إلى الأستاذ عصيد: هل هوية المغرب أمازيغية أم لا؟
مبارك بلقاسم
منذ 2011 يروج الأستاذ أحمد عصيد نظرية المخزن الزاعمة بأن هوية المغرب خليط من المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية العربية والإسلامية والصحراوية الحسانية والعبرية والأندلسية والمتوسطية والأفريقية الجنوب صحرائية وأن الأمازيغية مجرد مكون من مكونات هوية المغرب.
وقد اخترعت الدولة هذه النظرية التخليطية الخلائطية العجيبة ووضعتها في دستور المغرب عام 2011 وبدأت تروجها منذئذ. فأصبح كثير من المثقفين والسياسيين المغاربة يرددونها بشكل ببغائي عجيب.
ولأن الأستاذ أحمد عصيد شخصية معروفة في المغرب ويعامله الإعلام المغربي الحكومي والمستقل كخبير في الشؤون الأمازيغية وكناطق باسم الحركة الأمازيغية فإن قيام الأستاذ أحمد عصيد بترويج هذه النظرية المخزنية الهوياتية المكوناتية الروافدية الخلائطية التخليطية الكارثية هو شيء يؤثر في آلاف أو ملايين المغاربة الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، ويتسبب في تشويش وتشويه الوعي الوطني الشعبي المغربي بهوية المغرب الأمازيغية، ويتسبب في تقزيم الهوية الأمازيغية القومية للمغرب في مجرد “مكون قزمي” فولكلوري لا يختلف عن بقية المكونات الأجنبية المزعومة لهوية المغرب، ويتسبب في معاملة الهوية الأمازيغية القومية الحضارية الأصيلة للمغرب كنوع من هوية قبائل Les indigènes ديال لمغريب أو Les Indiens ديال لمغريب أي كهوية فولكلورية سياحية أقلوية (من الأقلية).
وكل هذا له تداعيات سياسية وخيمة عميقة. فالبلد الذي هويته مشوهة و”مخرمزة” لن تستقيم دمقرطته ولا تنميته ولا سياسته الداخلية والخارجية ولن تنصلح أموره.
لهذا يجب التصدي لهذا العبث.
الأستاذ أحمد عصيد لم يعد يجرؤ على القول بأن المغرب بلد أمازيغي الهوية حصريا، وأن الشعب المغربي أمازيغي القومية والهوية وينتمي إلى العالم الأمازيغي Amaḍal Amaziɣ حصريا، مثلما تنتمي السعودية إلى العالم العربي حصريا، ومثلما تنتمي إيران إلى العالم الفارسي حصريا.
المثقف الحر لا يجدر به أن يمارس مراوغات السياسيين ومداهنات المتحزبين وتلونات الانتخابيين بل يجب عليه أن يكون واضحا وصريحا مع الناس وصادقا معهم. أما الأستاذ أحمد عصيد فقد دأب على ممارسة المراوغات الكلامية فتجده في مقال له أو كلمة له يقول بعجالة بأن “المغرب أمازيغي” ثم يتراجع عن ذلك في مقال آخر وتصريح آخر فيقول بأن “هوية المغرب متعددة لها مكونات وروافد وأن الأمازيغية مجرد مكون”. إنه خطاب متذبذب متردد متناقض يحاول إرضاء أكثر من طرف وأكثر من جهة.
وإذا زعم الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره بأن “هوية المغرب أمازيغية على أساس ذلك المكون الأمازيغي في هويته التعددية الخليطة” فهذا كلام عشوائي لا رأس له ولا رجلين لأنه بنفس المنطق سيحق لأي شخص أن يقول مثلا بأن:
– “المغرب بلد عربي وهويته عربية” على أساس “المكون العربي” في الهوية المغربية الخليطة.
– “المغرب بلد عبري يهودي وهويته عبرية يهودية” على أساس “الرافد العبري” في الهوية المغربية الخليطة.
– “المغرب بلد إسلامي وهويته إسلامية” على أساس “المكون الإسلامي” في الهوية المغربية الخليطة. (وعلى هذا الأساس يبني الإسلاميون حجتهم لترويج مخططهم الذي هو تطبيق الشريعة الإسلامية وتأسيس الدولة الإسلامية في المغرب).
– “المغرب بلد صحراوي حساني (عربي) وهويته صحراوية حسانية (عربية)” على أساس “المكون الصحراوي الحساني (العربي)” في الهوية المغربية الخليطة.
– “المغرب بلد أندلسي وهويته أندلسية” على أساس “الرافد الأندلسي” في الهوية المغربية الخليطة.
… إلخ.
وبما أن اللغة الفرنسية لغة رسمية للدولة المغربية على أرض الواقع (de facto) وتروجها الدولة ليل نهار وتسعى الدولة إلى تخليدها وترسيخها أكثر في التعليم والإدارة والإعلام بمباركة المثقفين المغاربة اليساريين من أمثال الأستاذ أحمد عصيد وبمباركة معظم الحركة الأمازيغية فإنه قد يتم في المستقبل إدخال “المكون الفرنسي الفرنكوفوني” أو”الرافد الفرنسي الفرنكوفوني” أو “البعد الفرنسي الفرنكوفوني” دستوريا في هوية المغرب الخليطة المكوناتية الروافدية الخلائطية التي تروجها الدولة ويروجها الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره، فيصبح المغرب أيضا بلدا فرنسيا ينتمي إلى العالم الفرنسي خصوصا أن المغرب حاليا عضو في المنظمة الاستعمارية الفرنسية المسماة La Francophonie (نادي مستعمرات فرنسا) مثلما أن المغرب عضو في المنظمة الاستعمارية العربية المسماة “جامعة الدول العربية” (نادي مستعمرات الدولة الأموية).
أما إذا زعم الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره بأن “المغرب أمازيغي الهوية وأن هويته في نفس الوقت متعددة المكونات الهوياتية الأجنبية ومتعددة الروافد الهوياتية الأجنبية” فهذا كلام متناقض باطل أي أنه “غلط منطقي” (بالإنجليزية: Logical fallacy). إنه تناقض منطقي ينم عن خلل في التفكير أو عن تدليس وعبث متعمد. إذ لا يعقل أن هوية المغرب أمازيغية وفي نفس الوقت هوية المغرب متعددة المكونات والروافد حيث الأمازيغية مجرد “مكون”!
لا يعقل أن المغرب أمازيغي 100% وفي نفس الوقت المغرب أمازيغي 20%.
إنه عبث وتهريج!
إذن: إما أن المغرب بلد أمازيغي شعبه أمازيغي وأرضه أمازيغية وهويته القومية أمازيغية وحضارته أمازيغية وينتمي إلى العالم الأمازيغي فقط.
وإما أن المغرب خليط من الهويات الأجنبية: عربي إسلامي صحراوي حساني عبري يهودي أندلسي متوسطي أفريقي-جنوب صحرائي، ينتمي إلى العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم الأمازيغي والعالم الصحراوي الحساني والعالم اليهودي العبري والعالم الأندلسي والعالم المتوسطي والعالم الأفريقي-الجنوب صحرائي + المكون البربري الأنديجاني indigène المحلي!
لا أعتقد أن السعوديين مثلا سيقبلون بالمكون الحبشي والمكون الفارسي لهويتهم أو بأن ينتموا إلى العالم الحبشي والعالم الفارسي على أساس وجود نسبة من سكان الحجاز من أصل حبشي وفارسي. لا. السعوديون سيقولون لك: نحن عرب وبلدنا عربي وأرضنا عربية ونحن ننتمي إلى العالم العربي.
ولم نسمع يوما مغاربة وأمازيغ دولة إسرائيل يقولون بأن هوية إسرائيل فيها مكون مغربي أو بعد أمازيغي أو رافد بربري أو يطالبون بالاعتراف الدستوري والقانوني بالمكونات الأجنبية لهوية إسرائيل. لا. هم يقولون بكل بساطة ووضوح: هوية إسرائيل يهودية عبرية، أرض إسرائيل يهودية عبرية، شعب إسرائيل يهودي القومية وعبري القومية. انتهى الكلام. أما العادات الأمازيغية المغربية من لباس وطبخ وموسيقى ولغات ولهجات التي أخذوها معهم إلى إسرائيل فهي مجرد متاع ثقافي مستورد مثل الثقافة الإنجليزية الأمريكية وثقافة السينما الأمريكية وثقافة موسيقى الأوبرا الأوروبية.
هناك فرق بين الثقافة والهوية:
– الثقافة شيء موضوعي متغير ومتحول وقابل للاستيراد والتصدير (أديان، عقائد، طبخ، لباس، موسيقى، معمار، معارف، عادات، تقاليد، فنون، أفلام سينما، رياضة، نمط العيش) وقد يعتنقها وينبذها الشخص أو الشعب متى شاء. والتعددية الثقافية حاصلة وحتمية في أي مجتمع حر منفتح قليلا لأن أهواء وأذواق البشر تتعدد وتتغير وتتشقلب.
أما الهوية فهي شيء ذاتي ثابت وراسخ لا يختاره الإنسان ولا يختاره المجتمع ولا يختاره الشعب. والتعددية الهوياتية لا معنى لها إلا المعنى التقسيمي. وتعدد هويات الإنسان الفرد هو مرض نفساني إكلينيكي معروف يسمى بالإنجليزية Dissociative identity disorder “اضطراب الهوية التفارقي” حيث يعاني فيه المريض من تعدد شخصياته وهوياته وكأنه يعيش في دماغه عدة أشخاص منفصلين. أما بالنسبة للمجتمع فتعدد هوياته القومية أو تشظي هويته القومية هو إما مشروع انفصالي تقسيمي أو هو نتيجة لتجميع شعوب مختلفة تحت سلطة إمبراطورية غازية قامت بتجميع شعوب مختلفة الهويات القومية تحت سلطتها المركزية بشكل إجباري. أما المغرب فأرضه أمازيغية وشعبه أمازيغي وقوميته أمازيغية من طنجة Ṭanja إلى الگويرة Tagwirt، والمهاجرون واللاجئون الأجانب إلى المغرب حالة هامشية جانبية طارئة تم تضخيمها لأسباب دينية/سياسية من طرف الأمازيغ المسلمين والأمازيغ المستعربين. ففي إطار صراع الأمازيغ مع الأمازيغ على السلطة قام وما زال يقوم بعضهم بالمزايدة على البعض الآخر حول من هو “الأكثر إسلاما” و”الأكثر عروبة” و”الأكثر شرفا في النسب العربي القرشي” و”الأكثر بداوة” و”الأكثر إتقانا للعربية لغة القرآن” و”الأكثر حماسا لتطبيق الشريعة الإسلامية وتعريب الشعب”.
نظرية المكونات الأجنبية لهوية المغرب هي شيء يتعارض مع الهوية الأمازيغية القومية للمغرب.
إذن كما تلاحظون فالأستاذ أحمد عصيد وأنصاره في مأزق فكري ومنطقي فادح.
وانجرارهم وراء ترديد مقولات المخزن والدولة وتبني الخطاب الرسمي الهوياتي التخليطي (لأسباب ريعية أو سياسية أو غيرها) هو السبب في ذلك.
والأستاذ أحمد عصيد وغيره من مثقفي الأمازيغية الذين يزعمون (أو أصبحوا مؤخرا يزعمون) بأن المغرب إنما هو أمازيغي من خلال “المكون الأمازيغي في الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية المتعددة” إنما هم يهدمون كل ما حرثوه مثل ذلك الجمل الذي دك كل ما حرثه.
فبنفس المنطق سيأتي التعريبيون والعروبيون ويقولون بأن “المغرب بلد عربي ينتمي إلى العالم العربي” عبر “المكون العربي في الهوية المغربية”.
وبنفس المنطق سيأتي الأندلسيون ويقولون بأن “المغرب بلد أندلسي ينتمي إلى العالم الأندلسي” عبر “الرافد الأندلسي في الهوية المغربية”.
وهكذا ينهار الخطاب الأمازيغي انهيارا تاما ويصبح عبثيا لا معنى له، بعد أن تبنى الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره نظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية” التي تضرب كل شيء في الصفر وتضرب الأمازيغية في الصفر وتضرب المغرب في الصفر.
(أما الخطاب التعريبي الإسلامي فهو منهار ومفلس منذ زمن).
بسبب نظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية” ينتهي المغرب هوياتيا فيصبح بلدا معدوم الهوية ومعدوم الشخصية ومعدوم الحضارة الأصلية ومجرد خليط من هويات البلدان الأجنبية والشعوب الأجنبية واللاجئين الأجانب الهاربين إليه من آسيا وأوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء + بورصونطاج من الأنديجان الأهالي (Les indigènes) البربر سكان الكهوفات والمغارات والصحارات والقفارات.
ومع بوادر إفلاس وانهيار الخطاب الأمازيغي (تحت القيادة الرشيدة للأستاذ أحمد عصيد ومن معه) بسبب تبني نظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية” فإنه لا يحق لنا إطلاقا أن نلوم المخزن الذي يروج هذه النظرية الهوياتية التخليطية في الإعلام ليل نهار ويبرمج المغاربة عليها ليل نهار ما دامت الحركة الأمازيغية قد أصبحت الآن تتبنى هذه النظرية الهوياتية المخزنية المكوناتية الروافدية التخليطية وتنشرها وتشوش بها هي أيضا على عقول المغاربة وتصيبهم بالاضطراب الهوياتي وتجعلهم يعتقدون بأن المغرب مجرد خليط من الأجانب والمهاجرين واللاجئين وأن هوية المغرب خليطة يحددها اللاجئون والمهاجرون إليه.
فالمخزن لم يفرض بالغصب والإكراه على الحركة الأمازيغية أن تؤمن بنظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية” التي ظهرت عام 2011 وإنما الحركة الأمازيغية هي التي انجرت أو اغترت بهذه النظرية المخزنية الكارثية وتماهت معها بهذه البلاهة العجيبة وأصبحت ترددها بحماس وهمة ونشاط كما يفعل الأستاذ أحمد عصيد وكثيرون آخرون.
وإذا كان الأستاذ أحمد عصيد ومن يفكرون مثله مجرد مرددين ومكررين لما يقوله المخزن أو الدولة فلأي شيء يصلح الأستاذ عصيد وأمثاله؟
فأنا إذا احتجت إلى معرفة رأي المخزن أو سياسة الدولة في مسألة معينة فسأشاهد وأقرأ مباشرة ما يقوله ملك المغرب ورئيس حكومة المغرب ووزير الداخلية والناطق الرسمي باسم الحكومة.
أنا لا أحتاج الى الأستاذ عصيد ليخبرني بنظريات الدولة ويردد لي ما يقوله المخزن. وإنما وظيفة المثقف الحر هي قول ما لا يقوله المخزن/الدولة والقيام بدور المشاغب والمتمرد والناقد وفاضح الأكاذيب وناشر الأفكار والحقائق.
إذا كان خطاب الأستاذ أحمد عصيد ومن معه مجرد فوطوكوبي لخطاب المخزن فما حاجتنا إلى الأستاذ أحمد عصيد وأمثاله؟
آش غا ندير بلفوطوكوبي؟
هل رأيتم أيها القراء حجم الطامة الكبرى؟!
لقد تحول المثقف المغربي والأمازيغي الى شبه ناطق رسمي باسم المخزن/الدولة ومروج لنظريات الدولة حول “الهوية المغربية الخليطة المكوناتية الروافدية الخلائطية”!
أنا لا أطالب الأستاذ أحمد عصيد ولا غيره من المثقفين بتغيير الدستور والقوانين فلا يستطيعون ذلك.
ولكنهم يستطيعون قول الحق ونطق الحقيقة.
المثقف الحر المستقل لا يملك السلطة السياسية ولا يستطيع تشريع القوانين ولا إنفاذها. ولكنه يستطيع أن ينشر الحقيقة لدى الناس عبر الإعلام ويستطيع أن يشاغب في المواضيع الحرجة والمهمة ويستطيع أن يعارض بروباغاندات ودعايات المخزن وأن يحارب تلاعب الدولة والأحزاب بالمصطلحات والمفاهيم، دون أن يخاف بطش الدولة وتقطيبات التعريبيين وزمجرات الإسلاميين وتأففات الفخونكوفونيين.
حين يتجرأ المثقف المغربي الأمازيغي الحر المستقل على قول الحقيقة وتوعية الشعب ومواجهة الأكاذيب ففي المستقبل (بفضل الوعي بالحقيقة) سيستطيع الشعب عبر ثورة أو عبر انتخابات أو عبر إصلاحات دستورية أن يجعل تلك الحقيقة تتجسد في قوانين وسياسات وإصلاحات وتغييرات.
أما وقد باع المثقف الماتش ولم يكلف نفسه عناء مواجهة هذه النظرية الهوياتية المخزنية المكوناتية الروافدية الخلائطية (والبروباغاندات المخزنية الأخرى)، بل أصبح يروجها، فكيف سنتوقع أن يكون هناك إصلاح؟!
إذا أصبح المثقف جزءا من بروباغاندا الدولة فمن سيدافع عن الشعب؟!
من يقرأ للأستاذ أحمد عصيد أو يسمع له سيلاحظ أن كلمة “الحسم” عزيزة عنده وأثيرة لديه.
فهل يجرؤ الأستاذ أحمد عصيد على “حسم” موقفه من هوية المغرب وأن يحدد هل هي أمازيغية أم لا؟
أم سيستمر الأستاذ أحمد عصيد في تقديم نفسه كـ”مناضل أمازيغي” وفي نفس الوقت يروج نظرية المخزن القائلة بأن “هوية المغرب خليطة تتكون من مكونات وروافد أجنبية وأن الأمازيغية مجرد مكون”؟
وما يزيد الطين بلة هو أن النظرية القائلة بأن “هوية المغرب تتكون من مكونات أجنبية وروافد أجنبية مع المكون الأمازيغي” أصبحت الآن أيضا جزءا من استراتيجية بلاغية خطابية تعريبية جديدة يتبناها التعريبيون والعروبيون المغاربة بعد أن يئسوا من تعريب المغرب كليا وفوريا.
من المعلوم أن التعريبيين والعروبيين المغاربة يتبنون خطابا مزدوجا ومنافقا ويكيلون بمكيالين.
فالتعريبيون والعروبيون المغاربة حين يضطرون إلى مناقشة موضوع الأمازيغية أو ذكر الأمازيغية يستخرجون من “لقجر” أو من جعبتهم أو محفظتهم نظرية “المكونات المتعددة لهوية المغرب” للظهور بمظهر التعدديين التسامحيين الحداثيين. فيسقط المغاربة السذج أو الغافلون في هذه الخدعة.
وبمجرد أن ينتهي النقاش يعيد التعريبيون نظرية “المكونات المتعددة لهوية المغرب” إلى “لقجر” أو إلى محفظتهم وجعبتهم ويعودون إلى سجيتهم الأولى وطبيعتهم الحقيقية فيقولون دائما كلاما مفاده “المغرب بلد عربي ينتمي إلى العالم العربي” ويناقشون كل الأمور الأخرى السياسية والاجتماعية والثقافية على أساس أن “المغرب بلد عربي وجزء من العالم العربي والوطن العربي”.
وبهذا يسقط المغاربة/الأمازيغ السذج في هذه الخدعة فيقلدون التعريبيين ويرددون مثلهم أن “هوية المغرب متعددة المكونات والروافد” ويأكلون هذا الطعم التعريبي ويبتلعونه بحسن نية. أما التعريبيون والعروبيون فلا يأكلون هذا الطعم (الذي صنعوه) ولا يبتلعونه وإنما يمضغونه فقط خلال مدة النقاش ثم يعيدونه إلى جعبتهم أو محفظتهم بمجرد انتهاء حصة النقاش.
بعبارة أخرى: التعريبيون والعروبيون لا يؤمنون بنظرية “هوية المغرب متعددة المكونات والروافد” لأن هدفهم النهائي هو تعريب المغرب. وإنما هي فقط أداة للمراوغة “يسلّكون” بها أنفسهم في المواقف الفكرية المحرجة التي تكون متعلقة بالأمازيغية.
فالتعريبيون والعروبيون لديهم إيمان راسخ بأنهم “عرب جاءوا من الحجاز” أو أنهم “أمازيغ عربهم الإسلام فأصبحوا عربا كالعرب” ولذلك يراوغون الأمازيغية ريثما يتعرب المغرب لغويا وهوياتيا بنسبة 100%. ويرفض التعريبيون والعروبيون الاندماج في اللغة الأمازيغية والهوية القومية الأمازيغية للمغرب لأنهم يرون في ذلك خيانة لأجدادهم العرب الحقيقيين أو الخياليين أو خيانة للإسلام الذي هو دين العرب ومفخرة العرب والذي لغته الرسمية الوحيدة هي العربية التي لا يقبل الله الصلوات ومناسك الحج إلا بها.
المثقفون الأمازيغيون الذين يروجون نظرية “هوية المغرب متعددة المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية” هم في الحقيقة يساهمون في مشروع التعريب ومشروع الفرنسة ويجعلون من أنفسهم بيادق شطرنج تلعب لصالح التعريبيين والفرنكوفونيين ويساهمون بذلك في مسخ هوية المغرب إلى خالوطة من هويات الأجانب مما يسهل تعريب المغرب وأيضا فرنسته.
لهذا يجب التصدي لهذه النظرية الهوياتية المكوناتية الروافدية التخليطية المخزنية.
ويجب إفهام المغاربة المشوشين ضحايا المغالطات التعريبية والتخليطية بأن المغرب بلد أمازيغي وهويته الوطنية والقومية أمازيغية وينتمي إلى العالم الأمازيغي.
وبإقرار الهوية الأمازيغية القومية للمغرب سيقضي المغرب على المشروع الانفصالي العربي العروبي التعريبي البوليساري وسيقضي على مشروع التبعية الأبدية لفرنسا وسيعرف كيف يسترجع أراضيه المحتلة من إسبانيا وسيعرف كيف يتفاهم مع جاريه الأمازيغيين الجزائر Dzayer وموريتانيا Cengiṭ.
وبالهوية الأمازيغية القومية المقرونة بنشر اللغة الأمازيغية ستتقوى الوحدة الوطنية المغربية وستكون للمغرب شخصيته الأمازيغية المستقلة وسياسته الأمازيغية الداخلية والخارجية المستقلة وستكون للمغرب مناعة قومية ذاتية ضد منظمات الإرهاب الإسلامي العالمي التي تجند حاليا الآلاف من المغاربة التائهين هوياتيا ليكونوا وقودا رخيصا للحرب السنية الشيعية الأبدية.
أما البلدان العربية والشعوب العربية فهي موجودة في قارة آسيا ونتمنى لها النجاح والتوفيق في الدمقرطة والتنمية هناك في قارة آسيا.
وما تزال الأسئلة الحارقة تلاحق الأستاذ أحمد عصيد وبقية المثقفين الذين يفكرون مثله:
– هل هوية المغرب أمازيغية أم لا؟
– هل المغرب بلد أمازيغي ينتمي حصريا إلى العالم الأمازيغي أم لا؟
– هل قومية الشعب المغربي قومية أمازيغية أم لا؟
– وهل ستتوقف يا أستاذ أحمد عصيد عن ترويج نظرية المخزن الزاعمة بأن هوية المغرب خليط من المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية؟
tussna-tamazight@outlook.com
مبارك بلقاسم
منذ 2011 يروج الأستاذ أحمد عصيد نظرية المخزن الزاعمة بأن هوية المغرب خليط من المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية العربية والإسلامية والصحراوية الحسانية والعبرية والأندلسية والمتوسطية والأفريقية الجنوب صحرائية وأن الأمازيغية مجرد مكون من مكونات هوية المغرب.
وقد اخترعت الدولة هذه النظرية التخليطية الخلائطية العجيبة ووضعتها في دستور المغرب عام 2011 وبدأت تروجها منذئذ. فأصبح كثير من المثقفين والسياسيين المغاربة يرددونها بشكل ببغائي عجيب.
ولأن الأستاذ أحمد عصيد شخصية معروفة في المغرب ويعامله الإعلام المغربي الحكومي والمستقل كخبير في الشؤون الأمازيغية وكناطق باسم الحركة الأمازيغية فإن قيام الأستاذ أحمد عصيد بترويج هذه النظرية المخزنية الهوياتية المكوناتية الروافدية الخلائطية التخليطية الكارثية هو شيء يؤثر في آلاف أو ملايين المغاربة الناطقين بالأمازيغية وغير الناطقين بها، ويتسبب في تشويش وتشويه الوعي الوطني الشعبي المغربي بهوية المغرب الأمازيغية، ويتسبب في تقزيم الهوية الأمازيغية القومية للمغرب في مجرد “مكون قزمي” فولكلوري لا يختلف عن بقية المكونات الأجنبية المزعومة لهوية المغرب، ويتسبب في معاملة الهوية الأمازيغية القومية الحضارية الأصيلة للمغرب كنوع من هوية قبائل Les indigènes ديال لمغريب أو Les Indiens ديال لمغريب أي كهوية فولكلورية سياحية أقلوية (من الأقلية).
وكل هذا له تداعيات سياسية وخيمة عميقة. فالبلد الذي هويته مشوهة و”مخرمزة” لن تستقيم دمقرطته ولا تنميته ولا سياسته الداخلية والخارجية ولن تنصلح أموره.
لهذا يجب التصدي لهذا العبث.
الأستاذ أحمد عصيد لم يعد يجرؤ على القول بأن المغرب بلد أمازيغي الهوية حصريا، وأن الشعب المغربي أمازيغي القومية والهوية وينتمي إلى العالم الأمازيغي Amaḍal Amaziɣ حصريا، مثلما تنتمي السعودية إلى العالم العربي حصريا، ومثلما تنتمي إيران إلى العالم الفارسي حصريا.
المثقف الحر لا يجدر به أن يمارس مراوغات السياسيين ومداهنات المتحزبين وتلونات الانتخابيين بل يجب عليه أن يكون واضحا وصريحا مع الناس وصادقا معهم. أما الأستاذ أحمد عصيد فقد دأب على ممارسة المراوغات الكلامية فتجده في مقال له أو كلمة له يقول بعجالة بأن “المغرب أمازيغي” ثم يتراجع عن ذلك في مقال آخر وتصريح آخر فيقول بأن “هوية المغرب متعددة لها مكونات وروافد وأن الأمازيغية مجرد مكون”. إنه خطاب متذبذب متردد متناقض يحاول إرضاء أكثر من طرف وأكثر من جهة.
وإذا زعم الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره بأن “هوية المغرب أمازيغية على أساس ذلك المكون الأمازيغي في هويته التعددية الخليطة” فهذا كلام عشوائي لا رأس له ولا رجلين لأنه بنفس المنطق سيحق لأي شخص أن يقول مثلا بأن:
– “المغرب بلد عربي وهويته عربية” على أساس “المكون العربي” في الهوية المغربية الخليطة.
– “المغرب بلد عبري يهودي وهويته عبرية يهودية” على أساس “الرافد العبري” في الهوية المغربية الخليطة.
– “المغرب بلد إسلامي وهويته إسلامية” على أساس “المكون الإسلامي” في الهوية المغربية الخليطة. (وعلى هذا الأساس يبني الإسلاميون حجتهم لترويج مخططهم الذي هو تطبيق الشريعة الإسلامية وتأسيس الدولة الإسلامية في المغرب).
– “المغرب بلد صحراوي حساني (عربي) وهويته صحراوية حسانية (عربية)” على أساس “المكون الصحراوي الحساني (العربي)” في الهوية المغربية الخليطة.
– “المغرب بلد أندلسي وهويته أندلسية” على أساس “الرافد الأندلسي” في الهوية المغربية الخليطة.
… إلخ.
وبما أن اللغة الفرنسية لغة رسمية للدولة المغربية على أرض الواقع (de facto) وتروجها الدولة ليل نهار وتسعى الدولة إلى تخليدها وترسيخها أكثر في التعليم والإدارة والإعلام بمباركة المثقفين المغاربة اليساريين من أمثال الأستاذ أحمد عصيد وبمباركة معظم الحركة الأمازيغية فإنه قد يتم في المستقبل إدخال “المكون الفرنسي الفرنكوفوني” أو”الرافد الفرنسي الفرنكوفوني” أو “البعد الفرنسي الفرنكوفوني” دستوريا في هوية المغرب الخليطة المكوناتية الروافدية الخلائطية التي تروجها الدولة ويروجها الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره، فيصبح المغرب أيضا بلدا فرنسيا ينتمي إلى العالم الفرنسي خصوصا أن المغرب حاليا عضو في المنظمة الاستعمارية الفرنسية المسماة La Francophonie (نادي مستعمرات فرنسا) مثلما أن المغرب عضو في المنظمة الاستعمارية العربية المسماة “جامعة الدول العربية” (نادي مستعمرات الدولة الأموية).
أما إذا زعم الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره بأن “المغرب أمازيغي الهوية وأن هويته في نفس الوقت متعددة المكونات الهوياتية الأجنبية ومتعددة الروافد الهوياتية الأجنبية” فهذا كلام متناقض باطل أي أنه “غلط منطقي” (بالإنجليزية: Logical fallacy). إنه تناقض منطقي ينم عن خلل في التفكير أو عن تدليس وعبث متعمد. إذ لا يعقل أن هوية المغرب أمازيغية وفي نفس الوقت هوية المغرب متعددة المكونات والروافد حيث الأمازيغية مجرد “مكون”!
لا يعقل أن المغرب أمازيغي 100% وفي نفس الوقت المغرب أمازيغي 20%.
إنه عبث وتهريج!
إذن: إما أن المغرب بلد أمازيغي شعبه أمازيغي وأرضه أمازيغية وهويته القومية أمازيغية وحضارته أمازيغية وينتمي إلى العالم الأمازيغي فقط.
وإما أن المغرب خليط من الهويات الأجنبية: عربي إسلامي صحراوي حساني عبري يهودي أندلسي متوسطي أفريقي-جنوب صحرائي، ينتمي إلى العالم العربي والعالم الإسلامي والعالم الأمازيغي والعالم الصحراوي الحساني والعالم اليهودي العبري والعالم الأندلسي والعالم المتوسطي والعالم الأفريقي-الجنوب صحرائي + المكون البربري الأنديجاني indigène المحلي!
لا أعتقد أن السعوديين مثلا سيقبلون بالمكون الحبشي والمكون الفارسي لهويتهم أو بأن ينتموا إلى العالم الحبشي والعالم الفارسي على أساس وجود نسبة من سكان الحجاز من أصل حبشي وفارسي. لا. السعوديون سيقولون لك: نحن عرب وبلدنا عربي وأرضنا عربية ونحن ننتمي إلى العالم العربي.
ولم نسمع يوما مغاربة وأمازيغ دولة إسرائيل يقولون بأن هوية إسرائيل فيها مكون مغربي أو بعد أمازيغي أو رافد بربري أو يطالبون بالاعتراف الدستوري والقانوني بالمكونات الأجنبية لهوية إسرائيل. لا. هم يقولون بكل بساطة ووضوح: هوية إسرائيل يهودية عبرية، أرض إسرائيل يهودية عبرية، شعب إسرائيل يهودي القومية وعبري القومية. انتهى الكلام. أما العادات الأمازيغية المغربية من لباس وطبخ وموسيقى ولغات ولهجات التي أخذوها معهم إلى إسرائيل فهي مجرد متاع ثقافي مستورد مثل الثقافة الإنجليزية الأمريكية وثقافة السينما الأمريكية وثقافة موسيقى الأوبرا الأوروبية.
هناك فرق بين الثقافة والهوية:
– الثقافة شيء موضوعي متغير ومتحول وقابل للاستيراد والتصدير (أديان، عقائد، طبخ، لباس، موسيقى، معمار، معارف، عادات، تقاليد، فنون، أفلام سينما، رياضة، نمط العيش) وقد يعتنقها وينبذها الشخص أو الشعب متى شاء. والتعددية الثقافية حاصلة وحتمية في أي مجتمع حر منفتح قليلا لأن أهواء وأذواق البشر تتعدد وتتغير وتتشقلب.
أما الهوية فهي شيء ذاتي ثابت وراسخ لا يختاره الإنسان ولا يختاره المجتمع ولا يختاره الشعب. والتعددية الهوياتية لا معنى لها إلا المعنى التقسيمي. وتعدد هويات الإنسان الفرد هو مرض نفساني إكلينيكي معروف يسمى بالإنجليزية Dissociative identity disorder “اضطراب الهوية التفارقي” حيث يعاني فيه المريض من تعدد شخصياته وهوياته وكأنه يعيش في دماغه عدة أشخاص منفصلين. أما بالنسبة للمجتمع فتعدد هوياته القومية أو تشظي هويته القومية هو إما مشروع انفصالي تقسيمي أو هو نتيجة لتجميع شعوب مختلفة تحت سلطة إمبراطورية غازية قامت بتجميع شعوب مختلفة الهويات القومية تحت سلطتها المركزية بشكل إجباري. أما المغرب فأرضه أمازيغية وشعبه أمازيغي وقوميته أمازيغية من طنجة Ṭanja إلى الگويرة Tagwirt، والمهاجرون واللاجئون الأجانب إلى المغرب حالة هامشية جانبية طارئة تم تضخيمها لأسباب دينية/سياسية من طرف الأمازيغ المسلمين والأمازيغ المستعربين. ففي إطار صراع الأمازيغ مع الأمازيغ على السلطة قام وما زال يقوم بعضهم بالمزايدة على البعض الآخر حول من هو “الأكثر إسلاما” و”الأكثر عروبة” و”الأكثر شرفا في النسب العربي القرشي” و”الأكثر بداوة” و”الأكثر إتقانا للعربية لغة القرآن” و”الأكثر حماسا لتطبيق الشريعة الإسلامية وتعريب الشعب”.
نظرية المكونات الأجنبية لهوية المغرب هي شيء يتعارض مع الهوية الأمازيغية القومية للمغرب.
إذن كما تلاحظون فالأستاذ أحمد عصيد وأنصاره في مأزق فكري ومنطقي فادح.
وانجرارهم وراء ترديد مقولات المخزن والدولة وتبني الخطاب الرسمي الهوياتي التخليطي (لأسباب ريعية أو سياسية أو غيرها) هو السبب في ذلك.
والأستاذ أحمد عصيد وغيره من مثقفي الأمازيغية الذين يزعمون (أو أصبحوا مؤخرا يزعمون) بأن المغرب إنما هو أمازيغي من خلال “المكون الأمازيغي في الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية المتعددة” إنما هم يهدمون كل ما حرثوه مثل ذلك الجمل الذي دك كل ما حرثه.
فبنفس المنطق سيأتي التعريبيون والعروبيون ويقولون بأن “المغرب بلد عربي ينتمي إلى العالم العربي” عبر “المكون العربي في الهوية المغربية”.
وبنفس المنطق سيأتي الأندلسيون ويقولون بأن “المغرب بلد أندلسي ينتمي إلى العالم الأندلسي” عبر “الرافد الأندلسي في الهوية المغربية”.
وهكذا ينهار الخطاب الأمازيغي انهيارا تاما ويصبح عبثيا لا معنى له، بعد أن تبنى الأستاذ أحمد عصيد وأنصاره نظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية” التي تضرب كل شيء في الصفر وتضرب الأمازيغية في الصفر وتضرب المغرب في الصفر.
(أما الخطاب التعريبي الإسلامي فهو منهار ومفلس منذ زمن).
بسبب نظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية” ينتهي المغرب هوياتيا فيصبح بلدا معدوم الهوية ومعدوم الشخصية ومعدوم الحضارة الأصلية ومجرد خليط من هويات البلدان الأجنبية والشعوب الأجنبية واللاجئين الأجانب الهاربين إليه من آسيا وأوروبا وأفريقيا جنوب الصحراء + بورصونطاج من الأنديجان الأهالي (Les indigènes) البربر سكان الكهوفات والمغارات والصحارات والقفارات.
ومع بوادر إفلاس وانهيار الخطاب الأمازيغي (تحت القيادة الرشيدة للأستاذ أحمد عصيد ومن معه) بسبب تبني نظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية” فإنه لا يحق لنا إطلاقا أن نلوم المخزن الذي يروج هذه النظرية الهوياتية التخليطية في الإعلام ليل نهار ويبرمج المغاربة عليها ليل نهار ما دامت الحركة الأمازيغية قد أصبحت الآن تتبنى هذه النظرية الهوياتية المخزنية المكوناتية الروافدية التخليطية وتنشرها وتشوش بها هي أيضا على عقول المغاربة وتصيبهم بالاضطراب الهوياتي وتجعلهم يعتقدون بأن المغرب مجرد خليط من الأجانب والمهاجرين واللاجئين وأن هوية المغرب خليطة يحددها اللاجئون والمهاجرون إليه.
فالمخزن لم يفرض بالغصب والإكراه على الحركة الأمازيغية أن تؤمن بنظرية “الهوية المغربية الخليطة ذات المكونات الأجنبية” التي ظهرت عام 2011 وإنما الحركة الأمازيغية هي التي انجرت أو اغترت بهذه النظرية المخزنية الكارثية وتماهت معها بهذه البلاهة العجيبة وأصبحت ترددها بحماس وهمة ونشاط كما يفعل الأستاذ أحمد عصيد وكثيرون آخرون.
وإذا كان الأستاذ أحمد عصيد ومن يفكرون مثله مجرد مرددين ومكررين لما يقوله المخزن أو الدولة فلأي شيء يصلح الأستاذ عصيد وأمثاله؟
فأنا إذا احتجت إلى معرفة رأي المخزن أو سياسة الدولة في مسألة معينة فسأشاهد وأقرأ مباشرة ما يقوله ملك المغرب ورئيس حكومة المغرب ووزير الداخلية والناطق الرسمي باسم الحكومة.
أنا لا أحتاج الى الأستاذ عصيد ليخبرني بنظريات الدولة ويردد لي ما يقوله المخزن. وإنما وظيفة المثقف الحر هي قول ما لا يقوله المخزن/الدولة والقيام بدور المشاغب والمتمرد والناقد وفاضح الأكاذيب وناشر الأفكار والحقائق.
إذا كان خطاب الأستاذ أحمد عصيد ومن معه مجرد فوطوكوبي لخطاب المخزن فما حاجتنا إلى الأستاذ أحمد عصيد وأمثاله؟
آش غا ندير بلفوطوكوبي؟
هل رأيتم أيها القراء حجم الطامة الكبرى؟!
لقد تحول المثقف المغربي والأمازيغي الى شبه ناطق رسمي باسم المخزن/الدولة ومروج لنظريات الدولة حول “الهوية المغربية الخليطة المكوناتية الروافدية الخلائطية”!
أنا لا أطالب الأستاذ أحمد عصيد ولا غيره من المثقفين بتغيير الدستور والقوانين فلا يستطيعون ذلك.
ولكنهم يستطيعون قول الحق ونطق الحقيقة.
المثقف الحر المستقل لا يملك السلطة السياسية ولا يستطيع تشريع القوانين ولا إنفاذها. ولكنه يستطيع أن ينشر الحقيقة لدى الناس عبر الإعلام ويستطيع أن يشاغب في المواضيع الحرجة والمهمة ويستطيع أن يعارض بروباغاندات ودعايات المخزن وأن يحارب تلاعب الدولة والأحزاب بالمصطلحات والمفاهيم، دون أن يخاف بطش الدولة وتقطيبات التعريبيين وزمجرات الإسلاميين وتأففات الفخونكوفونيين.
حين يتجرأ المثقف المغربي الأمازيغي الحر المستقل على قول الحقيقة وتوعية الشعب ومواجهة الأكاذيب ففي المستقبل (بفضل الوعي بالحقيقة) سيستطيع الشعب عبر ثورة أو عبر انتخابات أو عبر إصلاحات دستورية أن يجعل تلك الحقيقة تتجسد في قوانين وسياسات وإصلاحات وتغييرات.
أما وقد باع المثقف الماتش ولم يكلف نفسه عناء مواجهة هذه النظرية الهوياتية المخزنية المكوناتية الروافدية الخلائطية (والبروباغاندات المخزنية الأخرى)، بل أصبح يروجها، فكيف سنتوقع أن يكون هناك إصلاح؟!
إذا أصبح المثقف جزءا من بروباغاندا الدولة فمن سيدافع عن الشعب؟!
من يقرأ للأستاذ أحمد عصيد أو يسمع له سيلاحظ أن كلمة “الحسم” عزيزة عنده وأثيرة لديه.
فهل يجرؤ الأستاذ أحمد عصيد على “حسم” موقفه من هوية المغرب وأن يحدد هل هي أمازيغية أم لا؟
أم سيستمر الأستاذ أحمد عصيد في تقديم نفسه كـ”مناضل أمازيغي” وفي نفس الوقت يروج نظرية المخزن القائلة بأن “هوية المغرب خليطة تتكون من مكونات وروافد أجنبية وأن الأمازيغية مجرد مكون”؟
وما يزيد الطين بلة هو أن النظرية القائلة بأن “هوية المغرب تتكون من مكونات أجنبية وروافد أجنبية مع المكون الأمازيغي” أصبحت الآن أيضا جزءا من استراتيجية بلاغية خطابية تعريبية جديدة يتبناها التعريبيون والعروبيون المغاربة بعد أن يئسوا من تعريب المغرب كليا وفوريا.
من المعلوم أن التعريبيين والعروبيين المغاربة يتبنون خطابا مزدوجا ومنافقا ويكيلون بمكيالين.
فالتعريبيون والعروبيون المغاربة حين يضطرون إلى مناقشة موضوع الأمازيغية أو ذكر الأمازيغية يستخرجون من “لقجر” أو من جعبتهم أو محفظتهم نظرية “المكونات المتعددة لهوية المغرب” للظهور بمظهر التعدديين التسامحيين الحداثيين. فيسقط المغاربة السذج أو الغافلون في هذه الخدعة.
وبمجرد أن ينتهي النقاش يعيد التعريبيون نظرية “المكونات المتعددة لهوية المغرب” إلى “لقجر” أو إلى محفظتهم وجعبتهم ويعودون إلى سجيتهم الأولى وطبيعتهم الحقيقية فيقولون دائما كلاما مفاده “المغرب بلد عربي ينتمي إلى العالم العربي” ويناقشون كل الأمور الأخرى السياسية والاجتماعية والثقافية على أساس أن “المغرب بلد عربي وجزء من العالم العربي والوطن العربي”.
وبهذا يسقط المغاربة/الأمازيغ السذج في هذه الخدعة فيقلدون التعريبيين ويرددون مثلهم أن “هوية المغرب متعددة المكونات والروافد” ويأكلون هذا الطعم التعريبي ويبتلعونه بحسن نية. أما التعريبيون والعروبيون فلا يأكلون هذا الطعم (الذي صنعوه) ولا يبتلعونه وإنما يمضغونه فقط خلال مدة النقاش ثم يعيدونه إلى جعبتهم أو محفظتهم بمجرد انتهاء حصة النقاش.
بعبارة أخرى: التعريبيون والعروبيون لا يؤمنون بنظرية “هوية المغرب متعددة المكونات والروافد” لأن هدفهم النهائي هو تعريب المغرب. وإنما هي فقط أداة للمراوغة “يسلّكون” بها أنفسهم في المواقف الفكرية المحرجة التي تكون متعلقة بالأمازيغية.
فالتعريبيون والعروبيون لديهم إيمان راسخ بأنهم “عرب جاءوا من الحجاز” أو أنهم “أمازيغ عربهم الإسلام فأصبحوا عربا كالعرب” ولذلك يراوغون الأمازيغية ريثما يتعرب المغرب لغويا وهوياتيا بنسبة 100%. ويرفض التعريبيون والعروبيون الاندماج في اللغة الأمازيغية والهوية القومية الأمازيغية للمغرب لأنهم يرون في ذلك خيانة لأجدادهم العرب الحقيقيين أو الخياليين أو خيانة للإسلام الذي هو دين العرب ومفخرة العرب والذي لغته الرسمية الوحيدة هي العربية التي لا يقبل الله الصلوات ومناسك الحج إلا بها.
المثقفون الأمازيغيون الذين يروجون نظرية “هوية المغرب متعددة المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية” هم في الحقيقة يساهمون في مشروع التعريب ومشروع الفرنسة ويجعلون من أنفسهم بيادق شطرنج تلعب لصالح التعريبيين والفرنكوفونيين ويساهمون بذلك في مسخ هوية المغرب إلى خالوطة من هويات الأجانب مما يسهل تعريب المغرب وأيضا فرنسته.
لهذا يجب التصدي لهذه النظرية الهوياتية المكوناتية الروافدية التخليطية المخزنية.
ويجب إفهام المغاربة المشوشين ضحايا المغالطات التعريبية والتخليطية بأن المغرب بلد أمازيغي وهويته الوطنية والقومية أمازيغية وينتمي إلى العالم الأمازيغي.
وبإقرار الهوية الأمازيغية القومية للمغرب سيقضي المغرب على المشروع الانفصالي العربي العروبي التعريبي البوليساري وسيقضي على مشروع التبعية الأبدية لفرنسا وسيعرف كيف يسترجع أراضيه المحتلة من إسبانيا وسيعرف كيف يتفاهم مع جاريه الأمازيغيين الجزائر Dzayer وموريتانيا Cengiṭ.
وبالهوية الأمازيغية القومية المقرونة بنشر اللغة الأمازيغية ستتقوى الوحدة الوطنية المغربية وستكون للمغرب شخصيته الأمازيغية المستقلة وسياسته الأمازيغية الداخلية والخارجية المستقلة وستكون للمغرب مناعة قومية ذاتية ضد منظمات الإرهاب الإسلامي العالمي التي تجند حاليا الآلاف من المغاربة التائهين هوياتيا ليكونوا وقودا رخيصا للحرب السنية الشيعية الأبدية.
أما البلدان العربية والشعوب العربية فهي موجودة في قارة آسيا ونتمنى لها النجاح والتوفيق في الدمقرطة والتنمية هناك في قارة آسيا.
وما تزال الأسئلة الحارقة تلاحق الأستاذ أحمد عصيد وبقية المثقفين الذين يفكرون مثله:
– هل هوية المغرب أمازيغية أم لا؟
– هل المغرب بلد أمازيغي ينتمي حصريا إلى العالم الأمازيغي أم لا؟
– هل قومية الشعب المغربي قومية أمازيغية أم لا؟
– وهل ستتوقف يا أستاذ أحمد عصيد عن ترويج نظرية المخزن الزاعمة بأن هوية المغرب خليط من المكونات الأجنبية والروافد الأجنبية؟
tussna-tamazight@outlook.com
https://www.freemorocco.com/ahmed-asid-morocco-identity/?fbclid=IwAR3joq08zxSl-gNRQdSVp9OgGJ-YNlup0Gk7yrs_55pEfALeXvnpX1880rI