مملكة ميسان أو ميشان 127) ق.م وإلى (222) ميلادي
ان مملكة ميسان اصولهاعربية قديمة أشارت المصادر بأن سكانها الأصلیين عرب منذ أیام الإمبراطوریة الآشوریة، ونزحوا أصلا من الجزيرة العربية إلی بلاد الشام، واستوطن قسم منهم ضفاف الخابور والفرات، وقد نشأت المملكة في جنوب العراق في القرن الثاني ق.م، وذلك بعد تفكك إمبراطورية الاسكندر المقدوني، وكانت عاصمتها خاراكس (Charax) (باليوناني) في منطقة المحمرة حالياً، وأسس مملكة ميسان الملك هيسباسينز وهو رجل عربي بدوي يطلق عليه احيانا (اسباسين الأول)، واشتهرت مملكته بأسم (المملكة الكرخية) وعاصمتها (ميسان) عام (127) ق.م، وقد لقبه المؤرخ (يوسفيوس) (Josephius) (بالعربي) في عهد نطيوخس الرابع (ابيفانس) (Epiphanes) (175-163) ق.م الملك السلوقي، وتولى حكم هذه المملكة (24) أو (26) ملكا وعرف ملوكها من خلال العملات النقدية التي نقشت باليونانية ومن ثم الارامية.
اصبحت مملكة ميسان مستقلة، وقد حافظت على استقلالها (ولربما كانت تابعة بشكل أو باخر للامبراطورية الفرثية )، ولربما تحالف بعض جيوش الرومان معهم في نضالهم ضد العدو المشترك المملكة الفرثية (Parthian)، وامتدت مملكة ميسان شمالا حتى جنوب بابل في وسط العراق، وعيلام جنوبا، وكانت ميسان من الممالك القديمة والمؤثرة في تأريخ الحضارتين الرافدينية والفارسية للفترتين ما قبل وبعد الميلاد، ولكن هناك صعوبة بالغة الشدة حيث تفتقر المواد التأريخية العربية والأجنبية من المراجع والبحوث والدراسات للمعلومات الكثيرة عن تأريخ المملكة، وهي في الحقيقة وثائق شحيحة جدا.
كانت ميسان (ميشان) لها ميناء مهم على رأس الخليج العربي، حيث سيطرت على الملاحة في الخليج وفي شط العرب، وأنهارالكارون أو (الكرخه)، ودجلة، والفرات، وقد زارها الإمبراطور الروماني تراجان (Trajan) عام (116) ميلادي، وراى السفن تغادر منها إلى الهند، وكان لها قوة عسكرية مهمة حيث احتلت بابل، وسيطرت على مناطق كثيرة وهزمت العيلاميين (Elamites) واحتلت مدينة عيلام نفسها.
وكان لمملكة ميسان علاقات في بداية القرن الأول الميلادي مع مملكة (حدياب) (اربيل)، وكان أحد الامراء الحديابيين وهو (ايزات) قد قابل أحد التجار اليهود في (ميشان) واقتنع بالايمان باليهودية، فلما عاد أصبح ملكا على حدياب بين (30-36) ميلادي بحسب ما جاء في كتاب (تاريخ يهودا) للمؤلف لفلافوس جوزيفوس (Flavus Josephus)، وظلت المملكة قائمة حتى اكتسحها ميريداتس الرابع الملك الفرثي الأشكاني (Meredates) في الاعوام (128-147) ميلادي واحتل عاصمة ميشان (كرخا) (Charax) ونقل اهاليها إلى مدينة فرات-ميشان التي كانت واقعة على نهر دجلة القديم جنوب المحمرة بحوالي (18) كم، ولكن موقع مدينة ميسان (ميشان) بقيت قائمة، وفي تلك الفترة دخلت المسيحية إلى ميسان خاصة في مدينة جنديشابور (Gundishapur) بواسطة مبشرين قد قدموا من مدينة انطاكيا (انتوشيا) (Antioch) (أنطاكية في تركيا وتقع على البحر المتوسط)، وأخذ يطلق على ميسان (بيت هوزاي) التي ربما أصل كلمة الاهواز، وسميت جنديشابور من قبل ساكنيها (بيت لافاط) أي (مكان الهزيمة)، وانتشرت المسيحية في منطقة بيت قطرايا (قطر)، وفي البحرين، وفرات-ميشان (قرب البصرة فيما بعد)، وكانت نهاية ميسان على يد أردشير الأول (Ardashir) الملك الساساني وهو أول ملك للفرس الساسانيين (Sasanian) قرابة عام (222) ميلادي.
بعض اسماء الملوك الذين تولوا عرش مملكة ميسان حسب العملات التي عثر عليها
1 - هيسباسينز ( انتيوخس الرابع ) (127-124) ق.م ، مؤسس مملكة ميسان .
2 - أبوداكس (124-104) ق.م ، معرف من خلال العملة .
3- تاريوس الأول (94-90) ق.م، معرف من خلال العملة .
4- تاريوس الثاني (79-49) ق.م، توفي بعمر (92) سنة، ولايعرف عنه شيء اخر سوى العملة التي تحمل نقشه .
5- أرتبازوس (49-48) ق. م، توفي بعمر (86) سنة، ولايعرف عنه إلا من خلال القطع المعدنية .
6- أتامبيلوس الأول (47-24) ق.م، معّف من خلال العملة .
7- ثييونوسيس الأول (24-18) ق.م، معرف من خلال العملة .
8- أتامبيلوس الثاني (17 ق.م-9 ميلادي)، معرف من خلال العملة .
9- أبنيرغوس الأول (10-11) ميلادي، معرف من خلال العملة .
10- أورابازيس الاول حوالي (19) ميلادي، ذكر في نقوش من مدينة تدمر.
أهم الاحداث في مملكة ميسان
1-ازدهرت التجارة العالمية لوجود علاقة جيدة بين الصين والفرثيين الأن الصين كانت مركز اقتصادي وتجاري عالمي في الأعوام (139-126) ق.م، ومنذ تلك الفترة اعتبرت نقطة تحول في التجارة العالمية آنذاك فقد زار السفير الصيني شانج كي آن (Chang K’ien) مناطق الهند، وأفغانستان، وإيران والأقاليم التابعة لها، وتعجب من رقي تلك المناطق وتقدمها، وان الصين ليست الوحيدة متقدمة حضارياً! وفي عام (97) م وخلال حكم (هو) (Ho) امبراطور الصين، أرسل معاون الجنرال (بان شاو) (Pan Ch'ao) مبعوث (كان يانك) (Kan Ying) في مهمة إلى (تا شيان) (Ta Ch’in) (بمعنى سوريا)، وقد وصل المبعوث الصيني إلى مملكة ميسان (Mesene) (T’iao-tche ) (العمارة حاليا) واقام فيها، واخبره البحارة ان الرحلة ذهابا وإيابا إلى سوريا تستغرق ثلاث اشهر وفيها مخاطر كثيرة، وهذا دليل على الأهمية المتزايدة لمنطقة ميسان والطريق الجنوبي (الخليج العربي وإلى البحر الأحمر) للوصول إلى سوريا فعدل عن رحلته البحرية، وعاد إلى الصين، واصبح طريق الحرير يمر عبر بابل ونهر الفرات إلى انطاكيا (تركيا الحالية)، وفي عام (101) ميلادي أرسل فاقور الثاني (اسمه بالصيني Man-ch’iu) ملك فرثيا (Ngan-si) هدايا أسود ونعامات (T’iao-tche) من ميسان هدية الامبراطور الصيني.
2-من مشاهير الجغرافيين الرحالة الجغرافي الروماني ايسيدور الكرخي (Isidore of Charax) الف كتاب (المحطات الفرثية) (The Parthian Stations)، وترجم الكتاب الباحث (W.H. Schoff)، وقد وصف ايسيدور الكرخي طريق التجارة البري من سوريا إلى الهند، وذكر في كتابه قياسات الأرض في زمن الامبراطور أغسطس (Augustus) واشار ايسيدور في كتابه إلى مملكة ميسان التي ولد فيها.
3-أحد ملوك ميسان تم تعينه من قبل فاقور الثاني (Pacorus) (78-115) م الملك الفرثي الذي انجب عدة أبناء من زوجته التي لا نعرف اسمها، وأحد أبنائه يدعى ميريداتس (Meredates) أو ثييونوسيس الرابع (110-113) ميلادي وتسلسلة بين الملوك رقم (20)، وهو معرف من خلال العملة، وأصبح ملكا في مملكة ميسان.
4-من الديانات التي نشأت في ميسان هي المانوية، فقد كان ماني (Mānī) إيرانيا من أسرة عريقة، وتقول الروايات إن أمه من العائلة المالكة التي حكمت إيران عندما ولد ماني (215) أو (216) م، وأما ابوه (فاتك) (Fatek) فهو من أصل إيراني عريق، وقد هاجر (فاتك) من بلده همدان (Hamedan) (اكبتانا القديمة) إلى بابل حيث اقام في قرية في وسط ولاية ميسان (العمارة) على نهر دجلة، وهناك كان يحضر مجالس (المغتسلة) (المندائيين) أو (الصابئة) وهي إحدى الفرق التي استوطنت في الأقاليم الواقعة بين الفرات ودجلة ولا زالت هذه الفرقة موجودة في العراق، وفي قرية من قرى ميسان ولد (ماني) ونشأ على مذهب المغتسلة ثم درس اديان زمانه من الزرادشتية، والمسيحية، والبوذية، ثم ترك مذهب المغتسلة وزعم أنه يرى الوحي عدة مرات في صورة ملاك أسمه (القرين) ، فكان يكشف له الحقائق الإلهية، ومن ثم بدأ يعلن دعوته وادعى أن المسيح (ع) بشر بدعوته في الانجيل بانه (الفار قليط): (وردت عبارة في الانجيل وعلى لسان المسيح (ع) كلمة (الفار قليط) والفار تعني (البار) وهي كلمة آرامية، وقليط وهي الأخرى آرامية وتعني (المنقذ) ومعنى العبارة (المنقذ البار)، وتتلخص دعوة ماني (أن الحكمة والاعمال الحسنة يأتي بها الرسل من الإله ومنذ القدم، ففي البداية نزل الرسل في الهند (البوذية، والكنفوشية ..الخ)، ونزل زرادشت بحكمته في أرض فارس، ونزل المسيح عيسى في أرض فلسطين، ثم نزل الوحي على يدي أنا (ماني) رسول إله الحق إلى أرض بابل)، وهناك أغنية فارسية سائدة في شمال إيران تقول: (إني جئت من بلاد بابل لأبلغ دعوتي للناس كافة)، كما ادعى ماني بانه جاء ليكمل كلام الإله، وانه خاتم الأنبياء.
بقلم:الأستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم