7 تحديات تعيق تنشئة طفل مرن نفسيا
قد يبدو في الظاهر أن آباء اليوم فرصهم أسهل من أي وقت مضى لتنشئة طفل أقرب للسواء النفسي؛ فعلى الأقل هم غير مضطرين للذهاب إلى النهر لغسل الملابس؛ ومن الواضح أن المجتمع المعاصر قدم العديد من المزايا التي تجعل من السهل الحفاظ على صحة الأطفال، ولكن في الوقت نفسه، هذا العالم الرقمي الذي نعيشه يصعب على الآباء تنشئة أطفال مؤهلين لمواجهة تحديات الحياة.
حيث أن تنشئة الأطفال حتى يصبحوا مسؤولين كبارا هي مهمة تحتاج لمرونة ومتانة نفسية (Psychological resilience)؛ وهذه بعض الأسباب التي تجعل امتلاك هذه المرونة النفسية أمرا صعبا على آباء اليوم:
1. السعادة هي الهدف
كل ما يحيط بك من أشياء وأشخاص يخبرك أن الهدف هو أن تجعل طفلك سعيدا، وقد تجد نفسك تلهث لتحصيل الأشياء التي تجعل أطفالك سعداء لأنك صدقت أن "السعادة هي الهدف"، ولكن إذا اعتبرت أن سعادة أطفالك هي الهدف الأساسي والأوحد فإنك ستجد نفسك تسمح لهم بتناول أطنان من الآيس كريم مثلا، أو تسمح لهم بقضاء 24 ساعة يوميا أمام ألعاب الكمبيوتر.. فهذه هي السعادة اللحظية بالنسبة لهم؛ ولكن على المدى الطويل هذه السعادة الوقتية ستجعل حياتهم بائسة.
ونحن كآباء وأمهات علينا أن ندرك أن السعادة هي عرض وناتج ثانوي كبير ومهم وليست هدفا في حد ذاتها، لذا من المهم تركيز قدر لا بأس به من جهدك في تعليم أطفالك المهارات التي لن تجعلهم بالضرورة سعداء في الوقت الراهن، ومنها الانضباط الذاتي، وضبط الاندفاعية، وتنظيم العواطف؛ فهذه هي المهارات الضرورية للسعادة على المدى الطويل.
2. وسائل التواصل الاجتماعي تشعل المنافسة بين الآباء والأمهات
معظم الآباء يريدون تبادل الصور لأطفالهم أثناء تمتعهم بالعطلات العائلية، أو أثناء مشاركتهم في الألعاب الرياضية، أو أثناء تلقي جوائز التفوق الأكاديمي أو الرياضي.. معظم الآباء والأمهات يريدون أن يتفاخروا بأولادهم على الفيسبوك وإنستاغرام وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكن النتيجة أنه بدلا من أن تستغرق في فرحتك الخاصة جدا مع أسرتك فإنك أصبحت مشغولا بإظهار تميز أطفالك ومشغولا بالمنافسة مع الآباء والأمهات الآخرين رغبة في حصد الإعجابات والتعليقات والمشاركات، ومع الوقت يجد الآباء والأمهات أنفسهم في سباق محموم للتباهي بتميز أبنائهم وكيف أنهم آباء وأمهات رائعون إذ عندهم هؤلاء الأبناء المميزون.
وبالطبع يصعب عليك أن تشارك صورة لطفلك وهو يعبر عن "امتنانه" أو وهو "يتغلب على شكه الذاتي"، وحتى إذا كان طفلك عطوفا وحنونا فإنك عادة لن تلتفت لهذه الصفات ولن تسعى للتوكيدها عند طفلك، ولكنك ستقع في فخ البحث عن آخر إنجاز ملموس له لتتباهي به أمام أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا التنافس المحموم يتحول نشاطك على الإنترنت لمسابقة لإثبات أن طفلك هو "أفضل" الأطفال، ولكن التنشئة العقلية لأطفالنا تحتاج لأمر مختلف تماما.
تحتاج منا أن نساعدهم على أن يصبحوا أفضل إصدارات أنفسهم، وكل طفل من أطفالنا له ما يميزه؛ ومصيبتنا الكبرى في تنشئة أطفالنا منبعها الأساسي في مقارنتهم بالآخرين؛ فالمعنى العميق خلف "المقارنة" - وحتى إذا كانت نتيجتها إيجابية لصالحه - هي أنني أقبلك وأحبك بشروط، وأطفالنا - مثل كل البشر - في أشد الاحتياج للقبول والحب غير المشروط، وفي وقت من الأوقات في سنواتهم الأولى نكون نحن المصدر الأوحد لهم للحصول على هذه الاحتياجات.
3. معظم الآباء والأمهات لا يتمتعون بالمرونة والمتانة النفسية
سواء كنت من جيل الثمانينيات أو كنت أصغر من ذلك فإنك في الغالب نشأت على أن الأطفال يحتاجون لمن ينظر إليهم ولا يحتاجون لمن يسمعهم، وفي الأغلب لم يجلس والداك معك للحديث حول مشاعرك.
ومعظم أسر التنشئة شددت على أهمية أن يكون الأطفال مطيعين، ولم تعط نفس الأهمية للاستماع لآراء الأطفال، وآباء الأمس لم يكن لديهم المتانة النفسية لتمريرها لأطفالهم وإعطائهم نموذجا إيجابيا لهم؛ فإذا لم تكن مدربا على كيفية تطوير وإدارة حديث صحي مع نفسك، وإذا لم تتعلم كيف تنظم مشاعرك، فسيكون من الصعب عليك تعليم تلك المهارات لأطفالك.
4. أمهات - وأحيانا آباء - اليوم يدورون في فلك الأطفال لمنعهم وحمايتهم من الفشل
إذا نسي طفل أن يقوم بواجبه المنزلي قبل 25 عاما، فإنها لم تكن مشكلة كبيرة؛ جميع الأطفال نسوا واجباتهم المنزلية في بعض الأحيان؛ ولكن بمجرد دخول أولياء الأمور إلى أرض المعركة توقف الأطفال عن ارتكاب الأخطاء لأن آباءهم لن يسمحوا لهم بالفشل؛ حيث يعني عدم إتمام الواجبات المنزلية - أو نسيان أحذية رياضة كرة السلة مثلا - يعني احتمالية فشل ابنك وتخلفه عن ركب المنافسة؛ وهو ما ترفضه ولا تقبل السماح به.
وفي خضم هذا الصراع يتناسى الآباء أن النتائج الطبيعية هي أكبر معلم لفنون الحياة، وأنه من المهم السماح لأطفالنا بتجربة الفشل والانتكاسات فهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستعلمهم أهم دروس الحياة مما يساعدهم على الانطلاق للأمام، وهنا يمكننا تشبيه الفشل والانتكاس بعودة القوس للوراء ليتمكن من دفع السهم للأمام وعاليا في مرات قادمة؛ وكلما كان التراجع أشد كانت الانطلاقة للأمام وعاليا أكثر قوة؛ وهذا يعني أننا نحتاج أولا أن نقبل ضعفنا وأخطاءنا وفشلنا ونكف على أن نكون مثاليين مما يساعدنا على أن نكون نموذجا جيدا لأطفالنا.
5. خجل الوالدين يحرض خوفهم المبالغ فيه من أحكام الناس عليهم
يسارع الناس إلى إصدار أحكام بشأن خيارات الآباء الآخرين في هذه الأيام؛ فهذا صديق فيسبوكي يلوم الآباء الذين لا يطعمون أطفالهم الفاكهة العضوية أو الذين يختارون لأولادهم هذه النوعية من التعليم (الوطني والإنترناشيونال والمنزلي والمدرسي ..إلخ)، أو نجد أحدهم يكتب تعليقا يقول فيه أن طلاق المشاهير سوف يؤدي لندب للأطفال مدى الحياة، وغير ذلك من الأمور التي تثير خجل الوالدين وتحثهم على فعل أشياء غير حقيقية لتجنب الشعور بالخجل من طريقة تربيتهم لأطفالهم.
خجل الوالدين مشكلة حقيقية، ولا أحد يريد أن يواجه هذا النوع من التدقيق.. لا أحد يحب أن تكون حركاته ولفتاته تحت المجهر طوال الوقت، وفي محاولة لتجنب هذا الشعور القاتل بالخجل فإن كثيرا من الآباء والأمهات يغيرون عاداتهم، وبدلا من السماح لطفل ما قبل المدرسة بالدخول في نوبة غضب لأنه يريد الحلوى؛ فإن الآباء والأمهات قد يضطرون لإعطاء الطفل ما يريد لجعله يتوقف عن البكاء؛ وبدلا من السماح للطفل بأن يحصل على درجات سيئة أو أن يفشل في الامتحان يقوم الآباء بتصحيح الواجبات المنزلية لأطفالهم، وهذه الخيارات التي يختارها الآباء والأمهات ليتجنبوا خجلهم هم ويهربوا من حكم الآخرين عليهم لا تحدث فرقا يذكر في بناء مرونة الطفل النفسية (Psychological resilience).
6. شركات التسويق تتغذى على أشعار الآباء بالذنب
ستخبرك الإعلانات بأنك أم جيدة؛ طالما أنك تشترين لطفلك ألعابا معينة، وأنك أب رهيب، طالما كنت تأخذ أطفالك إلى حديقة معينة، وتعلم الشركات أن الآباء يشعرون بالذنب إزاء عدم قضاء وقت كاف مع الأطفال، وعدم منحهم كل ميزة تنافسية ممكنة، وعدم منحهم جميع الأشياء التي يحتاجونها ليكونوا سعداء، وبالتالي يستغلون هذا الشعور أسوأ استغلال مما يجعلك فريسة سهلة ليبيعوا لك الأشياء التي لا تحتاجها أنت وأطفالك.
وأيا كانت هذه الأشياء التي يبيعونها لك؛ وسواء كانت الكثير من الطعام، أو الكثير من اللعب، أو الكثير من الوقت على الإلكترونيات، فإن العديد من الآباء المشغولين زيادة عن أطفالهم؛ يغدقون على أطفالهم بالعطاءات المادية في محاولة لتخفيف إحساس الذنب لديهم ولو بشكل مؤقت، ولكن الخاسر الوحيد على أرض هذه المعركة هم أطفالنا؛ فالكل كسبان إلا هم.. الشركات ضاعفت أرباحها.. وإحساس الذنب عند الوالدين تم تسكينه وقتيا.
7. التكنولوجيا تمنع فرصة بناء عضلات المرونة النفسية
اعتاد الأطفال على البحث عن طرق للتعامل مع مشاعرهم غير المريحة، مثل مشاعر الملل والإحباط، ولكن وسائل التكنولوجيا الحديثة جعلتهم يعتادون الهروب من مشاعرهم من خلال استخدام الأجهزة الرقمية.
إن التصاق الأطفال أمام الشاشات يعني أنهم غير مضطرين لتعلم مهارات تهدئة أنفسهم أو التعامل بشكل خاص مع قلقهم؛ لأنهم وجدوا البديل الأسهل، والبديل هو الهروب للألعاب أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعية حيث يتصورون أنها تساعدهم على تنظيم مشاعرهم؛ ولكنها في الواقع لا تساعدهم ولا تحميهم ولكنها فقط تساعدهم على الهروب.
وهنا نود أن نؤكد على أن مهمة آباء وأمهات اليوم قد تكون أكثر صعوبة من أي وقت مضى حيث يحتاجون أن يكونوا أكثر استباقية لضمان أن يتعلم أطفالهم المهارات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية التي يحتاجونها للنجاح في الحياة.
وأخيرا.. نقطة الإنطلاق هي بناء عضلات المرونة النفسية الخاصة بالوالدين
التحديات الإضافية لعالم اليوم تجعل من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يتمتع الآباء والأمهات بالمرونة العقلية والنفسية؛ وهذا يتطلب تطوير عادات صحية تساعدك، كما يتطلب التخلي أيضا عن العادات السيئة التي يمكن أن يعيقك.
أما عن كيف يمكننا أن ندرب مرونتنا النفسية كآباء وأمهات؟ فهذا سيكون محور حديثنا في مقالات قادمة، ولكن من المهم أن نتذكر أن سعينا لأن نصبح أكثر مرونة نفسيا سيحقق لنا العديد من المكافآت الأساسية والمكافآت الإضافية، وأهم مكافأة أساسية هي أن نحيا بمرونة وأن نمتلك المرونة النفسية التي تمكننا من مواجهة تحديات الحياة الكثيرة بفعالية، وأهم مكافأة إضافية هي زيادة احتمالية أن يتمتع أطفالك بالمرونة والمتانة النفسية؛ مما يمكنهم من إدارة ضغوط الحياة، ومهارات حل المشاكل، والتعامل مع التحديات؛ وكل هذا يتم من خلال مشاهدتهم لك ومن خلال أن تكون أنت نموذجا حقيقيا غير مصطنع.
المصادر
Morin A. 13 Things Mentally Strong Parents Don't Do: Raising Self-Assured Children and Training Their Brains for a Life of Happiness, Meaning, and Success. New York, NY: William Morrow, an imprint of HarperCollinsPublishers; 2017.
7 Reasons It's Tough to Raise Mentally Strong Kids
https://www.sehatok.com/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84/7-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D9%82-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%A6%D8%A9-%D8%B7%D9%81%D9%84-%D9%85%D8%B1%D9%86-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A7?fbclid=IwAR0l13CwnsefCy0EIwmcZguFfwNSk18BBelArEmqecm1g_2FibunipyJlpg
قد يبدو في الظاهر أن آباء اليوم فرصهم أسهل من أي وقت مضى لتنشئة طفل أقرب للسواء النفسي؛ فعلى الأقل هم غير مضطرين للذهاب إلى النهر لغسل الملابس؛ ومن الواضح أن المجتمع المعاصر قدم العديد من المزايا التي تجعل من السهل الحفاظ على صحة الأطفال، ولكن في الوقت نفسه، هذا العالم الرقمي الذي نعيشه يصعب على الآباء تنشئة أطفال مؤهلين لمواجهة تحديات الحياة.
حيث أن تنشئة الأطفال حتى يصبحوا مسؤولين كبارا هي مهمة تحتاج لمرونة ومتانة نفسية (Psychological resilience)؛ وهذه بعض الأسباب التي تجعل امتلاك هذه المرونة النفسية أمرا صعبا على آباء اليوم:
1. السعادة هي الهدف
كل ما يحيط بك من أشياء وأشخاص يخبرك أن الهدف هو أن تجعل طفلك سعيدا، وقد تجد نفسك تلهث لتحصيل الأشياء التي تجعل أطفالك سعداء لأنك صدقت أن "السعادة هي الهدف"، ولكن إذا اعتبرت أن سعادة أطفالك هي الهدف الأساسي والأوحد فإنك ستجد نفسك تسمح لهم بتناول أطنان من الآيس كريم مثلا، أو تسمح لهم بقضاء 24 ساعة يوميا أمام ألعاب الكمبيوتر.. فهذه هي السعادة اللحظية بالنسبة لهم؛ ولكن على المدى الطويل هذه السعادة الوقتية ستجعل حياتهم بائسة.
ونحن كآباء وأمهات علينا أن ندرك أن السعادة هي عرض وناتج ثانوي كبير ومهم وليست هدفا في حد ذاتها، لذا من المهم تركيز قدر لا بأس به من جهدك في تعليم أطفالك المهارات التي لن تجعلهم بالضرورة سعداء في الوقت الراهن، ومنها الانضباط الذاتي، وضبط الاندفاعية، وتنظيم العواطف؛ فهذه هي المهارات الضرورية للسعادة على المدى الطويل.
2. وسائل التواصل الاجتماعي تشعل المنافسة بين الآباء والأمهات
معظم الآباء يريدون تبادل الصور لأطفالهم أثناء تمتعهم بالعطلات العائلية، أو أثناء مشاركتهم في الألعاب الرياضية، أو أثناء تلقي جوائز التفوق الأكاديمي أو الرياضي.. معظم الآباء والأمهات يريدون أن يتفاخروا بأولادهم على الفيسبوك وإنستاغرام وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكن النتيجة أنه بدلا من أن تستغرق في فرحتك الخاصة جدا مع أسرتك فإنك أصبحت مشغولا بإظهار تميز أطفالك ومشغولا بالمنافسة مع الآباء والأمهات الآخرين رغبة في حصد الإعجابات والتعليقات والمشاركات، ومع الوقت يجد الآباء والأمهات أنفسهم في سباق محموم للتباهي بتميز أبنائهم وكيف أنهم آباء وأمهات رائعون إذ عندهم هؤلاء الأبناء المميزون.
وبالطبع يصعب عليك أن تشارك صورة لطفلك وهو يعبر عن "امتنانه" أو وهو "يتغلب على شكه الذاتي"، وحتى إذا كان طفلك عطوفا وحنونا فإنك عادة لن تلتفت لهذه الصفات ولن تسعى للتوكيدها عند طفلك، ولكنك ستقع في فخ البحث عن آخر إنجاز ملموس له لتتباهي به أمام أصدقائك على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا التنافس المحموم يتحول نشاطك على الإنترنت لمسابقة لإثبات أن طفلك هو "أفضل" الأطفال، ولكن التنشئة العقلية لأطفالنا تحتاج لأمر مختلف تماما.
تحتاج منا أن نساعدهم على أن يصبحوا أفضل إصدارات أنفسهم، وكل طفل من أطفالنا له ما يميزه؛ ومصيبتنا الكبرى في تنشئة أطفالنا منبعها الأساسي في مقارنتهم بالآخرين؛ فالمعنى العميق خلف "المقارنة" - وحتى إذا كانت نتيجتها إيجابية لصالحه - هي أنني أقبلك وأحبك بشروط، وأطفالنا - مثل كل البشر - في أشد الاحتياج للقبول والحب غير المشروط، وفي وقت من الأوقات في سنواتهم الأولى نكون نحن المصدر الأوحد لهم للحصول على هذه الاحتياجات.
3. معظم الآباء والأمهات لا يتمتعون بالمرونة والمتانة النفسية
سواء كنت من جيل الثمانينيات أو كنت أصغر من ذلك فإنك في الغالب نشأت على أن الأطفال يحتاجون لمن ينظر إليهم ولا يحتاجون لمن يسمعهم، وفي الأغلب لم يجلس والداك معك للحديث حول مشاعرك.
ومعظم أسر التنشئة شددت على أهمية أن يكون الأطفال مطيعين، ولم تعط نفس الأهمية للاستماع لآراء الأطفال، وآباء الأمس لم يكن لديهم المتانة النفسية لتمريرها لأطفالهم وإعطائهم نموذجا إيجابيا لهم؛ فإذا لم تكن مدربا على كيفية تطوير وإدارة حديث صحي مع نفسك، وإذا لم تتعلم كيف تنظم مشاعرك، فسيكون من الصعب عليك تعليم تلك المهارات لأطفالك.
4. أمهات - وأحيانا آباء - اليوم يدورون في فلك الأطفال لمنعهم وحمايتهم من الفشل
إذا نسي طفل أن يقوم بواجبه المنزلي قبل 25 عاما، فإنها لم تكن مشكلة كبيرة؛ جميع الأطفال نسوا واجباتهم المنزلية في بعض الأحيان؛ ولكن بمجرد دخول أولياء الأمور إلى أرض المعركة توقف الأطفال عن ارتكاب الأخطاء لأن آباءهم لن يسمحوا لهم بالفشل؛ حيث يعني عدم إتمام الواجبات المنزلية - أو نسيان أحذية رياضة كرة السلة مثلا - يعني احتمالية فشل ابنك وتخلفه عن ركب المنافسة؛ وهو ما ترفضه ولا تقبل السماح به.
وفي خضم هذا الصراع يتناسى الآباء أن النتائج الطبيعية هي أكبر معلم لفنون الحياة، وأنه من المهم السماح لأطفالنا بتجربة الفشل والانتكاسات فهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستعلمهم أهم دروس الحياة مما يساعدهم على الانطلاق للأمام، وهنا يمكننا تشبيه الفشل والانتكاس بعودة القوس للوراء ليتمكن من دفع السهم للأمام وعاليا في مرات قادمة؛ وكلما كان التراجع أشد كانت الانطلاقة للأمام وعاليا أكثر قوة؛ وهذا يعني أننا نحتاج أولا أن نقبل ضعفنا وأخطاءنا وفشلنا ونكف على أن نكون مثاليين مما يساعدنا على أن نكون نموذجا جيدا لأطفالنا.
5. خجل الوالدين يحرض خوفهم المبالغ فيه من أحكام الناس عليهم
يسارع الناس إلى إصدار أحكام بشأن خيارات الآباء الآخرين في هذه الأيام؛ فهذا صديق فيسبوكي يلوم الآباء الذين لا يطعمون أطفالهم الفاكهة العضوية أو الذين يختارون لأولادهم هذه النوعية من التعليم (الوطني والإنترناشيونال والمنزلي والمدرسي ..إلخ)، أو نجد أحدهم يكتب تعليقا يقول فيه أن طلاق المشاهير سوف يؤدي لندب للأطفال مدى الحياة، وغير ذلك من الأمور التي تثير خجل الوالدين وتحثهم على فعل أشياء غير حقيقية لتجنب الشعور بالخجل من طريقة تربيتهم لأطفالهم.
خجل الوالدين مشكلة حقيقية، ولا أحد يريد أن يواجه هذا النوع من التدقيق.. لا أحد يحب أن تكون حركاته ولفتاته تحت المجهر طوال الوقت، وفي محاولة لتجنب هذا الشعور القاتل بالخجل فإن كثيرا من الآباء والأمهات يغيرون عاداتهم، وبدلا من السماح لطفل ما قبل المدرسة بالدخول في نوبة غضب لأنه يريد الحلوى؛ فإن الآباء والأمهات قد يضطرون لإعطاء الطفل ما يريد لجعله يتوقف عن البكاء؛ وبدلا من السماح للطفل بأن يحصل على درجات سيئة أو أن يفشل في الامتحان يقوم الآباء بتصحيح الواجبات المنزلية لأطفالهم، وهذه الخيارات التي يختارها الآباء والأمهات ليتجنبوا خجلهم هم ويهربوا من حكم الآخرين عليهم لا تحدث فرقا يذكر في بناء مرونة الطفل النفسية (Psychological resilience).
6. شركات التسويق تتغذى على أشعار الآباء بالذنب
ستخبرك الإعلانات بأنك أم جيدة؛ طالما أنك تشترين لطفلك ألعابا معينة، وأنك أب رهيب، طالما كنت تأخذ أطفالك إلى حديقة معينة، وتعلم الشركات أن الآباء يشعرون بالذنب إزاء عدم قضاء وقت كاف مع الأطفال، وعدم منحهم كل ميزة تنافسية ممكنة، وعدم منحهم جميع الأشياء التي يحتاجونها ليكونوا سعداء، وبالتالي يستغلون هذا الشعور أسوأ استغلال مما يجعلك فريسة سهلة ليبيعوا لك الأشياء التي لا تحتاجها أنت وأطفالك.
وأيا كانت هذه الأشياء التي يبيعونها لك؛ وسواء كانت الكثير من الطعام، أو الكثير من اللعب، أو الكثير من الوقت على الإلكترونيات، فإن العديد من الآباء المشغولين زيادة عن أطفالهم؛ يغدقون على أطفالهم بالعطاءات المادية في محاولة لتخفيف إحساس الذنب لديهم ولو بشكل مؤقت، ولكن الخاسر الوحيد على أرض هذه المعركة هم أطفالنا؛ فالكل كسبان إلا هم.. الشركات ضاعفت أرباحها.. وإحساس الذنب عند الوالدين تم تسكينه وقتيا.
7. التكنولوجيا تمنع فرصة بناء عضلات المرونة النفسية
اعتاد الأطفال على البحث عن طرق للتعامل مع مشاعرهم غير المريحة، مثل مشاعر الملل والإحباط، ولكن وسائل التكنولوجيا الحديثة جعلتهم يعتادون الهروب من مشاعرهم من خلال استخدام الأجهزة الرقمية.
إن التصاق الأطفال أمام الشاشات يعني أنهم غير مضطرين لتعلم مهارات تهدئة أنفسهم أو التعامل بشكل خاص مع قلقهم؛ لأنهم وجدوا البديل الأسهل، والبديل هو الهروب للألعاب أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعية حيث يتصورون أنها تساعدهم على تنظيم مشاعرهم؛ ولكنها في الواقع لا تساعدهم ولا تحميهم ولكنها فقط تساعدهم على الهروب.
وهنا نود أن نؤكد على أن مهمة آباء وأمهات اليوم قد تكون أكثر صعوبة من أي وقت مضى حيث يحتاجون أن يكونوا أكثر استباقية لضمان أن يتعلم أطفالهم المهارات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية التي يحتاجونها للنجاح في الحياة.
وأخيرا.. نقطة الإنطلاق هي بناء عضلات المرونة النفسية الخاصة بالوالدين
التحديات الإضافية لعالم اليوم تجعل من المهم أكثر من أي وقت مضى أن يتمتع الآباء والأمهات بالمرونة العقلية والنفسية؛ وهذا يتطلب تطوير عادات صحية تساعدك، كما يتطلب التخلي أيضا عن العادات السيئة التي يمكن أن يعيقك.
أما عن كيف يمكننا أن ندرب مرونتنا النفسية كآباء وأمهات؟ فهذا سيكون محور حديثنا في مقالات قادمة، ولكن من المهم أن نتذكر أن سعينا لأن نصبح أكثر مرونة نفسيا سيحقق لنا العديد من المكافآت الأساسية والمكافآت الإضافية، وأهم مكافأة أساسية هي أن نحيا بمرونة وأن نمتلك المرونة النفسية التي تمكننا من مواجهة تحديات الحياة الكثيرة بفعالية، وأهم مكافأة إضافية هي زيادة احتمالية أن يتمتع أطفالك بالمرونة والمتانة النفسية؛ مما يمكنهم من إدارة ضغوط الحياة، ومهارات حل المشاكل، والتعامل مع التحديات؛ وكل هذا يتم من خلال مشاهدتهم لك ومن خلال أن تكون أنت نموذجا حقيقيا غير مصطنع.
المصادر
Morin A. 13 Things Mentally Strong Parents Don't Do: Raising Self-Assured Children and Training Their Brains for a Life of Happiness, Meaning, and Success. New York, NY: William Morrow, an imprint of HarperCollinsPublishers; 2017.
7 Reasons It's Tough to Raise Mentally Strong Kids
https://www.sehatok.com/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%81%D9%84/7-%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D9%82-%D8%AA%D9%86%D8%B4%D8%A6%D8%A9-%D8%B7%D9%81%D9%84-%D9%85%D8%B1%D9%86-%D9%86%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%A7?fbclid=IwAR0l13CwnsefCy0EIwmcZguFfwNSk18BBelArEmqecm1g_2FibunipyJlpg