في سيرة معالم ليبيا الأثرية: ثيودورياس –أو قصر ليبيا
قصر ليبيا هي مدينة صغيرة في شمال ليبيا على بعد حوالي 66 كيلومترًا (41 ميلًا) شمال غرب البيضاء. كانت تمسى قديما (Olbia) و(Theodorias) وتم التنقيب عن أطلالها في الخمسينيات من القرن الماضي.
تحتوي المدينة على متحف يضم خمسين قطعة فسيفساء بيزنطية.
وتقع على مفترق طرق بين طريق المرج - البيضاء الرئيسي شرقا وجنوبا طريق قصر ليبيا - مروعة.
يعود تاريخ قصر ليبيا إلى ما قبل البيزنطيين حيث أن موقع المدينة كان مستعملا من قبل الإغريق منذ القرن الرابع ق.م. ليعرف لاحقا باسم أوليبيا "olibya" أو مدينة أوليبيا القديمة. كما تأثرت المدينة بشدة من هجمات الوندال والنوميديون الذين احتلوا أجزاء من شمال أفريقيا في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي والربع الأول من القرن السادس للميلاد. لاحقا قام الإمبراطور البيزنطي جستنيان بإعادة تأسيسها العام 539، حيث أطلق عليها اسم «ثيودورياس» نسبة لزوجته ثيودورا التي تربت في أبولونيا المجاورة.
بنيت في قصر ليبيا كنيستان الأولى الكنيسة الشرقية والتي اكتشفت في العام 1957، والثانية الكنيسة الغربية والتي اكتشفت في العام 1964. كما شرع في نهاية ستينيات القرن العشرين بناء متحف أثري صغير قرب الكنيسة الغربية، عرف باسم «متحف الفسيفساء البيزنطية» افتتح في العام 1972 حيث يعرض مجموعة الأرضيات الفسيفسائية التي كانت تزين الكنيسة الغربية، كما وجد فيها فسيفساء نادرة لمنارة الإسكندرية والتي تعتبر هذه اللوحة الوحيدة لتوضح شكلها.
ثيودورياس أو كما تُعرف اليوم” بقصر ليبيا “, هو اسم تحمله إحدى المناطق بالجبل الأخضر ، وهى بلدة بيزنطية في منطقة برقة _ سيرينيكا قديماً .تأسست بالقرن السادس الميلادي وتحديداً عام 539 م على يد الإمبراطور البيزنطي جستنيان _ Justinian . وشمال بلدة “قصر ليبيا ” يوجد الموقع الأثري للبلدة، والذى يضم عدة معالم أثرية ترجع في تاريخها إلى الفترة الإغريقية والبيزنطية ، ومن أهم ما يميزها من معالم ، كنيستان تم تحديدهما والكشف عنهما هناك .وهما الكنيسة البيزنطية الشرقية (القرن السادس الميلادي ) وهى التي تم اكتشافها أولاً نهاية الخمسينات ،أي قبل اكتشاف الكنيسة الغربية ببضع سنوات والتي كانت عام 1964.
وتُعد أرضيات الفسيفساء في البازيليكا الشرقية والتي هي نفسها الكنيسة الشرقية، من أهم الكنوز الفنية المهمة في عصر الإمبراطورية البيزنطية في ليبيا ،وربما المقصودة هنا أرضية الفسيفساء التي كشفت عنها البعثة الأثرية من جامعة بنغازي في سبعينات القرن الماضي عندما كشفت عن أطلال وبقايا كنيسة كانت أرضية صحنها على شكل سجادة مستطيلة من الفسيفساء على كامل المساحة للصحن، وعليها تكوينات وصور تصور مشاهد من الحياة اليومية وزخارف متنوعة ،وتعتبر ثيودورياس وقتها مدينة قد بُنيت على أنقاض مدينة أولبيا القديمة – Ancient city of Olbia” , والتي عانت طويلاً من الويلات عندما احتل الوندال – Vendals ,وقبائل لواتة البدو – Laguatan nomads , مناطق من الشمال الإفريقي وذلك بالنصف الثاني من القرن الخامس والربع الاول من القرن السادس. إلى أن قام الإمبراطور جستنيان وضمن ما عرف بمشروع التجديد_ Ananeosis…بإعادة تأسيس وبناء أولبيا المُهدمة من جديد ،وذلك كجزء من إعادة تنظيم سيرينيكا _ برقة ، وكان تاريخ ذلك وفقاً لما تم استنتاجه من خلال فسيفساء الكنيسة الشرقية بعام 539 ميلادي ، واعاد جستنيان تسميتها باسم ” ثيودورياس على اسم ثيودورا زوجته ،والتي قضت شبابها بسوسة المجاورة – أبولونيا – Apollonia قديماً .
مع البحث وبعثات الاستكشاف والتنقيب والحفريات تم الكشف جزئياً بالحفر عن المدينة الجديدة وتحديد عدد اثنان من بناء البازيليكا ، البازيليكا الشرقية والبازيليكا الغربية ..واخذت البازيليكا الشرقية شهرة أوسع لما تضمنته من مساحات فسيفساء مدهشة وبحالة جيدة جدا، وللتكوينات المُلوَنة المُصوَرة عليها ،مقارنة بالفن الإمبراطوري الرسمي بذلك العصر .( كانت أشبه بالفسيفساء الموجودة بالقسطنطينية ) ، وقد تكون الفسيفساء التي عُثر عليها في قصر ليبيا خشنة لحد ما ،لكنها حية وملونة ،وتُعبر عن نوع من ( è lan vital) والذى يستمر في إدهاشك وابهارك .وقد كان المستكشفون على يقين بوجود كنائس أكثر في المنطقة المجاورة لم يتم الكشف والحفر عنها بعد.
أرضية الكنيسة الشرقية مغطاة بخمسين قطعة موزاييك، والتي تغطى مساحة 6× 10.50متر..وتوضح مواضيع اللوحات على هذه الفسيفساء الكبيرة مواضيع دينية مثل تمثيل _ الخلاص المسيحي، وبذات الوقت تمثل إعادة تأسيس المدينة عام 539م على يد الإمبراطور جستنيان.. ويمكن التعرف على تجسيد كل من، الأساس أو التأسيس ( .Ktisis ) والزخرفة والتزيين ( Kosmesis)، والتجديد ( Ananeosis ) ،وقد تم نقل هذه المجموعة من الفسيفساء إلى المتحف المقابل للكنيسة الغربية ،والذى تم تأسيسه هناك بالسبعينات من القرن الماضي . وهناك فسيفساء ثانية موجودة بغرفة ملحقة وبالإمكان مشاهدتها بذات المتحف .
وأمام الكنيسة الشرقية توجد ردهة محاطة بأروقة ،والتي كان يستخدمها الناس في الإعداد للطقوس الدينية التي كانت تقام بالكنيسة آنذاك .
الفسيفساء الاولى :_
عند الدخول للكنيسة سيُلاحظ أولاً الفسيفساء التي تُمثل “منارة الاسكندرية _ Pharos” (والتي تعد إحدى عجائب العالم السبع ) . وبالتحرك ناحية الوسط سيشاهد الزائر “طاووس ” وهو يرمز إلى “البعث ” ،ويُرى تصوير يمثل “أورفيس _ Orpheus ” _ المغنى التراجانى الذى انتصر على الموت والذى يشير إلى نفس النقطة ..وبتحرك الزائر واقترابه نحو ” حِنْيَة الكنيسة_ aapse ” يمكنه أن يرى فسيفساء تمثل أنهار جنة عدن الأربعة وهذه الأنهار الأربعة تسمى : Euphrates _ الفرات، Tigris _ دجلة ، Gihon _ جيهون ويُرجح أنه يُمثل نهر النيل ، وPishon _ بيشون ،ويُرجح أنه يُمثل نهر الدانوب . ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن المصمم لتلك اللوحات الفسيفسائية ضمنها زخارف كلاسيكية، فهناك صور مستوحاة من مصادر واساطير يونانية قديمة مثل ذِكر أورفيوس والنبع القشتالي _ Castalian spring قرب الاوراكل اليوناني_ Oracle في ديلفي _ Delphi .
أما الفسيفساء الثانية : فكانت موجودة في الغرفة الملحقة إلى الشمال من الصحن المركزي للكنيسة الشرقية وهى ( معروضة أيضا بالمتحف المحلى ), وفى هذه الفسيفساء لا يستشف أي إشارة إلى المسيحية على عكس الفسيفساء الأولى التي سبق ذكرها ..ويُرى بوسط هذه الفسيفساء تصوير لمشهد متعلق بالنيل وتمساح يهاجم بقرة، وفلاح يحاول تخليص بقرته وجرها بعيداَ عنه .. أما في الجزء الأيمن من الفسيفساء، فيصور مجموعة صيادين مع زهور اللوتس وبطة، أما حافة أو إطار الفسيفساء فمُزيٌَنة بكل أنواع الحيوانات والنبات ،وهناك مشهد لحيوان الآيل وهو يصارع ثعبان ..كما يوجد نقش كتابي مستدير والذى يقول محتواه أن المبنى قد تم الانتهاء منه في السنة الثالثة من ” المؤشر او الوحدة الزمنية المرجعية _ Indiction•••”، من قِبل أُسقف يُدعى ثيودوروس الأصغر _ Theodorus the younger . والمشكلة هي أن النقش الكتابي والموجود على الفسيفساء التي أعلاه والذى انجزه نفس الفنانين والذى تم صنعه في نفس السنة أي الثالثة ( 539م ) يشير على أنها على يد أُسقف يُدعى ماكاريوس _ Macarius . لذا فعلى الأرجح أن ثيودوروس كان خليفة ماكاريوس. كما أن هناك نقش كتابي يتضمن دعاء .والذى جاء فيه وفقا عن الترجمة المذكورة : ” يا سيد القوى السماوية ابقى معنا مُعيناً، إلهنا وإله يعقوب العظيم ،الأبدي ، حافظاً لعبدك ثيودوروس الأصغر ،الشماس•• ” ….•• ( الشماس : هي رتبة وظيفية داخل الكنيسة تقل عن درجة القس ) .
•••_ { الوحدة الزمنية المرجعية أو _ Indiction : وهو نظام تقسيم زمنى متمثل في فترة مالية مدتها 15 سنة كانت تستخدم قديماً كوسيلة لتأريخ الأحداث والمعاملات في الامبراطورية الرومانية ،وهذا النظام كان أسسه الامبراطور قسطنطين عام 313م، واستمر العمل به في عدد من الأماكن حتى القرن السادس عشر }.
ثيودورياس_ قصر ليبيا _الكنيسة الغربية
الكنيسة الغريبة إذا ما قارنٌاها بالكنيسة الشرقية فستبدو أقل بكثير من الكنيسة الشرقية ،لأن غالبية الفسيفساء الخاصة بها قد اختفت ، وما تبقى منها لا يتجاوز قطعة فسيفساء واحدة كما ذُكر ،والتي يبدو فيها رمز أو إشارة الصليب بين غزالين ..وهذا النمط من الزخارف كان لون فنى وزخرفة شائع وقتها ومستوحى أو يشير إلى اقتباس من الكتاب المقدس والذى جاء فيه : ( مثل الغزال الذى يتوق إلى جداول المياه تشتاق روحي اليك يا رب ) .
وعلى الرغم من أن الكنيسة الغربية مُزينة بفسيفساء أقل جمالاً من الكنيسة الشرقية ،إلا أن الغربية لازالت محفوظة بشكل أفضل من الشرقية، إذ مازال بإمكان الزائر أن يُشاهد الفسيفساء وهى في أرض الموقع نفسه ..
المبنى يأخذ شكل الصليب في مسقطه الأفقي، وهذا النوع من تخطيط الكنائس كان ابتكار معماري متداول من القرن السادس الميلادي ..
فسيفساء قصر ليبيا البيزنطية…شواهد وتحف تاريخية عمرها قرون ..
المصدر : مواقع إلكترونية