اكتشاف ديناصوربعين الصفراء
من فصيلة الصوروبود، آكلات العشب المُكتشف برويس الجير (عين الصفراء):-
في 21 فيفري من كلّ سنة، يُجدّد الرّأي العام التّساؤل عن المصير الذي آل إليه هيكل الديناصور الذي استخرجه فريق الجيولوجيا، التّابع لشركة «سوناطراك»، في العام 2000. كلّما حلّت الذّكرى تجرّع ساكنة عين الصّفراء، في الجنوب الغربي من البلاد، خيبة الظنّ في أولئك الذين صوّروا لهم شريطًا من الوعود العرقوبية، كان أكبرها تحويل موقع الاكتشاف لـ«جوراسيك بارك» الأوّل من نوعه في الجزائر.
الأخبار الأولى عن الديناصور
منذ آواخر القرن التّاسع عشر، شدّت ناحية #عين_الصّفراء(ولاية النّعامة) أنظار الباحثين الفرنسيين في الجيولوجيا، بالنّظر إلى تكويناتها الجيولوجية المُتنوّعة التي تعود إلى الزّمن الجيولوجي الثّاني.
البداية كانت مع الباحثيّن بويان(Pouyanne) وبيرون(Peron) بإنجازهما لدراسة جيولوجية شملت الفترة من 1874 إلى 1883، مُتخذة من ضاحية «تيوت»، الواقعة شرق عين الصّفراء، مسرحًا لها، ثم تلاهما فلاموند بدراسته الميدانية المرجعية الشهّيرة سنة 1911، وردت في 1001 صفحة، تناول فيها جيولوجيا وجغرافيا أعالي «القطاع الوهراني» والصحّراء.
ثم جاء كورني(Cornet)، سنة 1949، ليقوم بإنجاز دراسة أخرى للنّاحية، أتبعها دونيس قالميي(Denis Galmier) بتغطية جوية لقصور الأطلس الصّحراوي بالجنوب الوهراني، حيث أثمرت عام 1972 تسع خرائط مرجعية. أمّا جان باسولي(Jean Paul Bassoullet)، فأنجز عام 1973 دراسة حول الزّمن الجيولوجي الثّاني للأطلس الصّحراوي الغربي.. وتحلّ سنة 1998 ليتقدّم الباحث الجيولوجي الجزائري العربي مكحلي بدراسته حول التّطوّر الجيولوجي لقصور الأطلس الصحراوي.
تعود أولى الأحاديث عن آثار ديناصورات عندما حلّ الباحث باسولي بالمنطقة سنة 1973، رفقة الباحث فيليب طاكي، بعين الصّفراء، لفحص ودراسة صخرة تحمل بصمات تتكوّن من ثلاثة خطوط، بمعية الباحث يوسف إيليو، حيث أفضت النّتائج التي توصّلوا إليها بأنها آثار رِجل ديناصور.
لم يُعمّر هذا الاكتشاف طويلاً، حيث تمّ سحق الصّخرة لتواجدها بمحجرة للحصى، فصاحبها كان يجهل قيمة مثل هذه الحفريات. ويرجع السّبق في اكتشاف عظام وفقرات ديناصورات إلى باحث من الهوّاة، يُدعى بن يعقوب عبد المجيد ، الذي تمكّن، بدءًا من 1989، من جمع 16 عظمًا ديناصوريا، إثر تردّده على المكان المسمّى «رويس الجير»، نواحي قرية أولقاق، بإقليم دائرة الصفيصيفة؛ كما بادر بالاتصال بالباحثة بمركز البحث والتّنمية لشركة سوناطراك فريدة محمّد.
وبعد إعلان المركز عن إكتشاف ديناصور القصور، كلّف ابن أخته طبيب الأعشاب مصطفى خليفي لتسليم الفقرات والعظام الديناصورية التي جمعها لرئيسة المشروع مقابل وصل تسليم. حدث هذا في أعقاب مأدبة عشاء نظمت على شرف فريق المشروع.
أين ذهب ديناصور القصور؟
في أكتوبر 2000، توصّل فريق الجيولوجيا، التّابع لمركز البحث والتنمية لسوناطراك، إلى رصد ثلاثة مواقع لحفريات ديناصورات بجبل رويس الجير (60 كلم غرب عين الصّفراء)، ليعرف الموقع الأول بداية الأشغال في شهر مارس من سنة 2001، بالتنسيق الميداني مع باحثين من كلية علوم الأرض والجغرافيا (جامعة وهران).
وحتى يضمن فريق البحث الجزائري انطلاقة أكيدة لأشغاله، استنجد بطلب خدمات عالم الحفريات العالمي الفرنسي فيليب طاكي، لاسيما عند مرحلة تحديد وضعية واتجاه العظام ناهيك عن إحاطتها بجبيرة جبسية حيث تكون في الغالب مُهشمة ومكسّرة.
تمكّن فريق البحث والتنقيب من جمع أكثر من 300 عظم، بما في ذلك الفقرات، علمًا أنّ الديناصور يتكوّن هيكله العظمي من 700 عظم، وهي لديناصور القصور، كما سموه، شاب من فصيلة(Les Sauropodes)، يصل طوله إلى 9 مترات، من آكلات العشب، يمشي على أربع قوائم. عاش ضمن حقبة تتراوح بين 160 إلى 175 مليون سنة ضمن العصر الجوراسي المتوسط للأطلس الصّحراوي الغربي (الأطلس الجزائري الأعلى).
في خضم تهاطل الشّكوك والتّساؤلات عن الوجهة التي سلكها «ديناصور القصور»، أفادت الرواية الرسمية، التي تقدّم بها مركز البحث والتنمية لسوناطراك، بأنّ الديناصور لا يزال محفوظا بالمركز الكائن بولاية بومرداس، فيما تقول مصادر عليمة أنّ الديناصور تمّ نقله إلى مخبر مختصّ بباريس لتحليله وقولبته لإخراجه في النّسخة الأصلية، غير أنّه «خرج ولم يعد».
سارع أصحاب مشروع الديناصور، تحت قيادة السيدة فريدة محمّد، إلى نشر أبحاثهم العلمية حول اكتشاف «القرن الجديد» بالجزائر بمجلات علمية متخصّصة باللغتين الفرنسية والإنجليزية، ابتداءًا من سنة 2002، حيث ركّزوا على أنّ هذا «الصوروبود» الجزائري يُعدّ أول اكتشاف واضح المعالم بالنّظر إلى اكتماله جزئيًا (الهيكل العظمي، وقطع من الجمجمة، أسنان). ولعلّ هذا الإنجاز العلمي الذي عرّف بالمنطقة في المحافل العلمية الدولية هو التذكار الوحيد من فريق البحث الذي لم يرجع.
.وصية فيليب طاكي للجزائريين
قال عالم الحفريات فيليب طاكي، عن الاكتشاف، بأنّه حدث بالغ الأهمية من منطلق أنّ الموقع به عظام للحيوان نفسه، لقد اعتبر أنّ التوصّل إلى جمع 300 عظم رهان يفيد بوجود ديناصورات أخرى، وإن تحقّق ذلك فستصبح المنطقة مشهورة، وهو ما سيرفعها إلى مصاف الدّول التي انتعشت السّياحة بها بفضل آثار الديناصورات، على غرار فرنسا، التي تتوفّر على محمية جيولوجية بها مرشدون سياحيون محليون، والحال ذاتها بالبرتغال. فإن رامت الجزائر – حسبه – أن تنهض بتنمية السّياحة بناحية عين الصّفراء، فإنّ اقتفاء آثار وبصمات ديناصورات هي أبرز الآليات لإخراجها من العزلة والمجهول.
المصدر : مواقع ألكترونية