الترحم على غير المسلم.. هؤلاء فقهاء يفتون بجوازه!
 الترحم على غير المسلم.. هؤلاء فقهاء يفتون بجوازه! 1101
تسبب حريق كنيسة أبي سيفين في مقتل 41 شخصا بينهم 15 طفلا.
تسبب الحريق الذي نشب في كنيسة "أبو سيفين" في القاهرة، يوم الأحد الماضي، في مقتل 41 شخصًا بينهم 15 طفلًا. تعاطف الجميع مع الضحايا، وانتشرت التعازي والدعوات بالرحمة والمغفرة لتغزو مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والدول العربية. رغم حملة التعاطف الكبيرة، أعلن البعض غضبهم من الترحم على ضحايا الكنيسة بحجة أنهم غير مسلمين!
يتكرر هذا في الواقع مع كل حادثة، أو وفاة شخصية غير مسلمة. كان آخرها صحافية قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي قتلت في مايو الماضي أثناء أداء عملها قرب مخيم جنين في الضفة الغربية. حينها، لم تتردد شخصيات، وجمعيات، ومنظمات إسلامية في إصدار بيانات ترفض الترحم عليها.
 الترحم على غير المسلم.. هؤلاء فقهاء يفتون بجوازه! 2113
ويستمد رافضو الترحم على غير المسلم تبريراتهم من الرأي الفقهي التقليدي الرافض مطلقا لهذه المسألة، وهو الرأي الذي ما يزال سائدا في الأوساط الفقهية وحتى داخل الكثير من المؤسسات الدينية الرسمية.
وكان ملفتا تفادي جامع الأزهر ودار الإفتاء المصرية معا الترحم على ضحايا كنيسة "أبو سيفين"، والاكتفاء بالتعزية والدعاء بالشفاء للمصابين.
 الترحم على غير المسلم.. هؤلاء فقهاء يفتون بجوازه! 6289
في المقابل، كان ترحم الأزهر، بعد يومين فقط من حريق الكنيسة، على ضحايا فيضانات السودان واضحا.
 الترحم على غير المسلم.. هؤلاء فقهاء يفتون بجوازه! 7278
لكن بالرغم من الهيمنة شبه المطلقة للرأي الرافض للترحم، بدأت تظهر الكثير من الآراء الفقهية المخالفة، خاصة في العقود الأخيرة، مشكلة تيارا فقهيا متصاعدا يحاول تقديم قراءة بديلة للنصوص الدينية.
نعم يجوز الترحم!
مال العديد من رجال الدين المعاصرين للقول بإباحة الدعاء والترحم على الموتى من غير المسلمين. من بين هؤلاء، الشيخ المثير للجدل يوسف القرضاوي، الأمين العام السابق لاتحاد علماء المسلمين. في سنة 2005، نعى القرضاوي البابا يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية. وقال حينها: "لا نستطيع إلا أن ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلف من عمل صالح أو أثر طيب".

طبعا، لم يمر ترحم القرضاوى على البابا يوحنا بولس الثاني مرور الكرام، فقد انهالت عليه الردود والإدانات.

يؤيد الباحث الفلسطيني عدنان إبراهيم هو الآخر جواز الترحم على غير المسلم. في مارس 2018م، قدم إبراهيم محاضرة بعنوان "حوار افتراضي بين ستيفن هوكينغ والله"، دافع فيها عن عالم الفيزياء الإنجليزي الملحد الذي أُصيب بإعاقة جسدية منذ صغره. تعاطف إبراهيم مع هوكينج، وقدم مجموعة من الالتماسات التي تبرر الدفاع عنه والترحم عليه.

ومع تفجر الجدل، قبل أشهر، عقب مقتل شيرين أبو عاقلة، ترحم الكثير من علماء المسلمين على الصحافية الفلسطينية، مسيحية الديانة. من أشهر هؤلاء، علي القره داغي، الأمين العام الحالي للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. قال داغي في بيان أصدره بالمناسبة: "... في القرآن نجد أن الرحمة ومشتقاتها وردت فيها مئات المرات، وأن هذه الرحمة شاملة في الدنيا للمسلم والكافر، وبخاصة من مات مؤمنًا، وأنها شاملة لغير المؤمنين في بعض الأمور، فمثلاً إن دعاء سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم القيامة، واستجابة الله له يشملان جميع الناس في المحشر، وهذا محل اتفاق بين العلماء وأن هذا بلا شك جزء من الرحمة الإلهية…".
 الترحم على غير المسلم.. هؤلاء فقهاء يفتون بجوازه! 9165
Dr. Ali Al Qaradaghi (د. علي القره داغي)
بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى حول استعمال لفظ الشهيد ،والدعاء بالرحمة لغير المسلمين
بقلم أ. د علي القره داغي
الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ثارت أسئلة كثيرة حول إطلاق اسم "الشهادة" أو " الشهيد " على من قتل ظلماً لكنه غير مسلم، وبخاصة بعد قتل الإعلامية المتميزة شيرين أبو عاقلة.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد ..
فهذه المسألة ثار فيها جدل كبير بين المسلمين ودعاتهم، فمنهم من تشدد، ومنهم من تساهل، والسبب أنهم لم يحرروا مصطلح الشهادة، أو الشهيد في اللغة ،والقرآن الكريم، والسنة الصحيحة، حيث إن هذا المصطلح له معان كثيرة في اللغة ،والقرآن ،والسنة، وكذلك لم ينظروا بدقة في فقه الميزان لهذا الموضوع:
ففقه الميزان هنا هو أن ميزان التعامل مع غير المسلمين الذين هم مواطنون ومشاركون معنا في قضيتنا ،بل يحاربون معنا ضد المحتلين هو ميزان البر والقسط بنص القرآن الكريم، وهذا البر لا ينقطع بالموت ،فليس من البر أن نسيئ إلى الميت غير المسلم الذي شارك معنا في حربنا ضد المحتلين، أو نهمله بمجرد الموت ، ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) ثم إن الإحسان إلى أهله من المواطنين غير المسلمين المشاركين معنا أن نبر بهم،ومن برهم عزاؤهم، وذكر ميتهم بالخير الدنيوي،وكلامنا وفق الميزان لا يتعلق بكون الشخص من أهل الجنة، اومن أهل النار ،فهذان معروفان حسب ميزانيهما،وإنما نتحدث عن ميزان التعامل في الدنيا.
هذا من جانب ، ومن جانب مصطلح الشهيد أو الشهادة فإنهما مشتقان من لفظ " شهد " بمعنى حضر وأخبر ،يقال : شهد على كذا شهادة: أخبر به، وشهد لفلان على فلان أي أدى ما عنده من الشهادة، وشهد بالله : بمعنى حلف، وأقر بما علم، وشهد رمضان أي حضره، وشاهده أي عاينه، وتشهد أي قرأ التشهد، واستشهد أي طلب منه الشهادة، والشهادة: الإخبار بما علم، والشهيد: من يؤدي الشهادة، وهكذا (1)
(1) القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط ( شهد )
فبناء على ذلك فإن لفظ " شهد " ومشتقاته في أصل اللغة ليس خاصاً بالشهيد المقتول في سبيل الله، بل إن لفظ " شهيد" نفسه يطلق على الشاهد ، والمقتول في اللغة، وكذلك في القرآن فقال تعالى { وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } سورة البقرة : 282.
وحينما نبحث عن لفظ "شهيد" ومشتقاته في القرآن الكريم نجد فيه إطلاقه على معانيه اللغوية الخالصة التي ذكرناها آنفاً كثيرا، ولم يخصصه بالشهيد فقط بالمعنى المعروف اليوم، وإنما القرآن الكريم يستعمل القتل في سبيل الله، فقال تعالى : { وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ } سورة البقرة : 154
وقال تعالى : {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } آل عمران : 169، فلم يستعمل القرآن لفظ يستشهد بمعنى يقتل في سبيل الله، ولكن استعمل لفظ " شهداء" في قوله تعالى ( ويتخذ منكم شهداء ) سورة آل عمران الآية ١٤٩ ،في ما يفهم منه المقتولون في سبيل الله أو شهداء على الآخرين،
وإنما ورد إطلاق لفظ "الشهيد" ونحوه فيمن يقتل في سبيل الله كثيرا، في الأحاديث النبوية الشريفة، ولكنها أيضا لم تحصر أيضاً إطلاق الشهيد على هذا المعنى، بل ورد فيها إطلاقه على المعاني اللغوية الأخرى، كما بينت مواصفات الشهيد في سبيل الله، فقد، فقد روى مسلم في صحيحه(1915)عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال : إن شهداء أمتي إذاً لقليل" قالوا : فمن هم يا رسول الله؟ قال : " من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد......"
بل إن الإمام السيوطي جمع أنواع الشهادة في كتابه : أبواب السعادة في أسباب الشهادة فبلغت 57 سبباً، ثبت منها 49 حديثاً وسبباً(1)
وبناء على ما سبق فإن المحققين من العلماء – مثل الإمام النووي- قسموا الشهداء إلى ثلاثة أقسام : شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار، وهو يقاتل في سبيل الله تعالى فقط ،وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم هؤلاء المذكورون في الأحاديث السابقة – وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من غل (أي سرق) أو قتل فارا ومدبرا.
فإطلاق العلماء لفظ الشهيد على من غل وسرق وأدبر دليل على جواز إطلاقه على شهداء الدنيا مثل شهيد الوطن ،وشهيد القضية، أو الكلمة.
(1) كتاب أبواب السعادة في أسباب الشهادة للسيوطي، تحقيق نجم عبد الرحمن خلف، ط 1401 .
فلفظ الشهيد في السنة النبوية الشريفة يشمل، من يقتل في سبيل الله في ساحات الدفاع عن دين الله، وعن وطنه، وعن عرضه وماله ونفسه، كما ورد ذلك أيضاً في الحديث الصحيح .
الفتوى :
وبناء على ما سبق ذكره، وغيره فالذي يظهر لي هو ما يأتي :
أولاً : أن لفظ ( الشهيد ) أو ( الشهادة ) لفظ استعمل في اللغة والقرآن الكريم والسنة المشرفة في معان كثيرة يجمعها : ( الإخبار والحضور وإدلاء الشهادة ) وقد استعمل في القرآن الكريم بمعنى واسع ،ولم يخصصه بمعنى اصطلاحي للمقتول في سبيل الله، بل استعمل في غيره كثيرا.
والسنة استعملته بمعنى واسع أيضا يشمل المقتول في سبيل الله، أو في الدفاع عن نفسه وعرضه، والميت ببعض الأمراض والأوبئة – كما سبق - ويشمل غيره .
ثانياً : أن الفقهاء المحققين – كما سبق - قسموا الشهداء إلى ثلاثة أنواع منهم شهداء الدنيا.
ثالثاً : أن لفظ الشهيد أو الشهادة ليس مصطلحاً عقدياً، وإنما هو مصطلح لغوي، يجوز استعماله حسب استعمالاته اللغوية والعرف ، بل نحن جميعاً نقرأ في القرآن الكريم استعمال لفظ ( شهيد ) في سورة البقرة بمعنى الشاهد على الحق ، ونقرأ أن الله شهيد وأنه سبحانه وتعالى يأتي بشهيد – أي شاهد – من كل أمة .
وحتى السنة المشرفة لم تخصص (( الشهيد )) بمن يقتل في سبيل الله فقط، وإنما ذكر هذا المعنى مع بقية المعاني .
رابعاً : وبناءً على ذلك فإن استعمال لفظ ( الشهيد ) أو ( الشهادة ) - في اعرافنا- لمن قتل في سبيل وطنه او الحق أو الكلمة من غير المسلمين ، أو لمن يقتل من المسلمين في غير سبيل الله صحيح وجائز ما دام أريد به أنه شهيد في الدنيا، ولم يرد به أنه شهيد في سبيل الله، أو أنه من أهل الجنة، أو أنه قتل في سبيل الله، لأن ذلك من الغيب الذي لا يعلم به إلا الله تعالى ،ومن أخبره الله تعالى من الرسل والأنبياء، فقد كان أحد الصحابة يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرب واضحة الراية والهدف، ومع ذلك شهد الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه في النار، فقد روى مسلم في صحيحه (114) والترمذي (1574) وابن حبان في صحيحه (4857) وأحمد (11011)، بسندهم عن عمر بن الخطاب قال : لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : (( فلان شهيد )) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كلا إني رأيته في النار في بردة غلَّها، أو عباءة ))
لذلك عندما يقتل شخص دفاعاً عن وطنه أو كرامته أو نفسه فهو شهيد لهذا الغرض، فلو أطلق عليه شخص لفظ ( الشهيد ) بهذا الاعتبار لما خالف العقيدة ولا الكتاب ولا السنة ، لأن الظاهر لا يقصد به أنه شهيد يدخل الجنة ، أو في سبيل الله ، لأن ذلك من علم الغيب ، وعندئذ يجب أن يحمل كلام المؤمن على المحمل الصحيح المناسب مع عقيدته وواقعه، هذا هو منهج السلف الصالح، في حمل ما يصدر عن المسلم على المحمل الصحيح الحسن، حتى فيمن يظهر منه الكفر ،فما ظنكم بالعالم، أو عامة المسلمين.
أما إطلاق هذا اللفظ (الشهيد ) على غير المسلم فليس فيه أية دلالة على أنه يراد به ( في سبيل الله وأنه يدخل الجنة ) فالكلمة – كما قلنا سابقاً – ليست كلمة عقدية، ولا مصطلحاً خاصاً له هذا المعنى فقط، بل هي شاملة – كما سبق – لذلك فلا مانع – حسب الأدلة الشرعية من إطلاق لفظ (الشهيد) على من قتل في سبيل قضيته العادلة ( كالقدس ) أو وطنه بحق، وعندئذ يراد به شهيد الوطن، أو شهيد القضية ،أو شهيد الدفاع عن العرض والشرف ونحوهما، ولا يراد منه أنه شهيد يدخل الجنة، أو أنه في سبيل الله لأن ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى .
ولكن الأفضل في هذه الحالة أن يقال ((شهيد الوطن )) و((شهيد القضية )) أو نحو ذلك .
وبإيجاز شديد فإن إطلاق لفظ (الشهيد ) أو ( الشهادة ) في حالة كون السبب مشروعاً على غير المسلمين جائز وصحيح، لأن الظاهر أنه يراد به شهيد الوطن أو القضية، أو شهيد الدفاع عن النفس، ولا يراد به أنه شهيد يدخل الجنة وفي سبيل الله ، لأن علم ذلك عند الله.
ولذلك لا يجوز أن يقال لغير من يقاتل في سبيل الله أنه شهيد في سبيل الله، وأنه من شهداء الجنة، لذلك فالأفضل تقييد اللفظ بما يضاف إليه – كما سبق –
خامساً: أن استعمال لفظ الرحمة لغير المسلمين يحتاج فيه أيضا إلي النظر في معنى الرحمة، أي تحرير اللفظ، وعندئذ يأتي الحكم.
فالرحمة في اللغة هي العطف والخير والنعمة، فهي تشمل الرحمة في الدنيا والآخرة .
وفي القرآن نجد أن الرحمة ومشتقاتها وردت فيها مئات المرات، وأن هذه الرحمة شاملة في الدنيا للمسلم والكافر، وبخاصة من مات مؤمناً، وأنها شاملة لغير المؤمنين في بعض الأمور، فمثلاً إن دعاء سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم بالشفاعة العظمى يوم القيامة، واستجابة الله له يشملان جميع الناس في المحشر، وهذا محل اتفاق بين العلماء وأن هذا بلا شك جزء من الرحمة الإلهية .
كما أن جماعة من الفقهاء منهم الإمام الحافظ الفقيه البيهقي يرون أن الأعمال الخيرة للكافر تنفعه في تخفيف عذابه، وليس في مغفرته، ويدل على ذلك دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لتخفيف العذاب عن أبي طالب، حيث روى البخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( هو - أي أبو طالب - في ضخضاخ من النار ،ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار )) رواه البخاري رقم (3883 ) مسلم (357)
وقال أهل التفسير من المحققين في تفسير قوله تعالى:((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)) الأنعام 132 إنه شامل للمسلمين وغيرهم، فلا التابع كالمتبوع ولا الرئيس كالمرؤوس، كذلك لا يمكن أن يساوي بين المجرم المشرك المحارب الذي آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه ،اوالمؤمنين بغيره ، فهذا من عدل الله تعالى .
والخلاصة : إن بعض العلماء فرقوا بين الدعاء بالمغفرة للكافر، وبين الدعاء بالرحمة، فاتفقوا على منع الأول، واختلفوا في الثاني، فأجاز بعضهم ذلك وبينوا بأن آية (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) سورة النساء آ 48 تدل على التفرقة بين الشرك وغيره،وذكروا أنها أخص من دعوى مطلق الدعاء للكافر، وأن الذي لا يجوز هو الدعاء بالمغفرة على جريمة الشرك والكفر، وأما ماعدا ذلك فآخر الآية قد تدل على إمكانيته إن شاء الله تعالى.
والخلاصة أن الدعاء بالرحمة العامة التي وسعت كل شيء لا تدخل ضمن الدعاء المنهي عنه في نصوص كثيرة .
والآية السابقة تضع لنا موازين دقيقة وهي:
1- ميزان الشرك الذي يقوم على عدم مغفرته.
2- ميزان العدل الذي يقوم على أن الله تعالى يجازي كل إنسان
(( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ )) سورة الزلزلة 7-8
سادساً: أما عزاء غير المسلمين والمشاركة في الدفن ونحوه فجائز من حيث المبدأ إذا لم تصحبه مخالفات شرعية.
سابعاً: ضرورة رعاية ميزان المصالح العامة والمقاصد المعتبرة التي تقتضي عدم إثارة ما يجرح المشاعر، ويؤذي وحدة المقدسيين من المسلمين والمسيحيين.
فمع الأسف الشديد أثار البعض قضية مقتل شهيدة الوطن والكلمة الحق بما يضر ولا ينفع، وبما يمزق الشمل ولا يجمع، وبما يبرد تحمس من معنا وعواطفهم ولا يشجع،ليس هذا من الثوابت، فلننظر إلى القائد الرباني صلاح الدين الأيوبي رفض إطلاق لفظ الصليبيين على الحملات الأوروبية مع أن أصحابها سموا بها فقال :هي حملات ليست لأجل الصليب والمسيح ، وإنما هي لأجل الهيمنة فسماها حملات الفرنجة،وهكذا تبعه المؤرخون القدامى.
فنحن اليوم معركتنا مع المحتل الغاصب الذي لا يرحم ، وهي معركة شاملة حول قضية عادلة ومتنوعة، وهي القضية الأولى للمسلمين جميعاً وكذلك للفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين ،بل هي قضيه تشمل البشر لأنها قضية عادلة ،وتشمل جميع المنظمات الدولية ،لأنها قضية احتلال، ويجب علينا جميعاً حشد جميع هذه الطاقات دون التفريط بأي جزء منها.
وفهمي لقوله تعالى: (فإذا جاء وعد الآخرة ليسئوا وجوهكم...) سورة الإسراء الآية ٥ أنه يتحدث عن أحد الشروط الأساسية للنصر على هؤلاء المحتلين الصهاينة، وهو ضرورة القيام بمعركة إعلامية كبرى لبيان جرائمهم حتى يسود وجوههم أمام العالم، لتسقط حججهم الباطلة، وتنكشف جرائمهم ،وعندئذ يتساقط جدرانهم الزائف فيقف العالم معنا،وندخل المسجد( كما دخلوه أول مرة وليتبروا ماعلوا تتبيرا) صدق الله العظيم.
هذا والله الموفق
الشيخ المصري عصام تليمة كان أيضًا ممن دافع عن الترحم على شيرين أبو عاقلة. برر تليمة موقفه بقوله إن: "قضية الترحم على غير المسلم، قضية جرى فيها الخلاف، أقر بذلك من أقر أو أنكر، ولا يُنكِر الخلافَ إلا من لم يطلع على دقائق العلم والخلاف الفقهي... فمن الفقهاء من أجاز الترحم، وأجاز الدعاء له بالمغفرة غير ما يتعلق بالشرك بالله تعالى، وهو ما يدخل في دائرة عفو الله تعالى ورحمته، كما في قوله تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)".
في السياق نفسه، أكدت بعض القيادات الأزهرية في مصر إباحة الترحم على الميت غير المسلم، ورهنت ذلك بسلوكه الطيب في حياته. يقول أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: "إن الترحم على غير المسلم الذي عُرف عنه الطيبة والأخلاق الكريمة، فإذا المسلم أراد أن يدعو له بالرحمة بالمعنى العام فهذا جائز. إن الرحمة أوسع من المغفرة، ونص العلماء على أن رحمة النبي تنال كل الخلائق في الدنيا والآخرة، وفى الآخرة تفزع الأمة للنبي لطلب الشفاعة مؤمنهم وكافرهم، فيشفع في الأمم للتخفيف عنها، وبالتالي المُنهى عنه الاستغفار، لكن الرحمة بالمعنى الأوسع والأعم ليست كذلك".
جذور قديمة
الرأي الفقهي القائل بجواز الترحم على غير المسلم ليس حديثا بالكلية في الحقيقة. بل، يجد جذوره في بعض التفسيرات الفقهية القديمة.
على سبيل المثال، يقول الطبري في تفسير الآية 156 من سورة الأعراف "...قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ…" إن الرحمة عمت جميع الخلق من غير تفرقة بين مسلم وكافر.
ويضم القرآن الكثير من الآيات التي يمكن  أن يفهم منها الله من الممكن أن يغفر "للمشركين" عوضًا عن تعذيبهم. من ذلك الآية رقم 118 من سورة المائدة "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم". في السياق نفسه، ورد ما يفيد جواز الترحم على الأبوين غير المسلمين، كما في الآية رقم 41 من سورة إبراهيم على لسان النبي إبراهيم "رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ".
ووردت الدعوة بالمغفرة لغير المسلم في بعض الأحاديث المنسوبة للنبي أيضًا. من ذلك ما جاء في صحيحي البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود "كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النَّبيِّ يحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ".
بناءً على تلك الإشارات المتواترة، حاول بعض العلماء أن يجدوا سبيلًا للتوفيق بين الآيات الناهية عن الترحم على غير المسلم من جهة، والآيات التي أجازت هذا الأمر من جهة أخرى. فعمل هؤلاء على التفرقة بين الرحمة والمغفرة، فأثبتوا الرحمة للجميع -مسلمين وغير مسلمين- بينما خصوا المسلمين وحدهم بالمغفرة. وكان أبو بكر البيهقي، المتوفى 458هـ، من أشهر هؤلاء العلماء. ينقل عنه النووي قوله إنه: "من الممكن ألا يكون طلب الرحمة لغير المسلم بقادر على تخليصه من النار وإدخاله الجنة ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات".
بل إن بعض الفقهاء ذهبوا إلى أن غير المسلم الذي يجهل حقيقة الدين الإسلامي "يُعذر بجهله"، وتُرجى له الرحمة، وبأن الله من الممكن أن يصفح عنه.
من أول هؤلاء، الجاحظ، الأديب والمتكلم المعتزلي المشهور، والذي نُقل عنه قوله: "إن الله لا يعاقب الكفار، إلا أولئك المعاندين الذين يدركون الحق ويحيدون عنه حرصًا على جاه أو رئاسة، أما الباقون منهم-وهم الذين يمثلون سواد الناس وأكثريتهم- فإن من الظلم عقابهم لأنهم لا يفهمون الحق إلا من خلال العادات والتقاليد التي نشأوا عليها والله ليس بظلام للعبيد".
العالم الأندلسي المعروف ابن حزم قال بدوره في كتابه الموسوعي "الفصل في الأهواء والملل" إنه "لا يكفر أحد حتى يبلغه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم".
تختلف الديانات الإبراهيمية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، في نظرة كل منها للخلاص، وفي نظرتها للجنة.
لاحقا، سيفتح باب "العذر بالجهل" على مصراعيه على أبي حامد الغزالي، إذ نجده في كتاب "فيصل التفرقة بين الإيمان والزندقة" -وهو أحد كتبه الأخيرة-  يقول: "إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى، أعني الذين هم في أقاصي الروم والفرس ولم تبلغهم الدعوة".
والملفت أن هذه الأقوال لم تُعرف فقط عند المعتزلة أو السنة، بل نجدها أيضًا في كتابات العديد من الفقهاء والمتكلمين الشيعة. ومن أشهرهم بهاء الدين العاملي، والمعروف بالشيخ البهائي المتوفى 1030هـ، إذ نُقل عنه قوله: "إن المكلف إذا بذل جهده في تحصيل الدليل فليس عليه شيء وإن كان مخطئًا في اعتقاده، ولا يخلد في النار وإن كان بخلاف أهل الحق"، وذلك بحسب ما يذكر محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة.
التقليديون: لا يجوز الترحم!
أمام كل الآراء السابقة، ينتصب الرأي الفقهي التقليدي الذي يعتبر أن الإنسان واقع بين خيارين لا ثالث لهما. فإما أن يكون مؤمنًا مسلمًا، وإما أن يكون غير ذلك. وبالرغم من أن مؤيدي هذا الطرح وضعوا  هامشًا واسعًا لتوصيف غير المسلم، فوصفوه بـ"الذمي" تارةً، وبـ"المشرك" تارةً أخرى، إلا أنهم في كافة الأحوال نظروا  إليه  على كونه عاصيًا، شقيًا، ضل طريق الحق والاستقامة!
من أهم الآيات القرآنية التي استند إليها أصحاب هذا الرأي، الآية التاسعة عشر من سورة آل عمران "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ". يشرح ابن كثير  هذه الآية في تفسيره، فيقول: إن فيها "إخبارا من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام". ورد المعنى نفسه في بعض الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد، ومن أشهرها الحديث الوارد في صحيح مسلم، والذي جاء فيه "والذي نفْسُ محمدٍ بيدِهِ، لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، لا يهودِيٌّ، ولا نصرانِيٌّ، ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كان من أصحابِ النارِ".
صادفت تلك الأدلة مجموعة من الشواهد الأخرى التي تنهى -بشكل قاطع- عن الاستغفار لغير المسلمين. من ذلك ما ورد في الآية رقم 113 من سورة التوبة "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ".
وقد بنت جماهير الفقهاء أطروحتها على كل ما سبق، فرفضت إباحة الاستغفار للميت غير المسلم. على سبيل المثال، يقول  النووي في شرحه لصحيح مسلم "...وَأَمَّا الصَّلاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالإِجْمَاعِ". الحكم ذاته ذكرته الموسوعة الفقهية الكويتية المعاصرة. جاء فيها "اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ مَحْظُورٌ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنَّ الاسْتِغْفَارَ لِلْكَافِرِ يَقْتَضِي كُفْرَ مَنْ فَعَلَهُ؛ لأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ".




https://www.irfaasawtak.com/dyn-wfqh/2022/08/17/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%AD%D9%85-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85-%D9%81%D9%82%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D9%8A%D9%81%D8%AA%D9%88%D9%86-%D8%A8%D8%AC%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%87