نجم يشبه الشمس يساهم في اكتشاف أقرب ثقب أسود إلى كوكب الأرض
نجم يشبه الشمس يساهم في اكتشاف أقرب ثقب أسود إلى كوكب الأرض 1624
منذ الثمانينيات عكف العلماء على دراسة الثقوب السوداء فائقة الضخامة؛ التي تستقر في مركز معظم المجرات العملاقة في الكون. وبحلول أبريل 2019، أصدر فريق عمل تلسكوب أفق الحدث أول صورة على الإطلاق لثقب أسود فائق الضخامة.
ووضع كارل شفارزفيلد نظريته التي أسست لوجود الثقوب السوداء عام 1916، بعد توصله لحل معادلات المجال من نظرية النسبية العامة لأينشتاين.
نجح الفلكيون بعد ذلك في رصد الثقوب السوداء لأول مرة منتصف القرن العشرين، مستخدمين طرقًا غير مباشرة، وهي ملاحظة تأثيرات الثقوب السوداء على الأجسام المحيطة بها وعلى الفضاء.
شكلت تلك المشاهدات فرصةً لاختبار قوانين الفيزياء تحت أقصى الظروف، وإتاحة معارف جديدة عن القوى التي شكلت الكون.
اعتمد فريق دولى من الباحثين في دراسة حديثة على البيانات المتاحة من مرصد غايا لرصد نجم مشابه للشمس ذي مدار غير مألوف. إذ استنتج الفريق أنه وبسبب طبيعة مدار النجم فلا بد من إنها جزء من منظومة ثنائية مع ثقب أسود. وبذلك يكون هذا الثقب الأسود الأقرب لمجموعتنا الشمسية، ويشير لوجود عدد غير قليل من الثقوب السوداء الخاملة في مجرتنا.
قائد فريق البحث كريم البدري، عضو جمعية هارفارد لعلماء الفلك بالتعاون مع مركز هارفارد سميثونيان لعلم الفلك، ومعهد ماكس بلانك للفلك. انضم إليه باحثون من كالتك وبيركلي، ومعهد فلاتريون لعلم الفلك، ومعهد وايزمان للعلوم، ومرصد باريس ومعهد كالفي لعلم الفلك وأبحاث الفضاء التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعدة جامعات أخرى. وستُنشر الورقة البحثية الخاصة بنتائج دراستهم في المنشور الشهري للجمعية الملكية للفلك.
أشار البدري في رسالة إعلامية أن هذا البحث جزء من حملة موسعة لتحديد الثقوب السوداء الخاملة التي تتزاوج مع نجوم عادية داخل مجرة درب التبانة.
ويقول: «عكفت على البحث عن الثقوب السوداء الخاملة منذ أربع سنوات، مستخدمًا قواعد بيانات كبيرة وطرقًا متباينةً. كشفت محاولاتي السابقة عن مجموعة متعددة من الثنائيات التي تشبه الثقوب السوداء، لكن يبدو هذه المرة أن البحث قد آتى ثماره أخيرًا».
اعتمد البدري وزملاؤه من أجل تلك الدراسة على بيانات مستقاة من مرصد غايا التابع لوكالة الفضاء الأوروبية. استغرقت هذه المهمة عقدًا من الزمن في قياس مواقع ومسافات وحركية قرابة بليون جسم فلكي، مثل النجوم والكواكب والمجرات والمذنبات والكويكبات.
تطمح مهمة غايا إلى بناء دليل ثلاثي الأبعاد للكون، هو الأكثر دقة، وذلك بتتبع حركة الأجسام في أثناء دورانها حول مركز مجرة درب التبانة. تعرف هذه الطريقة بعلم القياس الفلكي.
اختبر البدري وزملاؤه 168065 نجمًا من إصدار بيانات غايا الثالث، والتي يُحتمل أنها لجسمين يدوران معًا.
عثر تحليلهم للبيانات على مرشح محتمل -نجم أصفر اسمه DR3 4373465352415301632- حسب بيانات غايا. وأطلق عليه الفريق للتيسير اسم Gaia BH1. توصل البدري وزملاؤه إلى أن هذا النجم يتشارك في المدار مع ثقب أسود؛ بناءً على معطيات رصدهم لمدار النجم.
يقول البدري: «ركزنا على التحليل الطيفي للنجم باستخدام عدة تلسكوبات أخرى، حتى نتأكد من أن أسلوب غايا البحثي صحيح. ولنستبعد أي احتمالات أخرى، فلم يتبق من تفسيرات منطقية سوى أن تلك الكتلة هي بالفعل ثقب أسود مظلم».

وللتأكد من ملاحظاتهم، حلل الفريق قياسات السرعة الشعاعية للنجم Gaia BH1 بواسطة عدة تيلسكوبات ومطيافات مستقلة منها تيلسكوبات: (HIRES)، و(MPG/ESO) و(X-Shooter)، و(GMOS)، و(LAMOS).
اعتمد الفريق على الوسائل نفسها المستخدمة في العثور على الكواكب الخارجية، أي تحليل دوبلر الطيفي، ووفرت تلك المراصد تحليل الطيف الذي مكن الفريق من قياس قوى الجذب المؤثرة على المدار. وأكدت تلك الملاحظات والقياسات أن مدار Gaia BH1 يحتوي على قرين خفي كتلته توازي 10 أضعاف كتلة الشمس.
أشار البدري أن هذا الاكتشاف قد يؤسس لوجود أول ثقب أسود في مجرة درب التبانة لم يكتشف بواسطة انبعاثات الأشعة السينية، أو أي صور طاقة أخرى.
صرح البدري: «تتوقع النماذج أن درب التبانة تحتوي على قرابة 100 مليون ثقب أسود، اكتشفنا منهم 20 فقط. كل ما اكتُشف من قبل لُوحظ بواسطة ثنائيات الأشعة السينية: الثقب الأسود يبتلع النجم المرافق وهو ما يجعله يلمع بشدة في مدى الأشعة السينية، بسبب تحول طاقة الوضع الجذبوية للمادة إلى ضوء.
كل ذلك لا يمثل إلا قمة جبل الجليد، فقد تظهر لنا العديد من الأجسام الكبيرة المخفية في ثنائيات تبعد عن بعضها كثيرًا. اكتشافنا Gaia BH1 يسلط الضوء على هذا النوع من الأجرام».
يعني هذا الكشف حال تأكد العلماء من صحته، أن مجرة درب التبانة تكتظ بالثقوب السوداء الخاملة. وتُعرف أنها الثقوب السوداء التي لا يُستدل عليها من الحلقة الساطعة المحيطة بها أو من فيض الإشعاع، أو الدفقات فائقة السرعة المنبثقة من قطبيه، مثلما يحدث في حالة الكوازارات.
سيكون تأثير تلك الأجسام في تطور النجوم والكواكب عميقًا جدًا في مجرتنا لو كانت بالفعل منتشرةً فيها. لكن يُحتمل أيضًا أن يكون هذا الثقب الأسود الخامل حالةً فريدةً وليس مؤشرًا على انتشار نظراء له في المجرة.
ينتظر البدري وفريقه الإصدار الرابع لبيانات غايا حتى يتمّ التأكد من فرضيته، ومع أن تاريخ نشره غير معلوم بعد، لكنه سيحتوي على كل المعلومات التي جرى جمعها طيلة خمس سنوات، وهي مدة تلك المهمة الافتراضية.

سيشمل الإصدار دليلاً فيه أحدث القياسات الفلكية والضوئية والسرعات الشعاعية لكل النجوم والثقوب السوداء والثنائيات والمجرات والكواكب الخارجية التي أمكن ملاحظتها.
جدير بالذكر أن الإصدار الخامس والأخير سيحتوي بيانات من المهمة الأصلية والإضافية أيضًا؛ أي على مدى 10 سنوات.
يقول البدري: «من المرجح أن يتيح الإصدار القادم من غايا اكتشاف العشرات من الأنظمة المشابهة، بناءً على معدل حدوث تلك الثنائيات التي دلنا عليها Gaia BH1.
يصعب معرفة عدد الأجرام المثيلة اعتمادًا على جسم واحد فقط. فقد يكون مجرد ضربة حظ، أو جرمًا شاذًا عن المألوف. نحن متحمسون للغاية لإجراء دراسات عن توزيعات تلك الأجرام التي سوف تتيحها لنا العينات الكثيرة».



المصدر:مواقع ألكترونية