- العيد والحرب: كيف حولت رغبة الإنسان في التجديد، العالمَ، من الفرح إلى الدمار؟ -1


- العيد والحرب: كيف حولت رغبة الإنسان في التجديد، العالمَ، من الفرح إلى الدمار؟ -1 1611


ربما يصعب أن يتخيل المرء أن ثمة علاقة يمكن أن تماثل بين الأعياد كما كان يُحتفل بها قديما، في المجتمعات البدائية، وبين الحروب، من حيث إنها أبرز ظواهر المجتمعات الحديثة. لكن… هناك فعلا علاقة تجمع بينهما وفق عالم الاجتماع والأنثروبولوجيا، الفرنسي، روجيه كايوا.
هذه الفكرة، يطرحها السوسيولوجي الفرنسي في كتابه “الإنسان والمقدس “، ونقدمها في هذا الملف، كنظرية تشرح تطور رغبة الإنسان في تفريغ طاقته، من العيد في المجتمع البدائي، إلى الحرب في المجتمع الحديث، مع ما يحملانه من تناقض تام، فالأول يحيل على الفرح والثاني يحيل، طبعا، على الدمار!
العيد… أوج المجتمع البدائي
يقصد بالعيد هنا، كما يقدمه روجيه كايوا، ذلك الذي يعد شريكا للأساطير؛ أي تلك الفورة الدورية التي تحقق المزج والانصهار في المجتمعات البدائية، وهو غير الأعياد التي تعرفها الحضارات الأكثر تطورا، ومن بينها عالم اليوم، إذ يكادان لا يتشابهان سوى في الاسم.
كايوا يورد بعض الأمثلة منه، نأخذ منها على سبيل المثال:
أعياد الإله ساتورن: تروي الأسطورة أن الإله ساتورن جُرد من ألوهته في غابر الأزمنة فأصبح إنسانا، ولجأ إلى منطقة لاتيوم في إيطاليا، وتجمع عليه الناس ثم نصبوه ملكا. ولما رأت روما، عاصمة المنطقة، أن تكرمه، أحيت العهد الذهبي الأولي، الذي يرمز إلى تجدد الطبيعة والكائنات، فراحت تقيم مهرجانات دينية رسمية بين 17 و24 من دجنبر كل عام، تقلب فيها المدينة رأسا على عقب، فالعبيد يستعيدون حريتهم ويعصون أوامر أسيادهم، وتتوقف المحاكم والمدارس والعقوبات والأعمال بأنواعها، كما تقام ولائم فخمة يكثر فيها  “الفحش والمجون”.
أعياد ساسية بابلية: تبدأ في مستهل فصل الربيع، ويحتفل فيها بموت الإله مردوك ودفنه وصراعه ضد قوى الجحيم وتغلبه عليها، ثم قيامته التي تؤمن إعادة خلق العالم وفيض الحياة على مدار السنة.
يمكن أن نستشف، إذن، أن العيد البدائي كان لحظة إسراف وإفراط بامتياز؛ ذلك أنه يمكن فيه تبذير مؤن استغرق جمعها سنوات، كما يمكن فيه أن تنتهك الشرائع التي أسست عليها الحياة الاجتماعية حتى.
بالمقابل، في الحضارات “المعقدة” وفق كايوا؛ أي المجتمعات الحديثة، لا يمكن أن نجد إلا بديلا واحدا لهذا الطقس الذي يقطع مع رتابة الحياة اليومية، وذلك لما يضاهي فيه الأعياد البدائية من شدة وسطوة وضخامة وأهمية، مع أنه يتناقض معه في كل شيء إلى أقصى حد، وهذا البديل هو ظاهرة الحرب.
الحرب… أوج المجتمع الحديث    
يؤكد كايوا أن المقارنة بين العيد والحرب ليست من حيث المعنى والمحتوى، فالعيد مكرس للفرح الغامر، وهو فيض للحياة؛ بينما الحرب هول وكارثة وطوفان موت. إنهما يتناقضان كليا.
على أن المقارنة هنا، تجد سندها في اتصاف كليهما بالعظمة المطلقة، وكذلك في الوظيفة التي يؤديانها في الحياة الجماعية. بعبارة أخرى، الحديث هنا عن المكانة التي يحتلانها وليس عن طريقة احتلالهما لها.
الحرب تمثل بحق، وفق كايوا، أوج المجتمعات الحديثة، فهي الظاهرة الوحيدة التي يتأتى لها أن تثير هذه المجتمعات وتبدلها كليا، وأن تروع زمن السلم الذي تعيشه.
التشابه بين العيد والحرب وفق هذا الأساس، تشابه مطلق ينبني على أن كليهما يفتتح فترة تدامج اجتماعي ناشط ومشاركة تامة في المعدات والموارد والقوى، وكلاهما يوقف سير الزمن الذي يكون فيه الأفراد منهمكين، كل من جهته، في مجالات عدة.
أوجه الشبه
يشكل العيد مناسبة تبذير لا حدود له؛ ذلك أنه يتم فيه تبديد كل ما تم ادخاره وتكديسه على مر الأشهر الماضية، بل وعلى امتداد سنوات أحيانا.
القضية هنا ليست تتعلق بجبال المأكولات أو أنهار المشروبات، إنما تتعلق بنوع من الاستهلاك، نجد ما يضاهيه حديثا، فقط، في الحرب، إذ لا تقل عن العيد في التبذير، ذلك أنه يتم فيها استهلاك آلاف الأطنان من القذائف يوميا.
وكما كانت تكدس كل أصناف المأكولات بانتظار العيد، كذلك تجتذب القروض والمسحوبات والصادرات، ثروات البلاد المختلفة، وتقذف بها إلى هاوية الحرب التي لا تشبع ولا ترتوي.
هكذا، ما تلتهمه الجموع في يوم واحد من أيام العيد، كان يمكن أن يكون كافيا لإطعامها على مدى موسم كامل. في الحرب أيضا، تبدو الأرقام خيالية، فكلفة بضع ساعات من الأعمال العدوانية، يمكن أن تشكل مبلغا قادرا على وضع حد لبؤس العالم بأكمله.
في كلتا الحالتين، وفق تعبير روجيه كايوا، يتأكد لنا عقم هذا الاستنفاد الوحشي والعقيم لموارد جرى تجميعها بصبر وأناة، بفعل المجاهدة وأعمال التقشف، فما أن يمضي زمن البخل، حتى يعقبه زمن التبذير في التو.



فلوق اول يوم فى عيد الفطر بعد الحرب على غزة بعد الدمار شوفو شو صار معى بالفلوق :fire::fire::fire::gift_heart::heart: #دمار #غزة
















https://marayana.com/laune/2018/12/27/4492/