أكسل بن لزم القائد العسكري الأمازيغي
كُتب التاريخ الأعرابية مليئة بالشنآن والقدح المشين تجاه شخصية (إكسل) التي تعني بالفهم الأمازيغي ( النمر) ، فاسمه لا يرد في كتابات العربان المسلمين ، إلا مقرونا بالكفر والردة ، أو العمالة للروم البيزنطيين ، في حين يوصف خصمه عقيبة بن نافع بالصحابي ، والفاتح العظيم وصاحب الكرامات الذي لايرد له دعاء ، ورسمت حول الشخصية ملامح ملهم رباني زادها الرواة كثيرا من الرونق والتوابل لجعلها شخصية قدسية بلغ الأمر إقامة مزار له في مكان مقتله بتهودة، وتشييد تمثال لجبروته التي حُسبت جهادا نُصب في بسيط بسكرة المقاومة .
العودة إلى مصادر ذلك الزمان ، يظهر مكمن الخلل في تدوين الوقائع والأحداث ، فالتباعد بين الواقعة وزمن تدوينها يبعث الشكوك ؟ وتلوين الروايات بلغ مبلغه عند القوم ، خاصة إذا علمنا أن الفاعل هو نفسه المُدون ، فالفاعلون هم العرب ، والمدونون هم أنفسهم ، ويقال المثل عندنا ( اللعاب أحميدة والرشام احميدة) ، فالروايات مصدرها بوق واحد لا غير ، فقد لونوا الأحداث وقرؤوها ، وزادوا عليها دون حسيب ولا رقيب ، ورغم شح المصادر وقلة عنايتها برسم مواقف الأمازيغ ، وتوضيح مبتغاهم وأسرار نقمتهم وشدة مقاومتهم ، إلا أننى سأحاول استطلاع الأمر ، واستخلاص ما أراد قوله الأجداد ولو بقراءة يغلب عليها المنحى الذاتي ، وكم تمنينا وجود مؤرخين أمازيغ دونوا للحوادث حتى نستخلص من الآراء المتقابلة ما يستجلي المواقف ويفند الحجج المسوقة التي اتضح بطلان الكثير منها تحت وقع انبعاث نور بدد الظلمات ، غير أن الأمازيغ لم تكن لهم رغبة في تدوين منجزاتهم وأفعالهم ، وتركوا الخصوم يقررون مكانهم ما شاءوا وأرادوا !!
من هو إكسل ( كسيلة ) :
يذكر ابن عبد الحكم في فتوحه ، والمراكشي في بيانه ، والنويري في إربه ، وابن الأثير في أسده ، أن كسيلة ( إكسل ) بن لمزم ، من قبيلة أوربة البرنسية وهو زعيمها ، وصفه ابن خلدون بمتوسط الطول وكثافة اللحية ، وكثيرا ما وُسم بالدهاء وسرعة البداهة في رسم الخطط الإستراتيجية ، والصبر على المكاره و المحن ، وهي الصفات التي رشحته لتبوء مكانة راقية بين ذويه ومجتمعه حتى أوصلته منصب الإمارة خلفا لسلفه ( ستردر بن رومي ) .
إكسل ( كسيلة ) والإسلام :
لما نزل الوالي أبو المهاجر دينار بالقيروان (تكيروان)، مرورا بميلة حيث مسجده قائما لحد الآن، وحل بعدها بتلمسان ( عيون أبو المهاجر دينار) ، وجد بها إكسل ( كسيلة) ملكا على أوربة كلها ، عرض عليه الدين فدخله ،وحسن دينه، والدين سبق له وأن دخل ربوع المكان منذ عهد أمير مغراوة الزناتي صولات نايث وزمار (Sulat n’ath Wezmer ) وتنافح مع أهالي المكان في بدايات الإحتكاك مع الوافدين أيام حملة عبد الله بن أبي سرح ، وفي تصرف أبي المهاجر دينار حكمة سامية نادرا ما شاهدها الأمازيغ ، فيها نفحة إيمانية قلما طبقت في تصرف قادة الغزو السابقين واللاحقين ، وقد أثمرت بدخول العديد من قبائل البرانس في الدين الجديد . ولا غرو بأن إسلام إكسل ( كسيلة ) يعد فتحا سلميا عظيما خاصة وأن القبائل الأمازيغية استجابت للدعوة المحمدية من باب أن (الناس على دين ملوكها) ، وإسلامه بدأ منذ صداقته للفاتح المهاجر دينار عام 55 للهجرة إلى غاية استشهاده مقاوما قرب تيكيروان ( القيروان) عام 62 للهجرة ، (على مدار سبع سنوات) ، وإن حاول بعض المؤرخين أمثال الزركلي وصمه بالارتداد ، غير أن ذلك لا ينقص من إيمان وإسلام شهيدنا إكسل قيد أنملة ؟
ويقول مؤنس نقلا عن الباجي ( أن كسيلة أسلم قبل حملة أبي المهاجر ، ثم ارتد وخالف، وجمع أممًا من البربر والروم … ثم دخل الإسلام مرة أخرى …) ويقول السلاوي ( إن أبا المهاجر حين وصل إلى تلمسان وظفر بكسيلة ، أظهر الإسلام فاستبقاه أبو المهاجر واستخلصه ) ، وقال الدباغ ( إن أبا المهاجر عقد حلفًا أو صلحًا مع كسيلة ، وأحسن إليه واتخذه صديقًا).
ومهما قيل فإن المهاجر دينار شخصية متزنة أفادت الإسلام ، ولعل في أعجميته تنافح مع الأعاجم مثله، أو أنه مجبول على التسامح ، متشبع بفكره وأبعاده الجهادية الإيجابية على شاكلة طريقة جواهر لال نهرو السلمية ، مدرك لقيمتها في جلب المريدين والأنصار الذين تستهويهم الكلمة الطيبة الصادقة ، وتستفزهم الغلظة والشدة ، وعرف كيف يستميل الأجداد للإسلام سلميا ، ودخلوا فيه أفواجا لأنه كان المثل والقدوة الخيرة ، والنفور من الغلظة والشدة كاريزما اتصف بها الأجداد منذ القديم إلى الآن ، فهم شديدو الأنفة والعزة ولو بالخسران ، (وأنّهم قوم مرهوب جانبهم، شديد بأسهم، كثير جمْعهم، مضاهون لأمم العالم وأجياله من العرب والفُرْس والروم).، وهو ما تجلى في كثير من مواقفهم ماضيا ، ومواقف منذ حاضرا ، من ظواهرها ما وقع ضد الفرنسيس الملاعين ، وفي زمننا أثناء مقابلة القاهرة وأم درمان ، بين المنتخبين الجزائري والمصري بسبب تجاوزات مصرية عنصرية ما كان لها أن تكون .
عقبة بن نافع الفهري وقتاله للأمازيغ :
أعيد تعيين عقبة على ولاية شمال إفريقيا بأمر من الخليفة يزيد بن معاوية ( 62/64 هجرية)، ولعل في قول ( الطيور على أشكالها تقع ) صادق المنحى ، فالخليفة الأموي الثاني يزيد صاحب ردات وأفعال مشينة ، ثلاث سنين من حكمه امتلأت رعبا ، بدأها بقتل آل البيت والحسين بكربلا ، واستكمالها بحصار مدينة الرسول (المدينة المنورة ) ، وأنهاها بضرب الكعبة بالمنجنيق ؟ ولعل في قسوة عقبة مع الأمازيغ تقمص لشخصية ولي نعمته يزيد ، التي بدأها بتخريب قيروان أبا المهاجر ، والقبض عليه وصحبه كسيلة و قُيدهما بالسلاسل الحديدية !؟ ،وهو ما يؤكده المالكي والدباغ وابن عذارى بقولهم :(… قدم عقبة إلى القيروان وقبض على أبي المهاجر دينار واوثقه في الحديد وصادر ما معه من الأموال وجملتها مائة ألف دينار ، وأمر بتخريب مدينة أبي المهاجر التي بناها ، وردّ الناس إلى القيروان…. )، وجهز الجيش لسلب أموال وأرزاق عباد الله الأمازيغ غيلة ، فانتصر في ( باغاية) و ( المسيلة ) وقتل قتلا ذريعا في أهالي البلاد، (… وغنم أموالهم ، وغنم منهم خيلا لم يروا في مغازيهم أصلب ولا أسرع منها من نتاج خيل أوراس) . وتمكن القضاء على كل مقاومة في المغرب الأوسط ، وازدادت حميته لإراقة المزيد من الدماء ، فتوجه غربا نحو طنجة ، نصحه أبو المهاجر ألا يفعل ، لأن قبائل أوربة البرنسية مسلمة لا يجوز قتالها ، فرفض عقبة ذلك كله وقتل فيهم قتلا ذريعا ، ودله ( يوليان ) صاحب طانجة على مواطن البربر( الأمازيغ) فيما وراء جبال الأطلس ، فبلغ (وليلي) فأثخن فيهم غيلة ، ولم يكتف بذلك بل (..سار خلف الفارّين منهم إلى دَرْعة
وهناك تجمعّت له جموع من البربر( الأمازيغ) ، فقاتلهم قتالا شديدًا لم يشهد البربر مثله ، فهزمهم عقبة وقتل منهم أعدادًا كبيرًا ، وظل ينتقل من نصر إلى نصر حتى وصل ساحل الأطلسي ، وفي الماء وضع أقدام فرسه ثم رفع يديه إلى السماء وقال : ( يارب لولا أن البحر منعني لمضيت في البلاد إلى مسلك القرنين مدافعًا عن دينك مقاتلا من كفر بك ) .
موقف إكسل ( كسيلة ) من جبروت عقبة :
ما وقع له تفسيران ، إما أن يكون الخلل في آيات الرحمن الواردة في سورة التوبة ، الناسخة لكل آيات التسامح مع الكفار ، أو مرده إلى سوء فهم وتقدير لما يبتغيه العلي القدير ، ومهما كان الأمر ، فإن نشر الإسلام بطريقة عقبة بن نافع والحجاج بن يوسف لا نفع فيها ، لأن الإيمان محله القلب ، وسبيله الإحسان والإكرام للمؤلفة قلوبهم ، وما أراه في فعل عقبة قمة في الدناءة بقتله عن سابق إصرار وترصد للنفس البشرية التي حرم الله قتلها إلا بالحق، ويتضح من خلال الحقائق الواردة أن الفاعل قاتل المسلمين الأمازيغ عن دراية ورغبة ، ( حسب المرجع [6])، وذلك ما يوضع أن الفعل نفعي ومادي غرضه الجواري والغنائم ، كأن الإسلام يحرض على قتل الناس بغير حق ، ويفوض للمجاهدين سلب أموال الناس وقتل أبنائهم وتحويل نسائهم إلى سبايا ومحظيات وسراري . كل ما وقع من تعد وجرم باسم الإسلام كان تحت مشاهدة ( إكسل ) المرافق للحملة مع صديقة المهاجر دينار ، وتذكر المصادر والمراجع أن :(… عقبة بن نافع ، أتى بذود غنم للعسكر فذبح الذود ، فأمر عقبةُ كسيلة َ أن يسلخ مع السالخين، فقال له : أصلح الله الأمير ، هؤلاء فتياني وغلماني يكفونني ، فنهره عقبة ، وقال له: ُقمْ ، فقام كسيلة مغضبًا ، فكان كلما دَحَس في الشاة مسح يده بلحيته مما علق بيده من بلل ذلك ، وجعل المسلمون العرب يمروّن عليه وهو يسلخ ويقولون له : يابربري ، ما هذا الذي تصنع ؟ فيقول : هذا جيد للشعر. فقال أبو المهاجر لعقبة : أصلح الله الأمير ما هذا الذي صنعت ؟ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب ؛ كالأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن ، وأنت تجيء إلى رجل هو خيار قومه في دار عزّه ، قريب عهد بالكفر فتفسدُ قلبه ؟ وبإصرار القيادة الإسلامية على المروق ، نكث الأمازيغ عهدهم مع الغازي عقبة ، فر إكسل من القيد خلسة بعد أن تخمرت في ذهنه ولبه قناعة المقاومة ، لخطورة وبشاعة ما شاهده وعاينه ملء العين مرافقا لصديقه المهاجر وهما في الأغلال ، و جمع الجموع بعد فراره ، وا ستعد لمقارعة ومعالجة من أذله وذل أمته ، ألب الجند الذين آزروه بعدما تبين نفاق عقبة ، وظهرت عيوب الغازين واتضح أنهم لا يقاتلون في سبيل الله ، قدر قتالهم في سبيل الطاغوت ، وصدق من قال بأن الإنسان يعرف عن حقيقته في أمرين ، عندما يصبح ثريا غنيا ، وعندما يتقلد منصبا رفيعا ، وها هو عقبة يبرهن عن سجاياه العربية الأموية الدموية أصحاب خزانة الرؤوس الآدمية من معارض دولتهم العضوض، ويثبت عقبة بأعماله المقترفة بأنه ليس أهلا لتمثيل الإسلام ،الذي قيل عنه متسامحا رحيما مع الناس جميعهم بقدر ما هو ممثل شرس لبني أمية بيزيدهم وزيادهم ؟ ولعل في قول البعض جانب من الصحة،لأن النسخ القرآني بلغ مبلغة في استبعاد آيات التسامح والرحمة والمغفرة ، فانتهى العمل بها بمجرد شعور القوم بازدياد قوتهم وجبروتهم ، فانزلوا ( بيرق) الآيات الرحيمة مثل (… لكم دينكم ولي دين )،(… ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر …) ، (لا إكراه في الدين …) ، أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ..) ورفعوا بديلا عنها ( بيرق )آيات سورة التوبة الجهادية مثل : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ..التوبة /5) .
ولا أدري بماذا يفسر إخواننا السلفية الجهادية هذه الأفعال ، وبماذا سيحكمون عن رد فعل إكسل ( كسيلة) المسلم على التجاوزات ؟ هل يجيزون الحق ؟ أم أن تغليب العاطفة الدينية والقومية هي السمة الأبرز في الأحكام ؟!
إن عملية الغزو التي انتهجها عقبة ومن معه ، رغم السكوت المقصود عن كثير من زلاتها وأفعالها وحقائقها ، تظهر خللا في فهم الغازي للدين ، أم أن الدين ذاته يطلب من المؤمن أن يكون سفاحا مجرما على شاكلة عقبة وبن لادن ؟، وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة ، هل العنف الدموي صنيع الإسلام ؟؟ أم صنيع المؤمنين به ؟؟، أم شركاء في الأمر؟؟ ، ولعل في فقه جهاد القرضاوي ما يزيل الغشاوة أو يزيدُها ، لينتفض القوم من غفوتهم من جديد ، لعلهم سيجدون ما تستر به العورات، في إطار ما يعرف بالرد على الشبهات ؟؟!!
أدرك السلف الصالح من أبناء (تامازغا ) المسلمين ، وهم يعايشون رعب القتل والملاحقة بدعوى نشر الإسلام ، أن الغزاة ومن واكبهم غير مؤهلين للحكم على نوايا الناس ووزن مقدار إيمانهم و كفرهم ، و باستخدام العقل ، تبين أن أفضل السبل للتخلص من هؤلاء هي الثورة والتمرد ، وهذا ما يفسر شدة المقاومة الأمازيغية ضد الغزات التي استمرت لفترة زادت عن السبعين سنة ، التي رفعوا فيها بنود العصيان وتأهبوا لمقاومة من أذلهم وقهرهم ، فغدا التناطح والتقاتل مستساغا (داخل خيمة الإسلام ) بين جهادي الهجوم والدفاع ، و بين قومين يجمعهم الإسلام ، وتفرقهم النعرات العصبية التي تغذيها النزوات المادية والسلطوية .
ووقعت الواقعة … في تهودة سنة 63 للهجرة !
ما سيفعله آكسل ( كسيلة) ناجم عن وزن وتقدير، وقناعة ترسخت من طول معاناة تكبدها منذ وصول عقبة بولاية إفريقية والمغرب ، تكبيله بالحديد ، وإهانات وإذلال عبر عنها المؤرخون جليا، مرورا بمشاهدة إخوانه يقتلون ببرودة دم أمام عينيه ، وهو ملك مؤهل الدفاع عنهم ، فإذا كان هو الملك قد تعرض للإهانة ، فكيف الحال مع بسطاء الناس ؟ ، تلك أمور اجتمعت لترسخ قناعة الإنتقام ليس ضد الإسلام، وإنما ضد من اتخذ من الإسلام ذريعة لقهر الأمم والشعوب بدلا من تحريرها ، فهو صراع بين المواطن والغازي ، بين الحق والباطل ، بين العنجهية الأموية الطاغية التي اتخذت من الإسلام ذريعة لقهر أمة مازيغ وتحويلم إلى عبيد وسبايا ، ( يذكر مرسييه في كتابه ، البربرية الإسلامية ، بأن عدد المهجرين كعبيد باتجاه دار الخلافة في عهد عقبة تجاوز الثمانين ألفا )، وبين من يريدون التحرر الفعلي وليس الزائف ، وظنوا أن الإسلام سيحررهم ، واكتشفوا على مرأى العين أن الفعل البزنطي أقل دموية مما فعله عقبة المسلم ، فلا يعدو الأمر إلا أن يكون استبدال استعمار باستعمار آخر أكثر دموية وقتلا من سابقه.
عاد عقبة الفهري ومن معه صوب تيكروان (القيروان) بعد قتلهم و سلخهم للعزل ، محملين بنفائس الدنيا ، من الديباج والخيول والأمتعة والسبايا مرورا ببلاد الزيبان ، فأقام في مكان يعرف بتهودة ( سيدي عقبة حاليا) وليمة ، احتفاء مما أفاء الله عليه من جميلات البربر فنصبت الموائد ، وكثر الرقص والأكل، وأفعال الخان ، وداهمهم آكسل ( كسيلة ) وهم في عظيم نشوتهم وسكرتهم ، فوقع قتال ، و مبارزات بين الطرفين شبيهة بمبارزة حبيب لعمه إلياس الفهريان ، أبرزها مبارزة آكسل ( كسيلة ) لعقبة الذي أرداه قتيلا بحضور جواريه وسبايا و من رافقهم من بائعات الهوى ومحترفات الرقص البيزنطيات اللواتي كن مرابطات في حصن تهودة البزنطي (TABEUDIUS ) للتنعم مع من يعرف بالفاتحين ؟ وقتل كل العسكر المرافق له في عين المكان المقدرين بحوالي 300 مقاتل .
هذه واقعة وقعت بين خصمين مسلمين في إطار ما يعرف (بالحرابة) ، لأن إسلام إكسل لا تشوبه شائبة ، ولا يمكن الإنتقاص منه ، لأن الإيمان مكمنه القلب ، ولا يمكن تفسير الفعل إلا من باب الثأر لكرامة مجروحة ، وإهانة بائنة مؤكدة اعترف بها القاصي والداني ، و الثأر مستساغ شرعا وعرفا والبادي ء أظلم . غير أن بعض الأطراف أصابها القرف الفكري فراحت تضفي قدسية على سفاكي الدماء ، وتناست آكسل ( كسيلة) الذي وصموه بكل آيات القدح والتحقير والتكفير ، فلو كان كافرا بالإسلام لما أمره عقبة بذبح الغنم وسلخها لإطعام الجند، وهو يعلم مدى حرمة اللحوم التي لم يذكر عليها اسم الله ؟؟ ، وإكسل لم يفعل في مقاومته إلا ما يؤمره الشرع ، مثلما فعل صاحب الزنج ضد العباسيين ، كما أن فعلهُ فعله لا يختلف عن تقاتل أحفاد عقبة الفهريين أنفسهم حبا في الاستئثار بالحكم ، حيث قتل إلياس أخاه عبد الرحمن بن حبيب ، وقتل حبيب بن عبد الرحمن عمه إلياس بن حبيب ثأرا لأبيه ، وحز رأسه ، وعلقه على خشبة طيف بها مدينة القيروان كعادة الأمويين دائما ، ولم يقل أحد أن إلياس أو حبيب كافر بالله ! ، ناهيك عما قام به أحفاد عقبة من تقتيل الأبرياء تحت شعار الثأر لوالدهم المقتول في تهودة .
وما يحز في النفس ويبعث الفتن من مرقدها ، قيام بعض أذيال العروبة المزيفة ببناء تمثال لعقبة نصبوه وسط مدينة بسكرة ، وحولوا قبره بتهودة (إن كان القبر مؤكدا ؟؟) إلى ضريح اكتشفوه فجأة بعد ما لا يقل عن خمسة قرون خلت من دفنه ؟؟؟ وهو ما فعله آل فهري بالمغرب بتكوين مزارات موهومة للإدريسين الأول والثاني ، باعتبارهما مخلصان للأمازيغ ، يتدافع عنهما الخلق السذج طمعا في الجنة ؟؟؟، ويصاب الإنسان بحرقة وضيق صدر عندما يلحظ أن بعضنا يقدس الآثم الباغي ، ويتنكر للطيب المسالم المؤمن، فيعظمون سفاك الدماء ، ويسكتون أو يغضون الطرف عن أفعال عظيم من عظماء المغرب الإسلامي وهو ( أبو المهاجر دينار ) لا لشيء سوى أنه من العجم ( فارسي) بالمفهوم الشعوبي .
لو توفرت لي قدرة لأقمت مدينة كاملة أسميتها ( آكسل بول الشهيد) ، وأخرى باسم (المهاجر دينار ) لعظيم فعلهما ، فهما فعلا شهيدا وطن وشهيدا الدين الحق الذي لا يميز بين مسلم وآخر .
تأثيرات مقتل عقبة بن نافع :
دب الذعر في وسط الحامية العربية بتكيروان ( القيروان) بعد سماع نبأ مقتل عقبة ، (وعظم البلاء على المسلمين)بدأ التفكير في سبل الخلاص ، وتنازعوا على أمرين ، إما التصدي لأكسل والشهادة في سبيل الله ( حسب زعمهم )، أو الإنسحاب من تكيروان ( القيروان ) على جناح السرعة حتى لا يكون مصيرهم كمصير عقبة ومن معه ، وكان الإختيار الثاني أصوب لهم بمبادرة من حنش الصنعاني لزهير بن قيس البلوي ، الذي قال في حينه (يا معشر المسلمين من أراد منكم القفول إلى مشرقه فليتبعني ). وتم انسحابهم فعلا من القيروان وإفريقية باتجاه برقة بليبيا ، التي أقاموا بها في انتظار المدد الذي سيأتيهم من الشرق الأموي ، وبانسحابهم استمر الإيمان والإسلام بين الأمازيغ دون حاجة للعربان ، ودخل إكسل القيروان وهرع إليه ناسها يسألوه الأمان ، فلبى الطلب قائلا إخوة كرام ، وحكم إفريقية كلها مدة خمس سنين ( 65/96 هجرية ) عرفت فيها البلاد استقرارا لم تعرفه سابقا ولا لا حقا ، وإن لم تشر المصادر لأوضاعها بالدقة المطلوبة تعتيما وحجبا ، في فترة عاشت فيها الخلافة الأموية انتقال الحكم إلى المروانيين ، الذين أنعشوا العصبية القبلية ، بين آل قحطان وآل عدنان .
زهير بن قيس البلوي للثأر من إكسل :
ومن برقة بدأ زهير بن قيس البلوي يستعد لاسترجاع سيطرته على القيروان من جديد ، ويذكر المؤرخون أن الخليفة عبد الملك بن مروان كتب سنة 69 للهجرة ، الموافق ل 688 م إلى زهير بن قيس، وهو مقيم ببرقة ، يأمره بالخروج إلى القيروان لاسترجاعها من يد إكسل (كسيل) ،باعتبارها بلادًا إسلامية ؟ ، بعد أن عينه واليا على المغرب إن تم تخليصها من كسيلة ، ولما له من دراية وخبرة في قتال الأمازيغ ، وهو المؤهل الأقدر على الثأر لمقتل صديقه عقبة ، (أعلم الناس بعقبة وأخبرهم بسيرته وتدبيره، وأولاهم بطلب دمه). فدعا الخليفة للجهاد ، و أرسل جندا كثيفا من الشام ، غذاه بجند مصر ، فاجتمع عند زهير بن قيس البلوي ( الوالي الجديد) جيش كبير زحف به غربا لإعادة احتلال تكيروان ( القيروان ) المسلمة المسالمة ، ونزلوا بقرشانة ( 175)عام 69 للهجرة وتحاشى أكسل مقابلة الجيش الغازي داخل القيروان مخافة الإيقاع بساكنته أضرارا لم تكن في الحسبان ، وعمل على مقابلتهم خارجها بمكان يعرف ( بممش) ، وفي ذلك قال كسيلة (… ولكن ننزل على موضع ممس وهي على الماء، فإن عسكرنا عظيم ، فإن هزمناهم إلى طرابلس قطعنا آثارهم ، فيكون لنا الغرب إلى آخر الدهر، وإن هزمونا كان الجبل منا قريب…). التقى الطرفان،واقتتلوا قتالا شديدًا ، وكثر البلاء في الجانبين ، ولاحت بشائر النصر للمسلمين ، وهزم كسيلة وحلفاؤه وقُتلوا قتلا ذريعا واستشهد آكسل (كسيلة) في هذه المعركة مضرجا بدمائه صحبة مواطنيه الأحرار الذين أبلوا البلاء الحسن رغم قلة عددهم ، (ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين ). وباستشهاده عاد المشارقة إلى القيروان ليس لنشر الإسلام كما يشاع ، وإنما للتحكم في رقاب العباد والإستفادة من خيراتها ، وعاد الجبروت الأموي من جديد ، وعاشت البلاد الترويع والتقتيل والتنكيل وهو ما فتح فصولا أخرى من المقاومة على يد ديهيا ( الكاهنة ) و ميسرة المطغري ، وخالد بن حميد الزناتي ، وغيرهم من المقاومين الأشاوس للجبروت المشرقي تحت عباءة الإسلام نفسها، وهو ما دفع الأجداد تبني الفكر الخارجي الصفري لعله يقينهم من غطرسة حكام آل أمية الفراعنة ولو إلى حين .
الخلاصة:
نجح الإسلام في تقسيم البشر إلى فريقين ، فريق المؤمنين ، وفريق الكفار ، وتشظي المؤمنون إلى ملل ونحل وفرق ، وحرص كل فريق على تكفير الآخرين بناء على آيات محكمات منزلة في سورة التوبة ، وكل يرى بأنه الناجي والآخرين في النار، وكثيرا ما استغلت تلك الآيات الجهادية في ترويض الناس ،أو ترويعهم وقتلهم أو استرقاقهم واستعبادهم ، وكل من تجرأ على قول ( كفى ) أو( لا )، يبصمون عليه بالعشرة أنه صاحب هوى و منافق ومرتد ، يستتاب إن تاب ، وإلا قتل ؟ وبتداول تلك الأحكام وسوء تقديرها والإختلاف في تأويلها وفهمها ، قُتل خيرة المسلمين بدءا بالصحابة العظام ، أمثال (عبد لله بن الزبير ومالك بن نويرة الحسين بن علي ) ، ثم فقهاء (كغيلان الدمشقي ، وسعيد بن جبير) وغيرهم كثير ، وما مقتل آكسل ( كسيلة ) إلا نموذجا من بحر الإعتداءات والقتل المتعمد الذي ظاهره إيمان وإسلام، وخفيه بحث عن طرائف افريقية وخيراتها ، وعبيدها و هداياها التي كانت ترسل تباعا لدار الخلافة .
الطيب ايت حمودة بالتعديل
https://imazighan-imazighan.blogspot.com/2019/08/blog-post_11.html