صداقة جلجامش وأنكيدو
صداقة جلجامش وأنكيدو 11277
شغلت صداقة جلجامش وأنكيدو قسمًا كبيرًا من الملحمة، بحيث لازم كلٌّ منهما الآخر، ومضيا معًا إلى مغامراتهما الكثيرة، وأَخلَصَ أحدهما للآخر إخلاصًا يعكس بعضًا من معاني الصداقة ودلالاتها، مثل الوفاء والإخلاص وتقديم العون والحماية… إلخ.
ففي إحدى مغامراتهما، وبعدما تردّد أنكيدو خوفًا قال له جلجامش:
«أيليق بصديقي أن يتخلّف ويحجم؟ كلّا يا صديقي علينا أن نتقدّم ونوغل في قلب الغابة، وسيحمي أحدنا الآخر»
ولطالما عبَّر الواحد منهما عن شكواه وأحاسيسه وتوجّساته ومخاوفه للآخر، مُخاطبًا إيّاه «يا خلّي»، فيأسر هذا النداء القلوب لصدقيّته ولصدوره من أعماق الروح.
أمّا رثاء جلجامش لأنكيدو، المحمول على عاطفةٍ جيّاشة فائقة الشعريّة، فجاء بمثابة التتويج الدرامي لقضيّة الصداقة، حيث هَوَى هذا البطل الأسطوري، أمام مَرَض صديقه، هو الذي لم يكُن يقوَى أحدٌ على قهره:
«من أجل أنكيدو خلّي وصديقي أبكي وأنوح نواح الثكلى
إنّه الفأس التي في جنبي وقوس يدي
والخنجر الذي في حزامي، والمجن الذي يدرأ عنّي
وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي»
وأخذت الدموع تنهمر من عينيه مدرارًا/ وصار يمشي جيئة وذهابًا أمام الفراش وهو يطيل النظر إليه/ وينتف شعره المظفور ويرميه على الأرض/ خلع ثيابه الجميلة ومزّقها ورماها كأنّها أشياء نجسة/ وهامَ على وجهه في البراري وبكى بكاءً مرًّا…
من أوقف "جلجامش" عن ظلمه، ومحا القسوة من قلبه؟ إنه الصديق الشجاع "أنكيدو" الذي استطاع أن يحول العظيم المستبد إلى ملك عادل ينشر الهناء والكرامة في ذلك العمران الحضاريّ، فحقّقا مع رعية صالحة مآثر بطوليّة غنيّة وشائقة. إنها من أقدم الأساطير في العالم، وقد نالت اهتمام الباحثين لما فيها من قيم وكنوز ثمينة من المعرفة والحكمة، لعلّ أهمها الصداقة والعدالة والأعمال الصالحة التي تعطي الحياة معنىً بهيًّا وغاليًا".


المصدر:مواقع ألكترونية