البطاطا مصدر جيد للطاقة، فهي تملك 80 سعرة حرارية لكل 100 غرام، وإذا ما كانت مقلية تصل سعراتها الحرارية لـ500 سعرة حرارية. يقول فرانس: عندما نتناولها لا نفكر بصحتنا.
وتمتاز البطاطا المقلية بلذتها إضافة إلى كونها غير مكلفة، وهي كذلك قاسم مشترك لجميع الناس على اختلاف مستوياتهم المعيشية، كما أنها رمز للطعام العالمي، وتمتلك شعبية كبيرة في موسيقى الأكورديون الفرنسية، وقد غنى لها "إيف مونتان" أغنية "مخروط البطاطا المقلية" (Cornet de Frite)، وهي قصص جميلة للناس، مثل قصص الحب، ففي العادة تفضل الفتيات مخروط البطاطا مع طبقة من الزهور.
وفي كثير من الأحيان ترتبط البطاطا المقلية بالطفولة وتعيدنا إلى الماضي، ويفضل كثيرون بطاطا أمهاتهم وجداتهم. يقول أحد الشيفات: تشعرك البطاطا بالدفء، لذا ينبغي تناولها في يوم حزين، وتعتبر للكثيرين طبقا مبهجا، وهناك مقولة فرنسية تقول "السعادة هي طبق إضافي من البطاطا المقلية في مطعم نينس".
يقول صاحب مطعم نينس: حتى السبعينيات لم يكن الأربعاء هو يوم العطلة لدى الأطفال بل يوم الخميس، وكانوا يحبون تناول البطاطا المقلية فيه وهذا لم يتغير أبدا".
وفي مطعم آخر يقول الشيف: أفضل ما يرافق طبق الدجاج المشوي هو طبق البطاطا المقلية، وهما من الأطباق التقليدية المطهوة في المنزل، وهو مزيج مثالي، لذا يحب الناس المجيء إلى هنا.
وفي فرنسا توجد البطاطا المقلية في الحانات الصغيرة والمطاعم الشعبية، لكن لا يوجد كثير من الطهاة الحاصلين على نجمة ميشلين. تقول "آنا": قد يتوتر الطهاة من تحضير البطاطا المقلية، إنها صعبة حقا، لذا أصبحت طبقا رئيسيا في المطاعم الشعبية والحانات الصغيرة وبعض المطاعم الراقية.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0418
يختلف طعم البطاطس المقلية تبعا لنوع الزيت المستخدم في قليه

من دهون الحيوان إلى الزيت النباتي.. سباق الجودة
اشتهر الذوّاق "رياغ سافاغه" في أوائل القرن التاسع عشر بحكمه على جودة الطاهي من خلال قدرته على قلي الطعام، لأنه ليس من السهل الحصول على ناتج جيد من القلي بحيث يكون جافا ومقرمشا، وقد امتلأت كتب الطبخ في القرن الثامن عشر بالنصائح حول كيفية القلي من خلال الاختبارات كحجم القطعة واختبار البطاطا والزيوت.
يقول "ماكسيم بوتييه": المرحلة الحاسمة هي طهي البطاطا في الماء أولا ثم في الزيت مرتين، ثم توضع في المبرد السريع، ثم تقلى بدرجة حرارة 175 درجة مئوية، وبصراحة جاءت فكرة تغيير القلي من أصدقائنا البلجيكيين الذين كانوا روادا في الترويج للبطاطا المقلية، لكننا بحاجة للقيام بشيء مختلف، نحن لا نستخدم الدهون الحيوانية بل الزيت النباتي.
أما في هولندا فهناك طاهٍ حاصل على نجمة ميشلين افتتح مكانا يسمى "فريتس اتيلي"، ويقدم البطاطا المقلية مع عبوتين من الصلصة مقابل 5.5 يورو، وهو مبلغ كبير مقارنة بالبطاطا التقليدية.
يقول صاحب المطعم في بلجيكا: تعتبر البطاطا المقلية من قائمة طعام الشوارع، ولقد أردت رفع المستوى قليلا، فأنا أستخدم بطاطس أغاريا، وكان تحديا أن نجد أفضل نوع من البطاطا، فنحن لا نقشرها إذ أن القشر مهم للطعم، ويمكن الشعور بطعم التربة والمنطقة التي زرعت فيها البطاطا، حيث تنضج في البداية على البخار، ثم تجفف وتقلي، ثم تقلى مرة أخرى، وبعد ذلك تملح بملح البحر مخلوطا بنبات الخريزة.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0419
الأطفال هم الأكثر عشقا للبطاطس ورقائقها

"حولناها إلى ثقافة شعبية عالية".. صراع المخترع والمطور
يقول "ماكسيم بوتييه": في فرنسا اتكأنا على أمجادنا لفترة طويلة، أما بالنسبة لي فحتى لو كنت لا أرغب في قول إننا نصنع البطاطا الفرنسية، فإننا نحاول أن نضمن أن المنتج جزء تقليدي من المطبخ الفرنسي، أما البلجيكيون فيدافعون عن البطاطا المقلية بكل حماسة ويحاولون منحها مكانة الإرث العالمي من قبل اليونسكو".
يقول مؤرخ فرنسي: أنا لم أقل إن لدينا بطاطس سيئة في فرنسا، لكن أظن أنها على عكس البطاطا البلجيكية، فإنها في فرنسا تقدم كطبق جانبي مع شرائح اللحم وما إلى ذلك، أما في بلجيكا فهم يقولون نحن ذاهبون لتناول البطاطا المقلية.
ويقول مؤرخ بلجيكي: كانت البطاطا المقلية لعقود عدة جزءا من الثقافة البلجيكية، وكانت بلجيكا هي الأساس، في حين تخلى الباريسيون عنها، وهذا خطؤهم، فقد توقفوا عن إعدادها وتناولها، ونحن أعددناها ثانية وحولناها إلى ثقافة شعبية عالية، ومن حيث المؤسسات لدينا الاتحاد الوطني لصانعي البطاطا المقلية، والدولية للبطاطس المقلية البلجيكية، لذا فهي بلجيكية.

"قصة البطاطس المقلية".. صراع الملكية التراثية بين فرنسا وبلجيكا 0420
مسابقة تحضير البطاطس الفرنسية والبلجيكية.. وتفوز الفرنسية أخيرا

صراع الجبابرة في باريس.. انتصار البطاطا لموطنها الأصلي
يقول "فرانس وارجيز": وأخيرا حل الغموض حول أصل البطاطا المقلية، وعلينا أن نقرر بين فرنسا وبلجيكا، لنعرف أي البلدين يقدم أفضل بطاطس مقلية في العالم، من أجل ذلك قمنا بتنظيم مسابقة صراع الجبابرة في باريس بين أكشاك البطاطا المقلية.
هناك أربعة مرشحين كل منهم يمثل لونا، والفكرة أن نحكم على البطاطا دون معرفة صاحبها، لأجل ذلك جمعنا 4 من كبار الصانعين والمحترفين من بلجيكا وفرنسا، وهم:
1. البلجيكي "دانييل تلين" الحاصل على وسام الجدار للبطاطس المقلية وعدة جوائز أخرى.
2. البلجيكي "باتريك دكورتييه" الذي ينحدر من عائلة أصحاب الأكشاك منذ عام 1892.
3. الفرنسي "جان بول دامبرين" الذي يعتبر رمزا في الشمال الفرنسي، ولديه خمسون عاما من الخبرة.
4. الفرنسي "ماكسيم بوتييه"، وهو منافس شاب من مدينة ليون، وقد ابتكر طريقة جديدة لطهي البطاطا المقلية.
ولتحديد الفائز دعونا صفوة الصفوة، وهما لجنتا تحكيم بلجيكية وفرنسية، حيث سيصوت كل واحد منهم للبطاطس المفضلة لديه، وقد كان السباق محتدما بين من يشجع البطاطا الفرنسية ومن يدافع عن التقاليد البلجيكية، وقد فاز بالسباق "ماكسيم بوتييه" من مطعم كروستيليه من ليون الفرنسية.





https://doc.aljazeera.net/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B7%D8%A7%D8%B7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA/?fbclid=IwAR0YaVTNg86WvL8DZjzmdkvRp0RY_4OIt-4jnb4ikcpldYqi-GzzXc7hJ10