ختم اسطواني من العقيق الأبيض للمحاسب الخبير اوباليسو-مردوخ البابلي
(من العهد الكاشي)
يعود الختم الأسطواني المصنوع من العقيق الأبيض إلى اوباليسو-مردوخ، (ú-ba-lí-su-dAMAR.UTU) معنى الأسم (مردوخ أبقاه على قيد الحياة)، كان يحتل منصب (المحاسب الخبير) البابلي بمعنى نيگاس (niğkas)، وقد ترقى إلى رتبة مسؤول سنقو(sanqu) في حكومة كوريكالزو الثاني (1332-1308) ق.م ، أن المصادر الرئيسية عنه هي أختامه الأسطوانية التي توضح تفاصيل انتماءاته الدينية ونسبه، ويعتبر الختم اعلاه أقدم أختامه، ولدية ختم ثاني يذكر فيه نسبه العريق.
نقش على الختم أحد عشر سطرا، وهناك سطر واحد يضم خمس حشرات لا يعرف معناها ربما زخرفة، أو نهاية الأسطر، ويقدم في الأسطر صلاة للإلهة نينسون (Ninsun) اسمها يعني (سيدة الأبقار البرية) فهي ابنة إله السماء انو (Anu)، وذكر منصبه (المحاسب الخبير):
Lines:
1--dnin-súmun nin gal-di
2--dumu sag an gal-[la7]
3--sa12-du5 maḫ den-líl
4--nam-kù-zu níg-nam-ma šu-du7
5--lú kin-kin-za ḫé-li
6--in-di-bi ḫé-sa6
7-a-ga-na ki7 še-er-kán <ḫé>-d[u]
8--Ú-Ba-Li-Su-dAMAR.UTU
9--dumu ìr-é-a
10-um-mi-a níg-kas7
11--ìr Ku-Ri-Gal-Zu lugal kiš
الأسطر:
1 – يا نينسوم ، السيدة العظيمة ،
2- الابنة الكبرى للإله ان (Anu) العظيم.
3- مسجل الأراضي الرئيسي للإله أنليل ،
4- بحكمته يجعل كل شيء كامل
5- سعيد من يطلبك!
6- ولعله يكون بخير.
7- وعند مروره تكون الأرض جيدة التنظيم.
8 –اوباليسو-مردوخ
9- ابن عراد- ايا.
10- المحاسب الخبير،
11- خادم كوريكالزو ملك العالم (LUGAL)
أما الختم الآخر فخصص فقط السطرين الأخيرين للمسائل الدينية ، بينما الأسطر الاربعة الاخيرة ذكر فيها اسم مالك الختم، وأسلافه كما في النص التالي:
أوباليسو- مردوخ ،
مدير لدى كوريكالزو، ملك العالم ،
ابن عراد- ايا المحاسب الخبير،
حفيد أوشور-آنا- [. . .]،
حاكم ايكور I(kur?)E ،
سليل اوسي –انا-نوريسو / سا ،
نائب حاكم دلمون
حفيد حفيد
سين- إنبام ،
الـ (. .1. . .)
ذكر أربعة أجيال من أسلافه، كان أولهم والده (المحاسب الخبير) ويدعى عراد-آيا (Arad-Ea)، ومن ثم اوشور-انا-مردوخ (Uššur-ana-Marduk) وكان يعمل حاكم نيبور (Nippur) (gá-dub-ba é- kur?)، وبعده ذكر اوسي- آنا –نوريسو (Usi-ana-nuri-?) جده ويعمل (GIR3. NITA2 kurdilmunki-) (الوصي) أو ( نائب الملك في دلمون) ، (يعتقد البحرين قديما).
أما شقيقه إيلي-بولتا-مردوخ (Ile’e-bulṭa-Marduk)، فمنصبه مدير في معبد مردوخ في بابل، كما جاء في لوح مسماري يصف صناعة الزجاج، يبدو في الأصل تاريخ اللوح (في السنة التي تلت والتي أصبح فيها گل-كيشار(Gul-kišar) ملكا)، (LUGAL KUR A.AB.BA) (ملك القطر البحري) ويُفترض أنه يشير إلى تاريخ أقدم أوغريب في اللوح.
يبدو أنه كان هناك خلافات في عائلة أوباليسو-مردوخ، حيث انتقل ابن عمه مردوخ-نادين-آخي (Marduk-nādin-aḫḫē) إلى مدينة آشور وتولى منصب الكاتب الملكي للملك الآشوري آشور-اوبالط الأول (أشر-أبلط) (Aššūr-uballiṭ) (1353-1318) ق.م ، فقد عثر على نسخة من نقش تذكاري يعود له يذكر فيه: (يمكن لأي شخص أن يضر أقارب وعشائر أجدادي الذين اعتنقوا الخيانة)، يقترح (Wiggerman) أن سبب الخلافات العائلية ربما كان الانقسام في الولاءات فسبق وان تزوج بورنابورياش الثاني الملك الكاشي من موباليطات-شروا ابنة اشور-اوبالط وانجبت طفل اطلق عليه كارا-خرداش(Kara-ḫardaš) وتوقع الملك الاشوري انه سوف يوحد المملكتين بابل واشور عند استلام حفيده العرش، ولكن الامور سارت باتجاه معاكس فقد ثار الشعب البابلي وقتل الملك الشاب كارا-خرداش الكاشي (1333) ق.م على الرغم من انه ابن وخليفة بورنابورياش الثاني (Burna-Buriaš) (1359-1333) ق.م، و كان مردوخ-نادين-آخي له صلة قرابة ربما صهر آشور-اوبالط الأول، وهذا من شأنه أن يضعه مع عائلته في صف التدخل العسكري الآشوري على اثر مقتل (كارا-خرداش) في بابل ، في حين أن أوباليسو-مردوخ ربما انحاز إلى المغتصب نازي-بوكاش (Nazi-Bugash) (1333) ق.م الذي استلم الحكم بعد مقتل الملك الشاب، عموما وصل الجيش الاشوري الى سامراء عندها ابرم اتفاق بين الدولتين بان ينصب الآشوريين ملكا على بابل لهذا تم تنصيب كوريكالزو الثاني ملكا على عرش بابل في نهاية المطاف، وهكذا الولاءات تتغير حسب المصالح والعلاقات فبقي أوباليسو-مردوخ مواليا للكاشيين في بابل بعكس ابن عمه مواليا للاشوريين.
تم تسجيل أحفاد أوباليسو- مردوخ في سلالة مردوخ-زاكير-شومي (Marduk-zâkir-šumi) وهو الشخص المسؤول أو حاكم اقليم، والذي استفاد من الهبة الملكية بحصوله على أرض كما ورد في كودورو (kudurru) (احجار الحدود) في عهد مردوخ-ابلا-يدينا الأول (Marduk-apla-iddina) (1171-1159) ق.م عندما ذكرت اسماء ريميني- مردوخ (Rimeni-Marduk) ابن أوباليسو- مردوخ، وحفيده نابو-نادين-آخي (Nabû-nādin-aḫē) ، وحفيده مردوخ- زاكير- شومي.
لدينا ايضا ايلي-إيباشرا(Ilī-ippašra) ، وصف في نقش (DINGIRmeš-ip-pa-aš-ra)، ومعنى الأسم (تصالح الإله معي) ، كان رجلا بابليا ربما تم تدريبه في عهد الملك الكاشي كوريكالزو الأول، الذي انتهى حكمه (1375) ق.م ، ورقي ليصبح مسؤولا اداريا رفيع المستوى نائب حاكم دلمون في عهد بورنابورياش الثاني (Burna-Buriaš) حوالي(1359-1333) ق.م ومن المحتمل كان خليفة اوسي-انا-نوريسو (Usi-ana-nuri-؟)، نائب ملك دلمون الذي تم توثيقه في الختم الاسطواني لحفيده اوباليسو-مردوخ.
عثر على لوح في حالة سيئة، يعتقد تم العثور عليه في لارسا (Larsa) (تل السنكرة في محافظة ذي قار) ولكن نسب اللوح إلى نيبور، ويعرض تفاصيل عقد التبني الخاص ايلي-إيباشرا وكان والديه بالتبني سين-نابشيرا (Sin-napširra)، ابن بيريرتوم (Biriritum)، الذي حصل عليه من سيده نازي-شيقم (Nazi-Šiqm)، ومن الواضح هو ان الأسم كاشي، وشهد العقد الكاهن شمش-نيشو(Šamaš-nišu) ، والكاتب يزكور-مردوخ (Izkur-Marduk)، وشخصان آخران هما كيدينو (Kidinu) وإيشبتوم Išabtum) )، وكان تأريخ العقد في اليوم التاسع عشر من شهر شباطو (Šabatu) (شباط)، وهو العام الذي قام فيه كوريكالزو ببناء ايكورجيبارا (Ekurigibara)، معبد الإله انليل (Enlil) في نيبور عام (1380) ق.م.
بعد ذلك نعلم بان إيلي- إيباشرا بعد بضع سنوات كان مقيما في دلمون، ويظهر في مراسلاته كان سابقا مقيما مع إنليل- كيدني(Enlil-kidinni) حاكم نيبور، وبعض مراسلاته مع شانداباكو (šandabakku) بمعنى (مؤرشف الإله) في معبد نيبور حوالي (1342-1336) ق.م، وكان يخاطبه باسم إيليا (Illiliya) ، عموما كان المركز الإداري الكاشي في قلعة دلمون (يعتقد البحرين)، وقد تأكد في عام (1995) بعد اكتشاف مخبأ كبير للألواح المسمارية في العراق ، ومن بينها ثلاث رسائل، إحداها فيه كسر كبير لا يقرأ منه غير التحية الافتتاحية وذكر (أمر ملكي) و يتعلق الجزء الكبير من محتوى الرسائل الأخرى بالأنشطة الشائنة لمجموعة يطلق عليهم الاخلامو (Aḫlamû) ربما استخدم هذا المصطلح بمعنى (البدوي)، كما تم استخدامه في مكان آخر كمرادف لأسم شعب امورو (Amurru)(MAR.TU.MEŠ) وهم مجموعة تستوطن الفرات الأوسط ومناطق غرب سوريا ، لا يبدو أن ايلي-إيباشرا (Ilī-ippašra) كان يتحكم بشكل كامل في الأحداث التي تدور حوله في دلمون، ففي لوح له يحيي أخيه: (رب إنزاك ومسكيلاك، آلهة دلمون، يحفظوا حياتك) ثم يتحدث إليه عن نهب الاخلامو التمور: (الاخلامو الذين يحيطون بي أخذوا التمور، وانا أشعر بالقلق، لا يمكنني فعل أي شيء)، وايضا : (من المؤكد أن الاخلامو يتكلمون معي بكلمات فيها العداء والنهب، وليس السلام، وعندما سألتهم ان يسلموا لي بيلو-خيبيل (Bēlû-ḫebil)، رفظوا تسليمه).
يظهر ان اجداد واحفاد المحاسب الخبير اوباليسو-مردوخ البابلي كانوا من عائلة تجيد الحسابات، والاهتمام بخزينة الدولة ، والامور الادارية لدى الدولة الكاشية التي حكمت بابل (1595-1157) ق.م، فعلى الرغم من الكاشيين ليسوا باصول سامية (جزرية) انما اجانب يعتقد انهم من جبال زاكروس يطلق عليها الان لورستان، وفترة حكمهم من اكثر حقب التاريخ البابلي غموضا لقلة المصادر المدونة والاثار الخاصة بهم، وحتى لا نعرف مفردات لغتهم غير بضعة كلمات لا تتجاوز (200) كلمة، وربما امنوا بان بقائهم في حكم بابل يعتمد على الاعتماد على الشعب البابلي ذو الخبرة الادارية وطريقة الحكم، ولهذا نجد ان عائلة اوباليسو-مردوخ كان لها عمق اداري عند ملوك الكاشيين حتى ولو كان هناك البعض منهم لهم تعاون مع اشور اعداء الكاشيين، لكنهم احتفظوا بمكانتهم في بابل، وهكذا قدمت لنا الاختام الاسطوانية معرفة قيمة عن المحاسب الخبير اوباليسو-مردوخ البابلي.
بقلم:الأستاذ الدكتور صلاح رشيد الصالحي
تخصص: تاريخ قديم